صمود المقاومة يفشل مخططات المجرم ترامب
الصمود//تقرير//
منذ أن وطئت أقدام المجرم دونالد ترامب أروقة البيت الأبيض، لا ينفك عن تأكيد المؤكد بأن فلسطين لا تمثل في جدول أولويات الإدارة الأمريكية إلا ملفاً ينبغي تصفيته. رؤية واشنطن للمنطقة -والتي عبر عنها ترامب بكل وضوح- كانت انحيازاً فاضحاً لصالح الكيان الصهيوني، كشف عن وجه السياسة الأمريكية الحقيقي “دعم الهيمنة، فرض الإملاء”.
أقدمت الإدارة الأمريكية على اتخاذ سلسلة من الإجراءات غير المسبوقة تجاه القضية الفلسطينية، منها الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان، ونقل السفارة إليها عام 2017، قبل أن تتبلور هذه التوجهات في ما سُمِّي بـ”صفقة القرن” عام 2020؛ صفقة لم تُصمَّم لحلّ الصراع، بل لشرعنة احتلال فلسطين، وبُنيت على خريطة رغبات “تل أبيب”.
كانت الخطة تهدف إلى فرض الاستسلام تحت مسمى “السلام”، وتكريس الأمر الواقع كبديل عن الحق الفلسطيني. أما جوهرها، فكان واضحاً: فلسطين بلا مقاومة، والقدس بلا سيادة عربية، والأرض بيد الغاصب، والشعب الفلسطيني مُجبر على القبول بدور الضحية الصامتة. لكن هذه المخططات اصطدمت بجدار لم يتوقعه مهندسو الصفقة: جدار الصمود الفلسطيني. فمن يتمسك بحقه يعيد تشكيل موازين القوى، مهما بدا ميزان الحديد والنار مختلاً.
فقد أثبتت المقاومة الفلسطينية أن القوة لا تُقاس بالعتاد العسكري والإمكانات المادية واللوجستية، بل بعدالة القضية والإيمان بالحق، وصلابة الإرادة في الدفاع عنه. ومن هذا المنطلق فرضت المقاومة الفلسطينية نفسها على طاولة السياسة الدولية، لأنها تمسّكت بأرضها، وبقيت، وصمدت، وقاتلت حتى انتصرت وفضحت كل الزيف العالمي.
صفقةٌ للتصفية وليست للتسوية
في السياق ذاته، لم تكن “صفقة القرن” إلا حلقة جديدة في مشروع تصفية القضية الفلسطينية المستمر لعقود من الزمن. أو كما عبّر السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، فإننا أمام سياقٍ طويل من الإجرام الصهيوني المتواصل، الذي بلغ ذروته في مرحلة ترامب، بمحاولات جرّ بعض الأنظمة العربية إلى حظيرة التطبيع، وتغيير المناهج، وتشكيل اقتصادات تدور في فلك الكيان.
لقد كانت الخطة تهدف إلى تحويل الكيان الإسرائيلي إلى جزء رئيس في المحور الإقليمي، عبر القوة العسكرية، وعبر تحالفات سياسية اقتصادية وإعلامية وثقافية، تتجاوز الأنظمة إلى العقول الناشئة. كانت الفكرة أن تُمجَّد “إسرائيل” في كتب المدارس، وتُصبح “تل أبيب” مركز المنطقة، بينما تُختزل فلسطين إلى ذكرى غائبة.
ولأن الكيان الصهيوني يسعى للسيطرة على المنقطة العربية من المحيط إلى الخليج ضمن مشروع ما يسمى “إسرائيل الكبرى”، فقد كانت الخطة تستهدف إنهاء الحقوق الفلسطينية كافة: السيادة، العودة، الحدود، السيادة على المقدسات. حتى ما يسمى “حل الدولتين” تم دفنه، فيما السيادة على المسجد الأقصى صارت “منسّقة” لا “مملوكة”، وشرعنة الاستيطان تحولت إلى أمر واقع مدعوم أمريكياً.
من الصفقة إلى الوصاية
في أعقاب التحولات الميدانية التي فرضتها المقاومة، بدا أن “صفقة القرن” تلفظ أنفاسها، لتحلّ مكانها خطة ترامب الجديدة بعنوان “خطة غزة 2025″، والتي لم تكن أقل سوءاً، بل ربما أكثر مكرًا، ففي ظاهرها التنمية، وفي باطنها إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد.
فالخطة الجديدة لم تسعَ إلى إعمار غزة إلا كرشوة مشروطة: إعمار مقابل نزع السلاح، وهدوء مقابل تسليم القطاع لسلطة خارجية. وقد كان هدفها المركزي ضمان أمن الكيان الإسرائيلي بأي ثمن، حتى لو جاء على أنقاض السيادة الفلسطينية ودماء أطفال غزة.
يأتي هذا في ظل الدعم اللا محدود للكيان الإسرائيلي بالسلاح والعتاد والدعم المادي والمعنوي، وسط تصريحات بضرورة إنهاء المقاومة الفلسطينية. لكن المقاومة -برفضها الانحناء- منعت تمرير هذه الوصاية المقنَّعة، وفرضت معادلتها الجديدة: مصير غزة يقرره أهلها، لا وصاية خارجية، ولا خروج لجنود العدو من الأسر إلا بصفقة تبادل.
طوفان الأقصى
تبعات العملية النوعية البطولية للمقاومة الفلسطينية في الـ7 من أكتوبر 2023م، “طوفان الأقصى” لا تزال هي من ترسم المعادلات، وتحدد الخطوط العريضة للأحداث في فلسطين. بعد أن كشفت العملية هشاشة العدو الإسرائيلي الذي طالما زعم أنه “لا يُقهر”، وعرّت الغطاء الأخلاقي والسياسي الذي حاولت واشنطن و”تل أبيب” تسويقه. باتت العملية بعد عامين تشكل ضربة أفقية للمنظومة الأمنية الصهيونية، وضربة عمودية للمشروع الأمريكي في المنطقة. فبعد هذه العملية، لم يعد ممكناً تجاهل المقاومة، لا في الميدان، ولا في السياسة. بل إن التفاوض معها بات حتمية، ليس من منطلق الاعتراف الطوعي، بل بفعل الأمر الواقع الذي فرضته قوة الميدان.
السقوط في فخ “الاستسلام”
ومع تصاعد هذا الواقع الجديد، بدأ الداخل الأمريكي نفسه يدرك أن مخططات ترامب فشلت. ففي تقرير صادر عن موقع “أنتي وور” الأمريكي، تم التأكيد على أن جوهر هزيمة الكيان الإسرائيلي يكمن في استمرار المقاومة، وفي قدرتها على قلب الطاولة.
جاء في التقرير أن وهم “الاستسلام الفلسطيني” الذي بُنيت عليه الصفقة كان مجرد خرافة، وأن المقاومة -عبر عمليات نوعية كطوفان الأقصى- استطاعت أن تفرض معادلات جديدة، وفضحت زيف الرواية الصهيونية، بل وأجبرت القوى الكبرى على إعادة التفكير في تموضعها.
وأكد التقرير أن نزع سلاح المقاومة بات حلماً مستحيلاً، وأن تحالف المقاومة –من غزة إلى الجنوب اللبناني واليمن– بات عاملاً مركزياً في تعديل التوازنات، ما يثبت أن الصمود، لا التنازل، هو ما يصنع التغيير.
حين صغرت أمريكا
لقد أثبتت السنوات الأخيرة، وخاصة منذ عملية “طوفان الأقصى”، أن محاولات تصفية القضية الفلسطينية (من “صفقة القرن” إلى “خطة 2025”) فشلت وانقلبت إلى أدوات فضحت مطامع العدو الإسرائيلي وحلفائه. بل إن هذه المحاولات -من حيث لا يريد أصحابها- منحت المقاومة شرعية دولية وشعبية متجددة، وجعلت من قضيتها قضية عادلة تتصدر شوارع العالم وجامعاته، حتى في قلب واشنطن نفسها.
وهكذا، لم تعد المقاومة تلهث خلف الاعتراف، بل باتت تُفرَض كحقيقة لا يمكن تجاهلها، وقوة لا يمكن إقصاؤها. والولايات المتحدة -بعد عملية طوفان الأقصى- لم تعد هي المهيمنة على القرار في المنطقة، بل باتت تبحث عن مخرج يحفظ ماء وجهها في صراعٍ كانت تظنه منتهياً.
وفي هذا المشهد كله، يتجلى أن الحق حين يصمد يعلو وينتصر ويزهق الباطل. وأن الشعوب حين تؤمن وتجاهد وتتحرك تنتصر، وأن من ثبت على أرضه رفعه الله فوق موازين الأرض، مهما حاولت قوى الاستكبار أن تُقصيه أو تُسقطه.