الصمود حتى النصر

الكابوس اليمني يحاصر الكيان الصهيوني

الصمود||تقرير|| وديع العبسي

تؤكد إذاعة “جيش” العدو الإسرائيلي أن “المسيّرة اليمنية التي استهدفت مطر رامون دخلت المجال الجوي ووصلت إلى هدفها، دون أن يتم اعتراضها أو اكتشافها”، وتشير إلى خلل وصفته بـ”الخطير” في منظومة الكشف، فالطائرة -حسب الإذاعة- لم تُرصد إطلاقًا في أنظمة الكشف، وأصابت المطار من دون أن يكون هناك أي رصد مسبق. بينما ذكرت هيئة البث الصهيونية أن المسيّرة اليمنية فاجأت “الجيش الإسرائيلي” ولم يصدر التقرير الأولي عن الطائرة إلا بعد وقوع الضربة”. وتؤكد القناة 12 الصهيونية أن “الطائرة المسيّرة اليمنية التي استهدفت مطار “رامون” تسببت في أضرار كبيرة”. وتنقل صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية عن ما يعرف برئيس بلدية “إيلات” أن سقوط مسيرة يمنية بشكل مباشر دون تحذير مسبق أمر يثير القلق. فيما تخلص القناة 13 الصهيونية إلى أن “اليمنيين يحاولون فرض معادلة “العين بالعين والسن بالسن.. مطار مقابل مطار”.

على هذا النحو من الرصد والاستخلاص تتابعت -ولا تزال- الشهادات من عُقر العدو بحالة الإخفاق التي يعيشها وقد جعلت منه هدفا للضربات، وذلك عقب استهداف القوات المسلحة -الأحد- لمطار “رامون”، قبل أن تواصل قصف ذات المطار في اليوم التالي.

قبول شروط المقاومة الخيار المتاح أمام العدو

لا خيار أمام الكيان الصهيوني إلا قبول شروط المقاومة والترتيب للمغادرة، كي يصحو من هذا الكابوس الذي بات يحاصره بالموت والفناء، على أنه حتى ذلك لن يكون متاحا له كما يمكن أن يتصور، فمرحلة التأديب التي فتحها على نفسه لا يزال تقتضي امتثاله لحكم القصاص، وإعادة إعمار كل الدمار الذي خلفه. كان على “هرتزل” المؤسس الصهيوني الأول، أن يعي -مُذ كان حلمه بتأسيس الكيان لا يزال “خربشات” في أوراقه- بأن تحدي قوانين الحياة ومحاولة تطويعها لما يتوافق مع أوهامه مسألة غير قابلة للاستمرار. وكلما حلقت روح المقاومة في سماء الكيان -عبر الهجمات اليمنية، أو في برِّه من خلال كمائن المجاهدين في فلسطين- زادت التعقيدات من تضييق الخناق على وجوده، وثبت أن ما بُني خطأ حتما عاقبته السقوط.

والحرب الصهيونية العدوانية الأخيرة على غزة -التي يقترب عمرها من العامين- جاءت لتجبر العدو على مواجهة خدعة “هرتزل” وكهنة المعابد، ففي هذا الوقت تحديدا والذي يعد خلاصة عقود من العمل على تأمين كل عوامل القوة والاستمرار، وإجبار العالم على التماهي مع الفكر الصهيوني، والعمل من أجل بقاءه ونموّه، وتمكينه من التمدد، تسبب “نتنياهو” ومجموعة المتطرفين معه في كشف هشاشة هذا الكيان، وفي إغراق الغاصبين في عواقب سوء الحسابات الخاطئة ومعارضة قوانين الحياة.

الكيان كذبة “هرتزل” و”كهنة المعابد”

الكيان يعيش اليوم خطراً وجودياً حقيقيا، وهذه مسألة يتفق عليها الوسط الصهيوني عموما في الداخل والخارج، وعوامل فنائه تشهد تراكما لافتا، خصوصا بعد أن تبين أنه طوال العقود الماضية إنما كان يعيش على “كذبة الكيان الخارق”، وأظهرت الشهور الماضية من المواجهة قصور مفهومة لقاعدة “الكرّ والفرّ”، ففي هجماته أثبت أنه كائن منفلت وخطر على الحياة، إذ يعمد خلالها لاستهداف الأبرياء والأطفال والنساء بدم بارد، ولا يكتفي بذلك، بل يزيد أيضا في ضرب وسائل الحياة، وهي أهداف محرم دوليا استهدافها، كما يلجأ إلى منع وصول الماء وحليب الأطفال إلى المدنيين، وفي الشق الثاني من قاعدة “الكرّ والفرّ”، أثبت أنه في مستوى مثير للسخرية، إذ كشفت الهجمات اليمنية عن فشله التام في الدفاع عن نفسه ومجتمع الغاصبين.

في سياق المواجهة مع اليمن -الذي أعلن معركته “الفتح الموعود والجهاد المقدس”- تبيّن للعالم أن الكيان -صاحب المشاريع الكبيرة- غير قابل للحياة، فإذا كان بحسابات الزمن قد عجز أن يثبت عمليا تفوقه العسكري، على الأقل في الدفاع عن نفسه وحماية مجتمعه الغاصب، فإنه لا فرص تبدو متاحة لأن يحقق وهم “هرتزل” و”كهنة المعابد” وقد نهضت النفوس الحرة فعرّت واقعه وكشفت الأكاذيب التي أرادت تدجين كل العالم لصالح هذه الهالة الكبيرة للكيان.

اليمن يحاصر الكيان الصهيوني

وأكدت سلسلة الهجمات النوعية والاستراتيجية التي ينفذها اليمن -في سياق جهاده المقدس انتصاراً للشعب الفلسطيني- ما لا يريد “نتنياهو” والمتطرفون الصهاينة مواجهته من هذه المتغيرات، فالكيان -الذي يمتلك أقوى نظام دفاعي في العالم- ظهر عاجزا أمام السلاح اليمني، وقد بات محاصرا فعليا في الإطار الجغرافي الذي نهبه من دولة فلسطين.

وتُسجل تحليلات المراقبين والمحللين واقعا مفاجئا صار عليه أو ظهر به الكيان، فاليمن وضع خطة معلنة قوامها استهداف ومحاصرة العدو المحتل حتى يرتدع فيوقف عدوانه ويرفع حصاره عن غزة، وسار إلى ذلك بالاستعانة بالله سبحانه، ففرض حصارا بحريا تسبب في إغلاق أحد أهم موانئ العدو “أم الرشراش”، وهدد باقي الموانئ، كما فرض حصارا جويا أفقده ثقة شركات الملاحة في قدرته على توفير الأمن الداخلي لكيانه، وتسبب في توقف هذه الشركات عن تسيير الرحلات إلى مطاراته،  وإلى ذلك تسببت الهجمات اليمنية في إرباك الحياة داخل الكيان الاحتلالي على كل الصُعُّد العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذا فضلا عن الآثار الاقتصادية الكارثية المترتبة عن هذا الواقع الذي فرضه اليمن على العدو.

هكذا تقزّمت كائنات الشر أمام اليمن

يشهد العالم حاليا تصدر اليمن لعوامل القلق الوجودي للكيان، وبروز استثنائي لقوة لا يرى فيها الكثير أمرا إيجابيا، خصوصا مع منطلقات هذه القوى الإيمانية والقيمية. وكذلك سخرية أو تقليل البعض من الموقف اليمني ارتدت غصة في نفوسهم، ومعها بدأت بعض القوى ترى في ظهور اليمن بهذا الاقتدار سَحباً لبساط المحورية من تحتها، ليصير اليمن هو نقطة ارتكاز المنطقة بما أوتي من إيمان وثقة، وبما تسلح به من قوة ورباط الخيل. وصار للكلمة اليمنية وقع مختلف، لا يرى فيه الأعداء أية مزايدات أو كلاما استهلاكيا لتخدير الشعوب، وإنما مربط فعل يعقبه شواهد ومصاديق، وهذا من أبرز ما يجعل لليمن صدقية مغايرة لما اعتاد عليه العالم من كذب ونفاق. ثقة العالم تنسحب على ما يبدر من القوات المسلحة من تقارير، فحين تتحدث البيانات عن إصابة الصواريخ والمسيرات اليمنية أهدافها بنجاح في عقر المحتل فإن الكثير لا يهتم بما يصدر عن الكيان الصهيوني من مغالطات على وزن إسقاط السلاح اليمني أو سقوطه في منطقة مفتوحة، أو حتى سقوطه وعدم إحداثه أي تأثير.

اليمن رسخ معادلة فرضت على الجميع الاعتراف بسوء خيار العمل العسكري معه. ووفق ما يفيد به الخبراء فإن ما يمكن أن يردع آخرين لا يمكن أن يعطي نفس الأثر مع اليمن، فجملة المعطيات الاستثنائية التي يقدم فيها المفاجآت قد جعلته استثنائيا، فهو لا يأبه بفارق التسليح والإمكانات، ولا يأبه بالحسابات إذا كانت ستعيقه عن الوفاء بمسؤوليته الدينية والأخلاقية، وهو ينطلق من إيمان بصدق الموقف، ويستند إلى توافق قل نظيره في المواقف بين القيادة والشعب والجيش، هذا فضلا عن الإيمان وقوة الإرادة.

من هنا ذهب التحليل يبحث في الخلفية التي جعلت الكيان الصهيوني أضحوكة العالم وهو يواجه بلدا تعرض لعمليات قصف وتدمير شاملة طيلة ثمان سنوات متواصلة قبيل عودة الأعداء بقيادة أمريكا لمواصلة العدوان دفاعا عن الكيان الصهيوني. فاليمن الجريح نهض عندما جاءه نداء الاستغاثة من أزقة وشوارع غزة، وعندما رأى الصلف الصهيوني في أوج تجبره وتكبره، مع حالة صمم وخذلان من الأمة العربية والإسلامية عن القيام بالمسؤولية.

ونجح اليمن في فرض نفسه لاعبا محوريا قادرا على توجيه مسارات المواجهة، وتوجيه الضربات إلى من كانوا يمثلون كيانات تُرهِب العالم، فاختفت دول أوروبية من مشهد المواجهة، وانسحبت أمريكا، بينما بقي الكيان الصهيوني يلعق فشله ويحسب ما بقي من وجوده.

ظهور اليمن كحالة فريدة

على هذا الأساس أظهر اليمن، ليس القدرة على المواجهة فقط، وإنما كذلك على أن يتجاوز شكل المواجهة بالأساليب التقليدية، وهنا جاء لفْت الانتباه موضوعيا ومنطقيا، بل وذهبت نتائجه لأن تكون مواضيع لدراسات وأبحاث الكثير من مراكز العلوم العسكرية والبحثية، وبالتزامن لفْت نظر دول كبيرة للاستفادة من التجربة اليمنية التي لم تكن في الحسبان، وقد عكس الأمر نفسه على شكل الحضور الأمريكي على ساحة المعركة ضد اليمن، إذ أصبحت أمريكا مثار سخرية وتندر، ليس فقط لعدم قدرتها على ردع اليمن رغم ما يمتلكه البنتاجون من عدد وعتاد، وإنما كذلك بهذه الصدارة اليمنية في التكتيكات الحديثة.

نقلاً عن موقع أنصار الله