الصمود حتى النصر

في مقابل تصاعد الاقتدار اليمني تتراجع فرص الكيان الصهيوني في البقاء

الصمود||تقرير||وديع العبسي

حلل موقع “ذا ماركر” العبري الواقع كما هو بالعقل والمنطق، حين شكك في قدرة كيانه الصهيوني على تغيير حقيقة التأثير اليمني بعملياته الإسنادية واستهدافه عمق الكيان الصهيوني. وبحسب الموقع فإن ما سبق من تحرك عسكري أمريكي بريطاني قد مثّل أشكالا حادة من العنف ومن مهاجمة الأعيان المدنية في اليمن، مع ذلك فإنه لم يُحدث أي تغيير لجهة رفع الحصار عن ميناء أم الرشراش وإيقاف استهداف عمق الكيان.

التحركات العسكرية ضد اليمن التي أخذت مسارات متعددة فردية وجماعية، أبرزت القناعة بأن اليمنيين لن يتوقفوا عن عملياتهم، كما أنهم لا يتوقفون عند مستوى معين من القدرة والتكتيك، بحيث يمكن للعدو الاستناد إليها في تحديد كيفية صد هذه العمليات.

وفي عملياتها الإسنادية للكيان والداعمة لجرائمه ضد الفلسطينيين منذ أواخر عام 2023، حركت واشنطن قرابة 30 سفينة حربية، أي ما يعادل 10% من إجمالي أسطولها البحري في عمليات قتالية ضد اليمن، أطلقت خلالها ذخائر تقدّر قيمتها بنحو 1.5 مليار دولار بحسب مسؤول أمريكي، إلا أنها انتهت إلى مفاجأة أثارت العالم بانسحابها، بعد واحدة من ما وُصفت بأنها أعنف المواجهات العسكرية البحرية الحديثة بين أمريكا واليمن.

إقرار بعدم جدوائية العمل العسكري في اليمن

ولا يبالغ من يُصنفون كنخبة في السياسة والعمل العسكري ورجالات الفكر من الصهاينة، حين يخلصون إلى هذه الحقيقة بيأس وإحباط، فهم يستندون أولا إلى ما يمتلكه كيانهم من قوة ومن دعم أمريكي غربي قوي، ومن تجربة طويلة في الحروب، وعمل دؤوب طيلة أكثر من (70) عاما في تدجين العرب والمسلمين وفصلهم عن قضيتهم الأولى فلسطين، ثم رغم ذلك عجزهم عن تحقيق أي إنجاز عسكري من مهاجمة اليمن، وظهور اليمن كقوة استثنائية، سيتطلب أمر استيعابها وقتا طويلا، وربما لن يفلحوا. يقول ما يُعرف بنائب قائد بحرية العدو سابقا شاؤول حوريف: “الحوثيون يشكلون تهديدا من نوع لم يكن موجودا في الحروب السابقة، عدو يبقى على الساحل ويفرض علينا حصارا من هناك”.

وتدعم العمليات اليمنية -والتأكيدات بأن العدو والعالم على موعد مع المفاجآت العسكرية اليمنية- هذه القناعات التي باتت تترسخ لديه، واعترفت بها مستويات متعددة من بُنيته السياسية والعسكرية، حد استخلاص أن المنهجية في شن ضربات مباغته على اليمن، لا تبدو مجدية مع اليمنيين.. لذلك يقول الموقع العبري “ذا ماركر” إن الحل العسكري ليس مجدياً. مقترِحا النظر في الاتفاق السياسي الذي كان قد توصل إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع أنصار الله كخيار بديل.

الإنذارات المبكرة ومنظومات الاعتراض لم تعد توفر الشعور بالأمن

وكنتيجة لهذا المستجد على واقع الكيان الذي ظل 77 عاما صاحب الكلمة المتفردة في البلطجة بحق شعوب المنطقة وسيادتها، يبدو وضعه الداخلي اليوم في أسوأ حال، لكون الأثر يتجاوز اللحظة إلى مستقبل وجوده، وهذا ما تؤكد عليه تقارير الرصد والتحليل الخارجة من مؤسسات بحثية أمريكية وإسرائيلية، فضلا عن إدراك المغتصبين لها عن قرب.

في تقرير استقصائي نشرته وكالة “شينخوا” الصينية من القدس المحتلة، بدى الواقع النفسي الذي يعيشه المغتصبون داخل الكيان قاتما، ونقل التقرير جزءاً من التداعيات النفسية المهزومة، والتي كشفت عن جانب من وهم الاستقرار ووهم القوة، وامتلاك “أقوى منظومات دفاع” في المنطقة. جاء عنوان التقرير معبرا عن هذه الحقيقة، وهو “مرت عقود ولم نصبح أكثر أمانًا”. وحسب الوكالة، يقول أحد المغتصبين ويدعى ديفيد: “كل إنذار يضعنا أمام سؤال مرعب: هل نركض للملاجئ أم نستسلم للمصير؟ ثلاثون عامًا ولم نجد حلاً لأمننا!”. حتى الإنذارات المبكرة ومنظومات الاعتراض لم تعد توفر الشعور بالأمن، بل زادت من حدة القلق والارتباك بين السكان.

تقرير وكالة “شينخوا” الصيني الذي اعتمد على شهادات ميدانية وبيانات موثقة، لم يكشف وحسب عن هشاشة المنظومة الأمنية للكيان الصهيوني، بل أيضاً عن الانهيار النفسي الذي بدأ يفتك بمجتمعه.

ارتفاع عدد الغاصبين المهاجرين للكيان

يؤكد الفعل صدقية القول، وتؤكد التداعيات حجم التأثير، ورغم محاولات العدو تجاهل أو إخفاء ما يعيشه جراء الهجمات اليمنية والتي لامسها العالم، تأتي تصريحات البعض، إضافة إلى المعطيات الجديدة في واقع الكيان، لتفضح محاولاته وتُخزيه، فالسفير الأمريكي لدى الكيان المدعو “مايك هاكابي” يكشف عن ذلك بفراره المتكرر إلى الملاجئ مع قدوم الصواريخ اليمنية. إذ قال لوكالة بلومبرغ الأمريكية: “لا أحد في مأمن من الهجمات القادمة من اليمن، فهي تقع في كل مكان وتحدث بشكل شبه يومي”. وأضاف: “نضطر لدخول الملاجئ كل يوم أو يومين بسبب الصواريخ القادمة من اليمن”. وقال “عند انطلاق صفارات الإنذار نُجبر على إخلاء السفارة ونقل جميع الموظفين إلى الملجأ”.

وفيما مددت شركات الطيران تعليق رحلاتها إلى الكيان لأشهر قادمة، مليون غاصب صهيوني يتخذون قرار مغادرة الأراضي المحتلة، حيث لم تعد آمنة بالنسبة لهم. وكشف تقرير لصحيفة معاريف الصهيونية عن ارتفاع كبير في نسبة المغتصبين الصهاينة الذين فروا من الأراضي الفلسطينية المحتلة هربا من صواريخ اليمن. وقالت الصحيفة إن نسبة المغتصبين الذين فروا إلى الخارج هربا من صواريخ ومسيرات اليمن ارتفعت إلى 28% مقارنة بالعام الماضي. كما أشارت الصحيفة إلى أن شهر مايو 2025 سجل انخفاضًا بنسبة 69% في عدد الزوار القادمين مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2023، وذلك في ظل تصاعد الأزمات الأمنية والاقتصادية منذ بدء الحرب على غزة.

إلى ذلك أيضا أكدت صحيفة The Jewish Independent العبرية بأن الهجمات اليمنية تحولت إلى كابوس يومي رغم بُعد المسافة بين الجبهتين بأكثر من ألفي كيلومتر.

والحقيقة أن الكيان من الداخل بات مهزوزا بشكل كبير، وصل إلى حد الخوض في حل ما يسمى بـ”الكنيست”، وهي مسألة لا يمكن فصلها عن المعركة، ففشل النتنياهو عن تحقيق أي هدف غير ارتكاب المجازر بحق النساء والأطفال في غزة خيم على التصورات التي تحاول رسم واقع وردي للكيان والمغتصبين، وما عاد بالمقدور حتى ضمان الأمان.

في الجُعبة اليمنية الكثير من المفاجآت

السلاح اليمني، مثّل ورقة مؤثرة بشكل كبير لوصول العدو إلى هذا المستوى من الشلل والعجز عن إحداث أي تغيير، يزيد من تأثير ذلك استنتاجات الخبراء العسكريين داخل الكيان وخارجه، والتي تؤكد بأن الصواريخ الفرط صوتية من الصعب اعتراضها عبر المنظومات التقليدية، وهذا ما ظهر فعلا وكشف عن صدمة تعرَّض لها الكيان، إذ لم يكن يتوقع أن يُنفَّذ عليه يوما هجوم كهذا وبهذا النوع من السلاح، بعد صدمة دخول اليمن المعركة رغم بعد المسافة الجغرافية التي تفصله عن الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويبدو أنه لا تزال جُعبة القوات المسلحة اليمنية مليئة بالمفاجآت، فالرئيس مهدي المشاط حذر من أن طائرات “إف-35” ستصبح “مسخرة للعالم”، وقد تعامل العدو -كما يبدو- مع التحذير بجدية، لذلك لم يجرؤ على تحريك طائراته في هجومه الأخير على ميناء الحديدة.

ثم هناك الصواريخ متعددة الرؤوس، والتي سيكون لها آثار تدميرية كارثية، وسيفرض دخولها الخدمة واقعًا إقليميًا واستراتيجيًا جديدًا، يهدد وجود كيان العدو الصهيوني واستمراره.

نقلاً عن موقع أنصار الله