الصمود حتى النصر

الشهادة… ذلك هو الفوز العظيم 

الصمود – بقلم/ إبراهيم محمد الهمداني 

مما لا شك فيه، أن مقام الشهادة، هو أعلى مقامات التشريف الإلهي، وأنهى محطات الفوز العظيم، الذي يختص الله تعالى به، من يشاء من عباده، المجاهدين في سبيله، حين يختم لهم بالشهادة، في مسيرتهم الجهادية، ومسار عطائهم الكبير، وهو الذي تفضل عليهم – ابتداءً – بالتوفيق لنيل شرف الجهاد، وتكرم عليهم – انتهاءً – بالفوز بمقام الشهادة على الناس، بين يديه يوم القيامة، فهم حجة الله تعالى على أعدائه، الذين كفروا به وصدوا عن سبيله، وهم بشارته لأوليائه وأنصاره، من إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم، بالفوز برحمته ورضوانه، كون الجهاد هو معيار اختبار حصول الإيمان الحقيقي أو عدمه، وبناء عليه يميز الله الخبيث من الطيب، ويقيم حجته على عباده، ويتجلى عدله في القضاء بينهم، بما يستحقون من الثواب والعقاب الأبدي.

إن الكتابة في هذا السياق، تصبح بالغة المشقة والتعقيد، لأن مفردات اللغة المحدودة، تحاول توصيف أعلى مقامات العظمة، وأرقى نماذج العطاء، في سياقها الوجودي الإنساني، وفي أبعادها القيمية والأخلاقية والروحية، وهو ما نلمسه عند مقاربة مقام الشهداء العظماء، حيث تقف الأقلام عاجزة، والقرائح متبلدة، وتعلن اللغات إفلاسها، والبلاغات بؤسها، أمام عظمة الحضور الشامخ، وفيض العطاء الباذخ، الذي لا يبلغه قول، ولا يحيطه وصف، ولا يرقى إليه بيان، ولا تعدو الكتابة عنهم، كونها محاولات متعثرة على طريق البوح، ولعل تلك هي أولى كرامات الشهداء، الذين يتحولون إلى أيقونات خالدة، تأسر من حولها بعظمة حضورها وعطائها الدائم، وتغمر الزمان والمكان بقداسة نهجها، ولذلك كانت الكتابة – وما زالت – أكثر وطأة ومشقة، في حضرة القداسة العظمى، ومقام الشهداء الكرام الأبرار.

من خلال ذلك المستوى المتقدم، من الوعي الإيماني والإدراك واليقين، بعظمة مقام الجهاد والشهادة، انطلق يمن الإيمان والحكمة، يمن المسيرة القرآنية، مسارعاً في مساره الجهادي، استجابة لله تعالى ورسوله والقائد العلم، في مواجهة وردع ومقارعة، قوى الظلم والطغيان والاستكبار العالمي، وقد سطر اليمن العظيم – قيادة وجيشاً وشعباً – أروع ملاحم البطولات، وقدموا أعظم القرابين وجليل التضحيات، باذلين أرواحهم رخيصة لله وفي سبيله، ودفاعاً عن المستضعفين من النساء والولدان، في اليمن وغزة ولبنان، الذين جعلتهم قنابل وصواريخ العدوان، رصيداً تراكمياً هائلاً، في حساب مجازرها وإجرامها.

وقد تسابق أبناء الشعب اليمني، إلى جبهات العزة والكرامة، بكل جهودهم وجهادهم، مجاهدين بأنفسهم وإمكاناتهم، متفانين في التضحية بما هو أكثر من النفس، ولو امتلكوا ما هو أغلى من أرواحهم، لجادوا به في سبيل الله دون تردد، وهم – بلسان الحال – يعتذرون إلى الله تعالى سلفا، إنهم إنما باعوا منه، ما هو في ملكه أصلا، وإنهم ما قدموا في سبيله، إلا أقل القليل مقابل ما جاد به عليهم، فقدموا أنفسهم مجللة بالاعتذار والحياء، وجعلوا عطاءهم وتضحياتهم في سبيل الله، مظنَّة التقصير والنقص، أمام جلال مقام الشهادة، وشرف الاصطفاء الإلهي والفوز العظيم.

عظُم اللهُ في نفوسهم، فصغر ما دونه، وصغرت قوى الإجرام الاستكبارية، التي تصف نفسها أنها كبرى، وعزَّت نفوسهم عليهم، فلم يبيعوها إلا بالجنة، وحين تعددت سُبل ومعاني التضحية عند غيرهم، انتظمت قلوبهم في سبيل الله الواحد، وتشربت أرواحهم ثقافة الشهادة المقدسة، فلم يكبلهم الموت، كما كبَّل غيرهم، ولم يخشوا الفناء، ليقينهم أنهم إلى الخلود سائرون، ولم يحزنهم فراق أو رحيل، لأنهم إنما انتقلوا إلى ضيافة الله سبحانه وتعالى، الغامرة بالسعادة والفرح، المجللة بالتكريم الإلهي العظيم، والحياة الأبدية في كنف الرعاية الإلهية، وهم “أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله”، وقد اجتمع لهم الأمن والسعادة والحياة الأبدية والنعيم المقيم، ولذلك تراهم “يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون”، ونظرا لما عايشوه من التكريم والضيافة والرعاية الإلهية، على أعلى المستويات، فهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم، من إخوانهم وأبنائهم ومن يليهم، على ذات النهج الجهادي والموقف الاستشهادي العظيم، وما بين قوله تعالى: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا”، وقوله تعالى: “ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات”، جاء النهي عن مجرد الظن والتوهم – ناهيك عن القول – بحقهم، إنهم أموات، لأن حالهم وواقعهم، يشهد أنهم أحياء يرزقون، يحيون في النعيم المقيم، على أعلى وأرقى المستويات، ومقام عظيم ودرجات عالية، من الفلاح والسعادة والفوز العظيم، بالإضافة إلى ذلك، تنعكس ثمار تضحية الشهيد، على واقع الحياة والمجتمع، بالعزة والكرامة والقوة والنصر المبين، ليبقى الشهداء هم رموز الطهر والنقاء، والتضحية والعطاء اللامحدود، وأيقونات السمو الأخلاقي والروحي والقيمي، في مقام القدوة المثلى، لمن بعدهم من الأمم والأجيال.