القائد الغماري.. المدافع عن كرامة الأمة ومقدساتها المغتصبة
الصمود – بقلم/ بشرى حمود الهمداني
ليست كل الدماء سواء، ولا كل الرحيل انتهاء، هناك قامات كبرى لا تغادر المشهد بوفاتها، بل تتحوّل إلى بوصلة، تشتعل لتضيء الطريق، وترتقي لتُصبح رمزًا.
وهكذا كان ارتقاء اللواء الركن محمد عبد الكريم الغماري، الذي لم يُطفئ استشهاده، مع نجله ورفاق دربه، جذوة المقاومة، بل أشعلها نارًا لا تخبو في خاصرة العدو الأمريكي الصهيوني.
لقد كانت الضربة الغادرة التي استهدفت صمود اليمن في خضم معركة “طوفان الأقصى” دليلًا على حجم القلق والرعب الذي زرعه هذا القائد في نفوسهم.
لم يكن اللواء الغماري مجرد ضابط خبير يضع الخطط ويُصدر الأوامر، بل كان تجسيدًا حيًا للمشروع القرآني؛ جيشٌ لا يقاتل لأجل راتب أو مكسب، بل يقاتل دفاعًا عن كرامة أمة ومقدساتها المُغتصبة.
لقد جمع الغماري بين حنكة القائد العسكري الذي يُدرك لغة الميدان، وروح الثائر المؤمن الذي يرى في الجهاد فوزًا لا يقاس بالخسائر المادية، بل بصدق النية وارتفاع العزيمة، ومن موقعه، حوّل الجيش اليمني من قوة تقليدية إلى “قوة إسناد متقدمة”، لا تخشى تهديدًا ولا تتراجع أمام عدوان، لأن بوصلتها هي القدس وغزة.
حين قرّر تحالف الشر الإجرامي استهداف اللواء الغماري، ظنّ واهمًا أن باغتيال القائد سيُكسر عمود الخيمة. لم يفهم هؤلاء أن مدرسة “الوعي المقاوم” التي أسّسها في اليمن ترفض منطق الانكسار.
دماء الغماري لم تكتب نهاية فصل، بل دوّنت مقدمة لطوفان جديد من الرد والالتزام، إنها لغة الدم التي تفضح ضعف العدو، وتؤكد أن قادة اليمن هم الثمن الذي يدفعه المستكبرون نتيجة انحيازهم الإيماني الصادق.
الأرقام التي أعلنها بيان القوات المسلحة اليمنية – أكثر من 750 عملية نوعية خلال عامين، باستخدام الآلاف من الصواريخ والمسيّرات والزوارق – هي بصمات جهادية تركها الغماري وروّاد مدرسته، هذه الأرقام تصرخ في وجه المتخاذلين أن اليمن لا يكتفي بالشعارات، بل يقاتل بفاعلية نصرةً لغزة، مؤكدًا أن هذا الخيار هو خيار مصيري لا رجعة فيه.
لقد أورث الغماري جيلاً لا يعرف معنى التردد أو الانحناء. كان يُعلّم جنوده أن الاستشهاد ليس خسارة للمقاتل، بل هو انتصار للفكرة، تحوّل موقع الجبهة لديه إلى “محراب عبادة”، حيث لا تُفرق الرصاصة بين التكليف العسكري والواجب المقدس.
هذه الفلسفة القيادية هي ما جعل استشهاده نقطة تحوّل، فالفقد يتحوّل إلى إصرار، والحزن يُصاغ تصميمًا لا يلين على استمرار المسيرة بنفس القوة والإيمان.
سيظل اللواء الركن محمد عبد الكريم الغماري يطلّ بروحه في كل صاروخ يُطلق، وفي كل خطة تُنفّذ، وفي كل سفينة تُمنع. لقد ترك وراءه رجالًا يحملون الراية بذات القَسَم الذي ردّده يومًا: “لن تسقط الراية، ولن يُكسر العهد، ما دام فينا نفسٌ للجهاد، وصوتٌ يقول هيهات منا الذلة.”
نم قرير العين أيها القائد الذي لم يرحل، فلقد خلّدت دمك اليمن في سجل الأبطال، وأثبتت أنك لم تكن مجرد رصاصة أُطلقت، بل كنت “رصاصة إيمان” حية لا تنطفئ، شاهدةً على أن اليمن سيظل حصن الأمة، وحارسًا لكرامتها ومقدساتها، مهما عظُمت التضحيات.