الصمود حتى النصر

واشنطن ترضخ ونتنياهو في الزاوية .. من التهديد إلى التوسل

الصمود||تقرير||عبد القوي السباعي

في واحدةٍ من أكثَرِ لحظاتِ التاريخ العربي المعاصِر دهشةً ودهاءً وانتصارًا، أعلنت خارجيةُ سلطنة عُمان رسميًّا عن التوصُّلِ إلى اتّفاقٍ لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية اليمنية.

لكن هذه ليست مُجَـرَّدَ هُدنة عسكرية. إنها شهادةُ موتٍ لأُسطورة الهيمنة الأمريكية، وخاتمة مخزية لتحالف القتل الذي أراد تدميرَ اليمن باسم “أمن الملاحة” و”حماية إسرائيل”.

بحبر البحر “الأحمر”.. اليمنُ يكتُبُ المعادلة:

قبلَ أسابيعَ فقط، كانت البنتاغون تطلِقُ صواريخَها وتتبجّحُ بطائراتها الشبحية بي 2، وكانت واشنطن تهدّدُ صنعاءَ بالإبادة.

ثعالبُ الحرب صرخوا في وجوه شعوب المنطقة: “لقد عاد ترامب، وسينهي كُـلُّ شيء”، لكن الذي انتهى فعلًا هو وَهْمُ القوة الأمريكية. فما الذي جرى؟

خسرت واشنطن خلال شهر واحد ما لم تخسرْه في سنوات في العراق وأفغانستان: طائرتان F-18، أكثر من خمسٍ وعشرين طائرة مسيَّرة MQ-9، مليارات الدولارات، وانهيار استراتيجيّ مدوٍ في البحر الأحمر.

عاجزةً عن حماية نفسها، جاءت تطلُبُ عبر مسقط أَلَّا تُستهدَفَ سفنُها بعد اليوم، في مقابل وقف العدوان. لا كلمةَ عن “استئصال الحوثيين”، ولا عن “إعادة الشرعية”، ولا حتى عن “حماية أمن إسرائيل”. فقط: “دعونا نمُر”.

صنعاء تقود.. لا تساوم:

الردُّ اليمني كان حازمًا، كما اعتدناه. الرئيس مهدي المشاط أعلنها بصوتٍ عالٍ: “لن نتراجعَ عن إسناد غزة مهما كان الثمن”. ولم يكن إعلانًا سياسيًّا عابرًا، بل استراتيجية قتال واضحة. صنعاء لا تحارب؛ مِن أجلِ موانئ، ولا تناور؛ مِن أجلِ نفوذ. إنها تقاتِلُ لأجل القُدس؛ لأجل غزة؛ لأجل الكرامة التي تساقطت في عواصم الخنوع.

ولذلك، لم يكن وقفُ النار مقابلَ هُدنة تقليدية. بل معادلة جديدة: إنْ لم تُفك حصار غزة، فستبقى الأراضي المحتلّة تحت مرمى النيران اليمنية.

هذا ليس تهديدًا إعلاميًّا، بل التزامٌ عسكري مُزلزل. كيان الاحتلال يدركُ ذلك، ولهذا بدأت صرخاتُه تتعالى: “لا يمكن اجتياح اليمن بريًّا، وأمريكا لن تفعلَ ذلك”، بحسب ما نقلته القناة الـ 14 العبرية.

نتنياهو في الزاوية: من الحليف الأقوى إلى العزلة:

بالنسبة لنتنياهو، ما جرى هو كارثةٌ سياسية وعسكرية، لا تقلُّ عن هزيمته في غزةَ. حليفُه الأهمُّ، أمريكا، قرّرَ التخلِّي عنه في لحظة حاسمة، وانسحب من المعركة تحتَ ضغط النيران اليمنية.

رسالةُ ترامب -كما قال الصحفي الإسرائيلي عميت سيجال- كانت صادمة: “هاجموا (إسرائيل) واتركونا وشأننا”.

وهكذا، لم يعُدْ أمامَ نتنياهو سوى الخُضُوع للواقع أَو الانفجار في داخله، هُنا محمد علي الحوثي، عضو المجلس الساسي الأعلى لم يتردّدْ في إعلان الرسالة: “على نتنياهو أن يبدأَ بإعداد استقالته”؛ لأَنَّ الدعمَ الأمريكي انتهى، والأُفُقَ السياسي بات مظلمًا.

المرتزِقة.. خُذِلوا كما خَذلوا أوطانهم:

أما أُولئك الذين راهنوا على أمريكا، وعلّقوا آمالَهم على قنابلها وصواريخها؛ فها هم اليوم يقفون عُراةً من الموقف والكرامة.. “الحوثي سينتهي”.. قالوا، “أيامُه معدودة”، “جاء ترامب لينقذَنا”، واليوم، لا الحوثي انتهى، ولا أنتم ربحتم.

لقد تخلّت أمريكا عنكم كما تخلّت عن غيركم، وتركتكم تواجهون حقيقةً واحدة قاسية: أن وقوفَ المسلم مع الكافر ضد أخيه المسلم هو خسارة مؤكّـدة، في الدنيا قبل الآخرة.

لم يعد المشهدُ بحاجة إلى تحليلات معقَّدة، هُناك جبهة تقاتل؛ مِن أجلِ شرف الأُمَّــة، وهناك من يقاتل نيابةً عن الصهاينة، هناك من يفاوض ليحميَ السفن الأمريكية، وهناك من يفاوض ليرفعَ الحصار عن غزة، ومَن ينصُرِ اللهَ، ينصُرْه اللهُ.

أمريكا اليوم تركعُ أمام اليمن، وكيانُ العدو الصهيوني يرتعد، معادلة جديدة تُكتَبُ بحبر النار والكرامة: إذَا قال اليمن فعل، إذَا هدّد أوجع، وَإذَا تعهّد بنصرة غزة، فلن يتراجع.

اليوم، كتب اليمنُ صفحةً لا تُنسى في تاريخ العرب والمسلمين، لم يكن نصرًا عسكريًّا فقط، بل كان إعلانًا عن ميلادِ مرحلةٍ جديدة، مرحلة سقوط الأصنام الأمريكية، وتحطُّمِ أُسطورة التفوق الصهيوني، وصعود اليمن من خاصرة الفقر إلى قمَّة المجد.

إنه زمنُ اليمن.. زمن العزة.. زمن مَن قال: “هو الله”.. فانتصر.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com