واشنطن تدفع بالأدوات كدروع بشرية في مواجهة اليمن
الصمود//تقرير // وديع العبسي
جهود مكثفة تبذلها واشنطن لمحاولة إيقاف الإسناد اليمني لغزة، ما تحتاجه أمريكا ليس أقل من “معجزة” لإعادة احتلال المياه العربية (البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن). وما تستحدثه كل حين وآخر من تحالفات وإجراءات على شاكلة ما يسمى بمؤتمر “الأمن البحري” الذي عقد مؤخراً في الرياض لا تبدو أكثر من تكريس لما تَشكل من القناعات عن فشلها في حماية الربيبة الصهيونية “إسرائيل”، فهذه الإجراءات تنطلق أولاً من اعتراف ضمني بما أحدثه اليمن من صدمة عالمية أعيت فقهاء السياسة الأمريكية وقادتها العسكريين، وألجمت أفواه التابعين. كما -وفي الوقت ذاته- مثّلت إقراراً بالتسليم بأن شعباً نذر حياته للجهاد في سبيل الله ونُصرة المستضعفين في فلسطين، من الصعب أن تهزمه التشنجات، وقصف البنية التحتية أو التجمعات السكانية. إلا أنه رغم هذه القناعة المحسومة، تظل المعتقدات الصهيونية المحرِّضَ المستمر لاستهداف العرب والمسلمين من أجل تسيُّد المكان والزمان لصالح كيان العدو.
لم يعد خافياً على العالم أنَّ دافِع تحركات أمريكا إنما هو لصنع جُدُر حماية للكيان الغاصب “إسرائيل”، إنما العالم أيضاً أصبح يعي بأن الإمبراطورية الأمريكية حالها كحال باقي القوى، باتت “تقليدية”، ولم يعد بمقدورها استيعاب المتغيرات، وبالتالي تجهل التعاطي معها بالصورة التي يحفظ لها كرامتها وهيبتها.
أحدث تقليعات واشنطن
المؤتمر الأمريكي المنعقد مؤخراً تحت عنوان “الأمن البحري” يمثل أحدث تقليعات واشنطن الهادفة للضغط على اليمن في سياق استهدافه المستمر لثنيه عن إسناده لغزة، ويأتي عقب مواجهات أسهمت في بلورة محور المقاومة، وعقّدت إعادة الزمن إلى الوراء. لهذا يرى غالبية المراقبين أن هذا المؤتمر ليس أكثر من تحرُك يُراد منه إرهاب هذا المحور، وهو ما لا يمكن أن يعطي النتائج التي تريدها أمريكا والكيان المؤقت، إذ إن كليهما قد مارس أبشع أنواع الجرائم بحق شعوب اليمن ولبنان وإيران، ولم يأتِها من هذه الشعوب إلا الضربات الموجعة والمحرجة، لذلك يأتي الاستهداف الجديد خلْف عناوين يتصدّرها وكلاء، علّها تحقق من خلالهم ما عجزت عنه.
إنما الحديث عن مسألة ردع يمكن أن يقود إليه هذا المؤتمر، فإنه في الماضي القريب جداً كانت هناك تحالفات بحرية ملونة الجنسيات ومتعددة المستويات لجهة الأسلحة المستخدمة، جميعها اكتسبت في المحصلة معرفة جديدة عن قوة بدأت بالظهور بصورة مغايرة عما هي عليه دول المنطقة، قوة تؤمن بالقضايا وتلتزم الثوابت والقيم، وتحظى بالتفاف شعبي نادر حول قيادته وهدفه الإنساني والأخلاقي، وهي القوة التي لا يمكن أن يرهبها أو يردعها أو يردها تحركٌ لقوى الشر التي تفتقر لأبسط عوامل النصر.
من أجل إعمال القانون الدولي
اليوم لسان حال اليمنيين مع هذه التحركات البائسة يقول: ليكن من أعداء الأمة ما يكون، فاليمن أصبح الأكثر اقتداراً على حماية المياه الإقليمية، وإن الحصار الذي فرضه على الكيان الصهيوني لم يكن عبثياً ولا بدافع جَنْي المكاسب، وإنما من أجل إعمال القانون الدولي وحماية الشعب الفلسطيني من أبشع أشكال الجريمة التي يمارسها بشر، وإنقاذ القيم الإنسانية من انتهاكات محور الشر الأمريكي.
ترامب قدّم بهذا التحرُك الساذج دليلاً جديداً على هزيمته في البحر الأحمر، وهو الذي جاء بكامل الشحن والطاقة والسلاح مع تواري كل العالم خلف ستائر الخوف، من أجل استعادة الهيمنة المفقودة في البحر الأحمر، وإنهاء القوة اليمنية التي أصبحت خطراً حقيقياً على المخططات الاستعمارية، وعلى أريحية الكيان المؤقت في العربدة والقتل والتدمير، ليُمثل تحركه الجديد بتصدير بعض الدول إلى مقدمة المواجهة، توارياً حقيقياً من العجز والفشل.
إحراق الطاقات واستنزاف الأموال بلا طائل
حتى من قبل أن تعيش أمريكا التجربة وتتجرع مخازي الانسحاب من الضربات اليمنية، فإن المراقبين والمحللين وكبار وصغار الساسة العرب والعجم، قد حاولوا أن يوفروا على واشنطن عناء بذل الجهد الذي تتطلبه حالة التشنج عند التفكير في اليمن، فقدم لها الجميع شرحاً وافياً وخلاصات أكيدة بأن اليمنيين لن يكون بالمقدور إخضاعهم أو دفعهم للقبول بالذل، أو القبول بالانضمام إلى مدرجات المشاهدين والمتابعين لاستباحة الصهاينة (بما فيهم الأمريكان) للأراضي والأجواء والمياه العربية دون وجه حق، أو قتل المسلمين.
اليمنيون -وقد جعلوا أنفسهم مشاريع شهداء لإعلاء راية الإسلام- لا يخيفهم شيء إلا غضب الله وسخطه إذا تقاعسوا عن دورٍ هُم قادرون على القيام به.
ومعرفة هذه الأمور ليست بحاجة إلى فريق عمل يبحث لجمع المعلومات بشأنها، فهي ثوابت مُعلنة. كما أن إحراق الطاقات واستنزاف الأموال للبحث بشأن مصادر قوة اليمنيين والثغرات المتاحة لتدمير هذه المصادر، مسألة تنُمّ عن غباء من الاستفادة من تجارب المواجهة. فالجميع يعلم بأن صدق الإيمان والثقة هما أكبر ما يستند عليه اليمنيون، ما يجعلهم أقوى في مواجهة التحديات، لا تغريهم المصالح، ولا تلوي رقابهم المغريات.
سيرتدع اليمن إذا ما تم إحقاق الحق، وتوقف التدخل الاستعماري، ورحل مع كل مظاهره، وإذا ما تم إعمال القانون الدولي وتجريم البلطجة الأمريكية في التعدي على حق الدول في مياهها العربية والتواجد فيها بلا أدنى مبرر إلا نوايا السيطرة وحراسة الكيان “الإسرائيلي”. سيتوقف اليمنيون إذا ما تم تنفيذ القرارات الدولية، التي تقضي بحق الفلسطينيين في أرضهم، وخروج المحتل الإسرائيلي من كامل الأراضي العربية المحتلة، مع التزام كل الداعمين على جبر الضرر لما أحدثه الصهاينة خلال ثمانين عاماً من قتل ونهب وتدمير في المنطقة.