الرئيس المشاط: ثورة “21 سبتمبر” أعادت لليمن دوره التاريخي على المستوى العربي والإسلامي
الصمود/
أكد فخامة المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، أن ثورة 21 سبتمبر أعادت لليمن دوره التاريخي على المستوى العربي والإسلامي، فكان المبادر لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم وحاجزاً منيعاً أمام مشاريع التطبيع والهيمنة الصهيونية.
وعبر الرئيس المشاط في كلمته مساء اليوم بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لثورة الـ 21 من سبتمبر المجيدة، عن التهاني والتبريكات للشعب اليمني وقائد الثورة السيّد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله-، وللمرابطين في جبهات الشرف والدفاع عن الشعب وحمى الوطن في سهوله وبحاره، وكل المخلصين في مختلف ميادين الجهاد، والأحرار في الداخل والخارج، بهذه المناسبة الوطنية.
وأشار إلى أن ذكرى ثورة الـ21 من سبتمبر تحل هذا العام، محمّلةً برياح التحديات والمتغيرات المتسارعة، في مرحلة تنزف فيها جراح الأمة، ويواجه فيها الشعب الفلسطيني أعتى موجات الإجرام والبطش الصهيوني، في مجازر وحشية لم يسجل لها التاريخ مثيلاً، تُرتكب بدمٍ بارد تحت مظلة الدعم الأمريكي السافر، والمنطقة العربية تُستباح، والعدو الإسرائيلي يمعن في عربدته، متجاوزاً كل الأعراف، والقوانين الدولية، وكان آخر فصول إجرامه العدوان الغادر ومحاولة الاغتيال الآثمة التي استهدفت الوفد المفاوض لحركة المقاومة الإسلامية حماس في العاصمة القطرية الدوحة، والجريمة الوحشية بحق المدنيين في حي التحرير بالعاصمة صنعاء ومحافظة الجوف والعدوان على ميناء الحديدة.
وأكد الرئيس المشاط، أن هذه الأحداث المتتابعة، بما تحمله من أبعاد تقدم الدليل القاطع على صوابية وفاعلية ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، التي أعادت لليمن كرامته وانتزعته من براثن الوصاية، لتضعه على طريق الاستقلال والحرية، ليكتب فصلاً جديداً من تاريخه بقرار مستقل، وإرادة لا تنكسر وعزيمة لا تلين.
وقال “إننا إذ نستحضر ذكرى ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، فإننا لا نستعيد مجرد حدث من الماضي، بل نستحضر واقعاً حياً نابضاً لا يزال يصنع حاضرنا ويشكل مستقبلنا، إنها ذكرى تشعل في القلوب وهج الكرامة والعزة، وتذكير بلحظة التحول التاريخية التي استعاد فيها الشعب اليمني إرادته الحرة، ورفع صوته عالياً مدوياً في وجه الفساد والوصاية والتبعية، ليرسم بذلك صفحة جديدة من صفحات العزة والكرامة في مسيرته النضالية”.
وأوضح أن “من يتأمل الواقع اليمني منذ قيام الجمهورية اليمنية، لا يسعه إلا أن يدرك عمق الاختلالات التي تراكمت، وأن اليمن لم يكن يوماً على ما يرام، ومن هذا الإدراك تنبثق أهمية ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيدة، والتي كانت ضرورة وطنية وحاجة شعبية ملحة، في لحظة كانت مقدرات الوطن تتآكل، والقيم يستبدل بها غيرها، والهوية على طريق التجريف، بفعل عبث الخارج وأدواته الداخلية الملوثة بالتبعية والفساد”.
وأشار إلى أن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المباركة جاءت تتويجاً لمسيرة نضال شعبنا بعد عقود من الخيانة والإحباط، بعد أن أسقطت قوى النظام السابق كل الشرعيات، وأهدرت كل موارد البلاد، وأباحت سيادة الوطن، حيث فضحت الثورة حقيقة هذه القوى التي استمرأت التفريط والخيانة، وباعت القرار الوطني وفرغت مؤسسات الدولة من مضمونها السيادي لصالح الوصاية الأجنبية التي أصبحت في سنواتها الأخيرة حقيقة مكشوفة للعيان.
وأضاف الرئيس المشاط “إن من يستذكر تلك المرحلة المظلمة التي سبقت اندلاع الثورة الشعبية، سيدرك أننا كنا نعيش ذروة الانحدار الوطني، حين تواطأت بعض القوى المحلية الحاكمة حينها مع أجندات الخارج على حساب الشعب ومصالحه وسيادة البلد واستقلاله، حتى أوصلوا البلد إلى وصاية معلنة حولت سيادته إلى ورقة بيد الخارج وأطماعه”.
ولفت إلى أن مركز القرار انتقل حينها من دار الرئاسة إلى مبنى السفارة الأمريكية، وأصبح السفير هو الآمر الناهي، يقرّر ما يشاء، ويوجه بما يريد، ويخطط وينفذ، في مشهد فجّ وسافر، فلم يكن ذلك مجرد نفوذٍ غير مباشر، بل كان إدارةً صريحة، واحتلالًا ناعمًا، تم تقديمه للشعب كأمرٍ واقع، وكأنه قدر لا فكاك منه، ينبغي التسليم به والتكيف معه.
وأكد أنه وفي مواجهة هذا الانحدار، جاءت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر كفعل تحرري شجاع، يكتب اليمن من خلاله عنوان كرامة في هامة التاريخ، ويعيد الاعتبار لإرادة شعب أراد الحياة، ويفتح صفحة جديدة من العزة والاستقلال.
وبين فخامة الرئيس أن التصعيد الثوري الذي تُوِّج بانتصار الشعب اليمني في الحادي والعشرين من سبتمبر، لم يكن تعبيرًا عن مذهب دون مذهب، ولا قبيلة دون أخرى، ولا منطقة بمعزل عن سواها؛ بل كان جهداً شعبياً خالصًا، منطلقاً من معاناته، جامعًا لكافة شرائحه، معبرًا عن تطلعاته، فقد خرج اليمنيون بمختلف مكوناتهم في اصطفاف شعبي واحد، وتحرّكوا لصالح وطنهم، لا لحساب أحد، وقاموا صفًا واحدًا في مواجهة الفساد والتبعية، وكتبوا بذلك صفحة من المجد لن تُنسى.
وذكر أن الوجوه انكشفت في تلك اللحظة، وسقطت الأقنعة، وبرز الخارج طرفاً في مواجهة إرادة الشعب، مستخدماً أدواته في الداخل، متوهماً أن بإمكانه وقف المد الثوري الجارف، والحراك الشعبي الزاحف، لكن وعي الشعب العظيم مثّل صخرة تكسرت عليها مؤامرات الخارج وأعاقت محاولات العودة إلى الوراء.
وأفاد بأن ذلك التحرك الشعبي الواعي، السلمي، المسؤول، كان صفحةً ناصعة في تاريخ اليمن الحديث، كتبها اليمنيون بدماء عزّتهم وكرامة كفاحهم، وسيسجّلها التاريخ درسًا خالدًا للأجيال القادمة، كملحمة من ملاحم الحرية، بثورة نادرة في سلميتها، عظيمة في إنجازها، أدهشت المراقبين فوصفت “بالفعل الخارق للمألوف”.
وأوضح الرئيس المشاط أن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر تحققت بأقل كلفة، وبأعلى درجات الوعي والانضباط، فبسطت الأمن، وحفظت الممتلكات العامة والخاصة، ودعت جميع شركاء الوطن إلى السلم والشراكة، وقدمت بذلك نموذجاً فريداً، وحققت هدفاً وطنياً سامياً.
ولفت إلى أن هذه الثورة تفردت بمزايا قلّ أن تجتمع في ثورة شعبية؛ فهي لم تكن مستوردة من الخارج أو مأجورة، بل خرجت من رحم الشعب، من آلامه وآماله، ومن جراحاته وتطلعاته، وامتازت بانضباطها الشعبي اللافت، وسِلميتها الثابتة، ورغم أن السلاح كان حاضرًا في أيدي الجميع، إلا أن الحكمة اليمانية كانت الحارس، فلم يُسجل اعتداء واحد على المدنيين، فكان المشهد أكثر من أن يُصدق، وأقل من أن يتكرر.
وقال “إن من أبرز ما ميّز هذه الثورة هو تسامحها مع خصومها، ورغم ما واجهته من عداء وتآمر، فقررت في عز انتصارها أن تمد يدها إلى كل أبناء الوطن، حتى إلى أولئك الذين كانوا في صف خصومها، فشاركتهم في (اتفاق السلم والشراكة)، وضمنت لهم حقوقهم، وممتلكاتهم، ومكانتهم السياسية، وأعلنت أنها ثورةٌ للجميع، لا للإقصاء، ولا للانتقام، وإنما لحماية الوطن والمشاركة في بناء مستقبله، فلا غالب ولا مغلوب، الشعب كله انتصر”.
واستدرك بالقول “لكنهم سرعان ما تنكروا، وبدأ الخارج في حبك المؤامرات، فانتعلتهم عندما شُـنَ عدوانًا عسكريًا مباشرًا أعلن من واشنطن، وقاد هذا العدوان النظام السعودي في محاولة لإعادة اليمن مجددًا إلى الوصاية، ولكنهم خابوا وفشلوا، بفضل الله تعالى وصمود واستبسال هذا الشعب اليمني العظيم، شعب الإيمان والحكمة، فالشعب الذي ذاق طعم الحرية، لن يرضى بأن يكون عبداً إلا لله سبحانه وتعالى”.
وأكد أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بأولويتها في ثورة 21 سبتمبر منذ الوهلة الأولى لانطلاقها؛ باعتبارها القضية المركزية والمظلومية الأكبر، التي تتفرع عنها كل المظالم في منطقتنا وعالمنا الإسلامي، وقد حافظت الثورة على موقفها المبدئي والديني بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وعمَّدته بالدماء والمواقف الخالدة، ومنعت الملاحة الإسرائيلية من المرور في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وصولاً إلى المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، وسخَّرت كل إمكاناتها لمناصرة الشعب الفلسطيني.. مبينا أنه وفي إطار هذا الموقف ارتقى رئيس الوزراء في حكومة التغيير والبناء وعدد من رفاقه الوزراء، وعدد كبير من أبطال القوات المسلحة والمواطنين من أبناء هذا الشعب العزيز شهداء أعزاء في إطار معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، ولولا هذه الثورة لكان التطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي أعلن من اليمن، استجابة للتوجيهات الأمريكية.
وتابع فخامة الرئيس “إننا اليوم نطوي عقدًا من العدوان الأمريكي السعودي الغاشم الذي لم يتوقف حتى الآن، بكل ما حشد له من ترسانة عسكرية، وتحالفاتٍ دولية، وإمكاناتٍ ماليةٍ وسياسيةٍ، وبعد سنواتٍ من القتل والتدمير الممنهج، والحصار الخانق، والتجويع المُتعمَّد؛ نقف اليوم أكثر صلابة، وأشد بأسًا، وأمضى إرادةً، لذود عن بلدنا، وردع أي عدوان يفرض عليه، ونسعى بدأب لتحقيق الإنجازات في زمن التحديات وننتزع النجاحات من بين فكي العدوان والحصار، ويحق لشعبنا العزيز أن يرى جراحه تثمر عزًّا، وآلامه تستحيل نصراً، وأن يفخر بثورته، ويعتز بقيادته، ويثق بصوابية نهجه، فثورة الـ 21 من سبتمبر المجيد لم تكن لحظةً غضب، بل مسار وعي؛ لحماية الشعب والسيادة على كل شبر من أراضينا الحرة والمحتلة من عدن الجريحة إلى سواحلنا المنهوبة”.
وأضاف “ونحن نحتفل بالذكرى الحادية عشرة لثورة 21 سبتمبر، نتذكر إخوتنا في غزة الذين يعيشون قرابة العامين تحت إجرام الكيان الصهيوني دون رادع من حكومات وجيوش أمتنا العربية والإسلامية، وبهذا المقام نقول لشعبنا اليمني بكل فخر واعتزاز، بأن واحدة من أهم ثمرات ثورتنا المباركة هو وقوف اليمن قيادة وشعباً وعلى كل المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والثقافية، رسمياً وشعبياً إلى جانب إخوتنا المظلومين في فلسطين وفي قطاع غزة، وإن هذا لدليل قوي على أن اليمن تعيش خارج عهد الوصاية الخارجية، وتتمتع باستقلال تام، وسيادة كاملة في قرارها، وفي إطارها نواجه أئمة الكفر أعداء أمتنا العربية والإسلامية أمريكا وإسرائيل في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
وجدد الرئيس المشاط التأكيد على ثبات موقف اليمن إلى جانب فلسطين وقضيتها العادلة، وتضامن اليمن حكومة وشعبا، مع الدول العربية وشعوبها التي تتعرض للعدوان الإسرائيلي المستمر والمتمادي، والذي يؤكد على وحشية هذا العدو وسيره في تطبيق وترسيخ معادلة الاستباحة بدعم أمريكي وغربي فاضح.
وتابع “وكنا نأمل من قمة الدوحة الاستثنائية أن تكون مقرراتها عملية بدلاً من الكلام وعبارات الشجب وغيرها، فالرسالة من العدوان الصهيوني على قطر كانت واضحة للجميع، أن الدور ينتظرهم إذا لم يستفق الجميع فنحن أمام عدو لا يحتكم لشيء إلا إلى لغة القوة مهما خبأنا رؤوسنا في التراب، وأن القواعد الأمريكية في المنطقة لحمايته وليست لكم كما يتوهم البعض فهي عليكم، وليست لكم”.
ومضى فخامة الرئيس قائلا “وهنا نؤكد موقف اليمن الداعم للوحدة العربية والإسلامية في مواجهة هذا الخطر، ونعبر أيضاً عن إرادة الشعب اليمني كل يوم بضربات قواتنا المسلحة عمق هذا الكيان الغاصب، ولا يعبر عن إرادة الشعب اليمني غير ذلك، وأي صوت غير هذا فهو عبارة عن صوت وظيفي يقوله آخرون محسوبون على هذا البلد، وللأسف نيابة عمن وظفهم لهذا الغرض وليس عن الشعب اليمني المعروفة مواقفه وتضحياته”.
وعبر الإكبار والإعزاز والإجلال لصمود شعبنا اليمني وصبره، عمالاً وموظفين، نساءً ورجالاً وأطفالاً، في مواجهة العدوان والحصار الأمريكي السعودي الذي لم يتوقف حتى الآن، والذي ستكون عاقبته الخير كما وعد الله تعالى عباده الصابرين.. مشيدا في هذا الإطار بصبر وصمود المرأة اليمنية المجاهدة أما وأختا في صناعة ملاحم الصمود، وغرس ثقافة العزة والكرامة ومبادئ الجهاد في وعي الأجيال.
وتعهد الرئيس المشاط للشعب اليمني مجددا بالعمل على استرداد كافة حقوق الشعب والحفاظ على سيادته ومقدراته وثرواته.. وقال” ندعو المواطنين في المناطق المحتلة لرفض التواجد العسكري لقوى الاحتلال، ونتوجه لدول العدوان بضرورة تنفيذ التزاماتها تجاه السلام وجبر الضرر الذي لحق باليمن جراء العدوان والحصار”.
وعبر عن أحر التعازي وأصدق المواساة لكل شهداء اليمن عامة، واختص بالذكر شهداء الهجمات العدوانية الإسرائيلية الأخيرة على الأحياء المدنية في مديرية التحرير ومحافظة الجوف، والحديدة.. سائلا الله الرحمة والغفران للشهداء، والشفاء للجرحى.
وأكد الرئيس المشاط لشعبنا أن هذه الدماء الطاهرة لن تذهب هدراً، فهي في سبيل الله ونصرة لإخواننا في فلسطين، وأن القوات المسلحة اليمنية ستنفذ أقسى الضربات على الكيان الصهيوني المجرم.. مجددا التأكيد على “أن الحكومة مستمرة في أداء مهامها وخدمة الشعب وأننا على ذات الطريق سنمضي في مسار التغيير الجذري قدماً حتى تحقيق بناء الدولة اليمنية الحديثة والعادلة على درب الشهداء الأبرار إن شاء الله”.