الصمود حتى النصر

الملف الأسود للثروة النفطية: كيف لعبت الشركات الأجنبية على حساب اليمن؟

الصمود – بقلم/ جميل المقرمي

كل الوقائع تؤكّـد أن الشركات الأجنبية وبالتواطؤ مع أطراف في الداخل لعبت لعبة قذرة على حساب اليمنيين: الاتّفاقيات المختلة، غياب الرقابة، الرشاوى، والتلاعب بالأرقام كلها فتحت أبواب النهب الواسعة.

من جديد تطل قضيةُ النفط في اليمن والمِلف الأسود يفتح أوراقه أمام الرأي العام كاشفًا حجمَ التلاعب والنهب الذي مارسته الشركات الأجنبية وعلى رأسها الشركة الأمريكية هنت في قطاع 18 بمحافظتَي مأرب والجوف.

تلاعُبٌ بالاتّفاقيات والخرائط

مسؤولون في هيئة استكشاف وإنتاج النفط يؤكّـدون أن هنت الأمريكية عدلت الاتّفاقية أكثر من مرة بعد تنفيذ مسوحات استكشافية؛ بهَدفِ الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الاحتياطيات.

مساحة الامتيَاز الممنوحة للشركة تضاعفت بعد التعديل الثالث لتصبح ضعف المساحة الأصلية.

والأدهى أن تقارير رسمية تثبت أن الشركة تلاعبت ببيانات الاحتياطيات وقدمت نتائج متناقضة وأخفت الكثير من الأرقام.

هنا يظهر السؤال: كيف كانت الدولة غائبة عن كُـلّ هذا التلاعب؟

أرقام وهمية ونهب منظم

هنت زعمت أن احتياطيات قطاع 18 ستنضب بحلول 2005 لكنها ضغطت لتمديد فترة الاستحواذ خمس سنوات أُخرى.

المفاجأة أن القطاع استمر بالإنتاج وتجاوز الأرقام المعلنة ولا يزال حتى اليوم يضخ النفط بمعدل هو الأعلى بين كُـلّ القطاعات.

يتضح أن اللعبة كانت مرسومة لتضليل الدولة وتمد فترة سيطرة الشركات، بينما الدولة للأسف ساكتة.

الشركات هي الرابح الأكبر

مسؤولون حكوميون يعترفون بأن اتّفاقيات إنتاج النفط صممت لضمان استفادة الشركات الأجنبية.

الاتّفاقيات نصت على أن الشركات تأخذ ما بين 30 إلى 50 % من إجمالي النفط المنتج كنفط كلفة مقابل تكاليف الاستكشاف والتشغيل، وبعد خصم هذه النسبة يتم اقتسام الباقي بين الدولة والشركات.

النتيجة أن الشركات استحوذت على أكثر من نصف الإنتاج الحقيقي، وكلف التشغيل نفسها كانت تُرفع بشكل مبالغ فيه لزيادة نصيب الشركات.

الغاز الضحية المنسية

الاتّفاقيات تعاملت مع الغاز؛ باعتبَاره منتج ثانوي، ما يعني أنه لم يتم تنظيم استغلاله.

غياب الرؤية من السلطة أَدَّى إلى هدر الغاز المصاحب للنفط في قطاعات كثيرة بمأرب وشبوة وحضرموت.

قطاع 4 بشبوة نسخة مكرّرة من التلاعب

النموذج يتكرّر في قطاع 4 بمحافظة شبوة، حَيثُ اكتشفت شركة سوفيتية النفط هناك وأنتجت عشرة آلاف برميل يوميًّا قبل توقفها مع انهيار الاتّحاد السوفيتي عام 1991.

انتقلت الامتيَازات لشركة نمربترليوم السعوديّة وشركائها الأمريكيين والإماراتيين، وبدأ الإنتاج بأعلى معدل لكنه فجأة تراجع من عشرة آلاف إلى مئتين وخمسين برميل يوميًّا فقط.

تقارير مستقلة تؤكّـد أن أرقام الإنتاج التراكمي المعلن عنها رسميًّا لا يمكن أن تكون صحيحة نظرا لشواهد عديدة على التلاعب.

البُعد الإقليمي والضغوط السعوديّة

وثائق رسمية يمنية وسعوديّة وأمريكية تكشف ضغوط السعوديّة لإعاقة التنقيب عن النفط في عدة مناطق يمنية.

إحدى الوثائق الموجهة لشركة هنت تزعم أن نشاط الشركة يمتد إلى مناطق جوار مأرب؛ باعتبَارها جزءا من إقليم المملكة.

الخلاصة: ثروة منهوبة ودولة غائبة

كل الوقائع تؤكّـد أن الشركات الأجنبية وبالتواطؤ مع أطراف في الداخل لعبت لعبة قذرة على حساب اليمنيين.

الاتّفاقيات المختلة، غياب الرقابة، الرشاوى، والتلاعب بالأرقام كلها فتحت أبواب النهب الواسعة.

والسؤال اليوم: إلى متى سيظل نفطنا وغازنا غنيمة لغيرنا؟ ومتى ستكون هناك إدارة وطنية واعية توقف هذا النزيف وتعيد للبلد حقه من ثرواته المنهوبة؟