الصمود حتى النصر

اليمن ينهض بمعركة الوعي لاستعادة الكرامة والسيادة والقرار الحر

الصمود//تقرير // طارق الحمامي

اليمن بموقعه الاستراتيجي وثرواته الغنية والمتنوعة كان ولا يزال مطمع لدول الاستعمار وأدواتها في المنطقة التي حاولت في السنوات الأخيرة، أن تضع نفسها في خدمة مشروع استباحة شامل للمنطقة والإقليم بهدف البقاء، ومنذ أعلن من البيت الأبيض العدوان الغاشم على اليمن، في العام 2015م، برزت سياسات منسقة في إطار خطة مشتركة مع العدو الصهيوأمريكي من قِبل المملكة السعودية، تسعى إلى إعادة تشكيل خارطة النفوذ، بعد وطأة الهزائم العسكرية المتكررة التي منيت بها، وفي عمق هذا الصراع، لا يقتصر الرهان على المدافع والحدود، بل يمتد إلى العقول، ولذلك فإن العدو بمنظومة نفوذه الدولية أدرك أن أخطر ما يمكن أن يهدد مشاريعه ليس البأس اليمني في المواجهة العسكرية وقدراته المتنامية في التطور وحسب، بل عودة الوعي الجمعي للأمة إلى مبادئها الأصيلة، قيم الاستقلال، والعدل، والكرامة، والتكافل، فالأمة عندما تستعيد ثقتها بذاتها، وتفهم موقعها في التاريخ، وتعود إلى هويتها ،تتفكك أمامها كل محاولات الوصاية والسيطرة.

ولهذا، يحرص العدو على تنفيذ استراتيجيات ممنهجة لتغييب الوعي، تتكامل فيها أدوات الإعلام والثقافة والتعليم والخطاب الديني والسياسي، وتبدأ هذه الاستراتيجيات بإعادة تقديم العدو المحتلّ بأنه شريك في التنمية، أو الدعوات للتحرر من التبعية والوصاية على أنها تعنت أو تطرف، ثم يُعاد إنتاج منظومة رموز جديدة تُشيد بالتبعية وتُهاجم أي خطاب وطني حرّ.

 

تفكيك المفاهيم والمبادئ

العدو لا يخشى القوة المادية وحدها، بل يخشى الفكرة التي تحرّك القوة، لذلك فإنه يوجه جهوده وإمكانياته لتفكيك المفاهيم الكبرى في وعي الشعب، من معنى الحرية، إلى مفهوم الولاء، وحتى الهوية، حيث يُراد للمواطن اليمني أن يرى في الارتهان للخارج انفتاحًا، وفي مقاومته ومواجهته للعدو على أنها مغامرة، هذه الحرب الناعمة أخطر من القصف، لأنها تزرع الشك في جدوى القيم التي بُنيت عليها الأمة.

كما تُستهدف الرموز والقيادات والشخصيات الوطنية التي تدعو إلى الاستقلال والمقاومة بحملات تشويه واغتيال معنوي، حتى يخلو الفضاء العام من القدوات الملهمة، وفي المقابل، يُرفع من شأن الوجوه التي تتحدث بلغة الخضوع أو تبرّر الارتباط بالمحتلين والغزاة، لتصبح القدوة المزوّرة بديلاً عن النموذج الحقيقي.

 

كذلك الإعلام، عبر قنوات ترفيهية أو منصات رقمية، يتحول إلى أداة لإشغال العقول، تُغمر الجماهير بسيلٍ من المحتوى الذي يفصلها عن واقعها السياسي والاجتماعي، ويزرع ثقافة الفردية والأناء والاستهلاك بدل الانتماء والعمل الجمعي، وهكذا، تتحقق معادلة شعب منشغل، ونخبة مستسلمة.

 

ومن بين أحد أهم أساليب التفكيك هو هندسة الانقسامات وتغذية الصراعات الداخلية، من خلال تأليب القبائل ضد بعضها ومذهب ضد مذهب، شمال ضد جنوب، وتُضخّ الشائعات، وتُستثمر الأحداث الصغيرة لصناعة أحقاد طويلة الأمد، حتى يبقى المجتمع في دوّامة نزاع داخلي تصرفه عن مواجهة العدو الحقيقي.

 

وتُعاد صياغة المناهج أو الخطاب الإعلامي ليغيب عنه البُعد الحضاري والرسالي للأمة، فينشأ جيل لا يعرف موقعه ولا يتذكر قيمه. جيلٌ يسهل توجيهه لأن ذاكرته الجماعية قُطعت، وصار التاريخ عنده مجرد مادة جامدة لا معنى لها.

 

العدو، بكل أدواته، يدرك أن وعي الأمة هو خط الدفاع الأول والأخير، لذلك يسعى إلى إسكات العقول قبل أن يخوض معركة عسكرية، فحين تغيب الفكرة، تسهل السيطرة، وحين تستيقظ، تنهض الشعوب مهما كانت الجراح.

 

وما يحاول العدو أن يفعله في اليمن اليوم ليس سوى فصل من هذه الحرب الشاملة على الوعي، حرب تستهدف بها الأمة لتكون مجرد أمة غافلة، مقسّمة، متعبة، تلهث وراء الأمن المزيّف والمصالح اللحظية، بينما تُسرق سيادتها وثرواتها أمام عينيها.

لكن التاريخ يثبت دائمًا أن لحظة الصحو قادمة، وأن الشعوب التي تتعلم من آلامها وتستعيد مبادئها هي القادرة على إعادة رسم الخريطة، فوعي الأمة ليس رفاهية فكرية، بل شرط النجاة الوحيد.

 

حركة النفاق في اليمن

في هذا التقرير رصدنا أنماطاً كرر العدو استخدامها لتشكيل مخطط إضعاف الدولة اليمنية القوية المستقلة المناهضة للاحتلال المناصرة لقضايا الأمة ، منها ، تشكيل ميليشيات محلية، التموضع في موانئ ومواقع يمنية استراتيجية بغطاءات مختلفة أبرزها الغطاء الاستثماري، وكذلك دعم سياسي لقوى تقسيمية، واستغلال خطاب ديني وإعلامي يبرر الوجود الاحتلالي، كل ذلك يتكامل ليشكّل مخططًا يُضعف الدولة اليمنية، ويقوّض الخيارات الوطنية، ويطوّع المجتمع لصالح أجندات العدو.

 

استخدم العدو في منهجيته العدوانية أسلوب من أساليب الحرب الناعمة، من خلال شبكة من ممارسات سياسية وإعلامية ودينية تهدف إلى تقديم التدخّل أو الشراكات الخارجية كحل أو ضرورة، مع إخفاء أو تهميش التكاليف الحقيقية على السيادة والموارد، وأمثلتها ماثلة في شبوة النفطية وحضرموت وغيرها من المحافظات اليمنية التي تمثل أهم مراكز الثروة اليمنية، هذه الحركة تستخدم لغة الاستقرار ودرء الخطر لتبرير اتفاقيات أمنية، تمويلات سياسية، وإنفاق اقتصادي يُعاد توجيهه نحو إنشاء كيانات محلية عميلة تدين بالتبعية لها.

 

المحافظات المحتلة ساحة مفتوحة يُطبَّق العدو مخططاته فيها على أرض الواقع

يعمد العدو إلى دعم فصائل وجماعات مسلّحة عميلة عبر التمويل والتدريب والتسليح، لتُقدّم بعد ذلك كحماية أو كشريك محلي، لكنها عمليًا تعمل تحت نفوذ العدو، وتُستخدم لفرض واقع سياسي جديد في مناطق محددة (خاصة في المحافظات المحتلة)

كذلك التحكم بالموارد الاقتصادية والموانئ من خلال استثمارات ومشروعات داخلية تُحرّكها مصالح إستراتيجية، موانئ، عقود بنية تحتية، وتدفقات تجارية يتحكم بها العدو ويسعى لضمان قنوات لوجستية تتماشى مع مصالحه.

ومن الوسائل التي يستخدمها العدو لتبرير التدخل وسائل إعلامية وخطاب ديني يُصاغان في مطابخ الاستخبارات الصهيوأمريكية، لتبرير سياسات تدخل بمبررات مثل محاربة الإرهاب أو حماية الأمن الإقليمي، أو استقرار المنطقة، لتضليل الوعي العام وإخضاعه.

وقد يبدأ من خلال دعم أوهام مشاريع الاستقلال أو الحكم الذاتي كما هو في المحافظات المحتلة، أو تشجيع الانقسامات الإدارية والسياسية مثلما يحدث في تعز ومأرب لضمان بقاء نفوذه.

واجب المواجهة

لكل لحظة تأخر فيها اتخاذ الموقف ومواجهة خطر العدو ثمنٌ مضاعف، ينتج عنه تفكك البنية الوطنية، وفقدان الشباب لفرصة الارتباط بمشروع الوطن المستقل وقيم الحرية وتسليم جيل كامل لمشروع الوصاية والتبعية والخضوع للمحتل، إن السماح لهذا المخطط بالتمدد يعني منح العدو القدرة على رسم مستقبل اليمن بمقاييسها، ووفق أهدافها، ولذا فإن المواجهة ليست خيارًا دينياً وأخلاقيًا فحسب، بل إنها ضرورة وجودية للحفاظ على الهوية والحرية والسيادة والاستقلال .

 

معركة الوعي .. استعادة للكرامة وللقرار الحر المستقل

بعد استعراض أبعاد تدخلات العدو ، وآلياته وحرب التفكيك وتغييب الوعي التي يعتمدها في عدوانه الناعم على اليمن، تتضح الحقيقة الجوهرية، أن العدو يخوض من جانبه معركة استهداف الوعي والكرامة والهوية.

لقد أراد العدو أن يبقى اليمن ممزقًا، تابعًا، غارقًا في الفوضى، لأن الأمة التي تستيقظ وتستعيد مبادئها تشكّل الخطر الأكبر على مشاريع الهيمنة، لكنّ ما غاب عن حسابات هذا العدو الغبي ، أن الشعب اليمني، رغم الجراح، يملك من الصبر والإرث الحضاري والإيمان بعدالة قضيته ما يجعله قادرًا على تحويل المعاناة إلى وعي، والخذلان إلى عزيمة.

إن معركة الوعي هي جوهر التحرر، واليمنيين بفطرتهم وهويتهم المتجذرة يفهمون أن كرامتهم لا تمنح من محتل وأن السيادة تنتزع بالوعي، ووحدة الصف والموقف ، والشعب اليمني كله يربط كل ذلك بالإيمان بالله والثقة بنصره وتأييده، وبهذا المستوى من الوعي سيتبدد نفوذ الوصاية، وتنقلب المعادلة من التبعية إلى القيادة، ومن الخضوع إلى الفعل.

نقلا عن موقع يمانيون