ثورة “21 سبتمبر”.. تاريخ اليمن المجيد وميلاد السيادة التي نصرت غزة
الصمود||تقارير|| طارق الحمامي
في حياة الشعوب، هناك لحظات فاصلة تغيّر مجرى التاريخ، وتعيد تشكيل الهوية والمصير، بالنسبة للشعب اليمني، كانت ثورة الـ21 من سبتمبر 2014 واحدة من أعظم هذه اللحظات، بل هي التاريخ الذي لن يُنسى، والحدث الذي دشّن عهدًا جديدًا من السيادة والاستقلال والتحرر من التبعية، ورسّخ في وجدان اليمنيين مفهوم الكرامة الوطنية والقرار الحر.
لقد جاءت هذه الثورة المباركة لتضع حدًا لعقود من الوصاية والتبعية والهيمنة الخارجية، فنهض اليمنيون من تحت الركام، واستعادوا قرارهم، ورفعوا رؤوسهم عاليًا، ليقولوا للعالم: “نحن هنا، أحرار لا عبيد، وشركاء لا تابعين”.
ثورة السيادة والاستقلال
لم يكن اليمن قبل ثورة 21 سبتمبر يمتلك قراره، فقد كانت السيادة منقوصة، والتدخل الخارجي هو المتحكم بمصير البلاد، لكن الثورة كسرت هذه القيود، وأعادت للدولة هيبتها، وللشعب كرامته، ووضعت اليمن في مصاف الدول الحرة التي تصنع قرارها السياسي والعسكري بمعزل عن رغبات السفارات الأجنبية.
بفضل هذه الثورة، تحوّل اليمن من بلد تابع، إلى بلد فاعل ومؤثر، ومن ضحية للمؤامرات الدولية، إلى لاعب إقليمي يفرض شروطه ويحدّد مسارات الصراع.
من رحم الثورة .. وُلد موقف لا مثيل له تجاه غزة
حين اندلع العدوان الصهيوني على غزة في أكتوبر 2023، كانت كل الأنظار تتجه إلى العواصم العربية والإسلامية، علّها تجد موقفًا يُرضي ضمير الأمة، لكن الصدمة كانت في الصمت، والتواطؤ، وحتى الدعم الخفي، وحدها صنعاء، الثورة والسيادة، خرجت من بين الركام لتصدح بالموقف المشرّف.
لم تكتفِ اليمن بالبيانات ولا بالمسيرات، بل كانت الدولة الوحيدة في العالم التي تحوّل موقفها السياسي إلى فعل عسكري ميداني. تحركت القوات اليمنية في البحر الأحمر وباب المندب، لتعلن أن لا سفن إسرائيلية، ولا أمريكية، ولا بريطانية ستمرّ بسلام، طالما يُسفك دم الفلسطينيين في غزة.
إنها اليمن الثائر، يمن الثورة، الذي جعل من قراره الوطني سلاحًا، ومن سيادته درعًا للمستضعفين، وأثبت أن الحرية ليست شعارًا يُرفع، بل مسؤولية تُترجم إلى مواقف وتضحيات.
لا أحد نصر غزة كما نصرها اليمن
لم تقف دولة في العالم مع غزة كما وقفت اليمن، هذه حقيقة يشهد بها العدو قبل الصديق، بينما اكتفت كثير من الدول بإرسال المساعدات أو التصريحات، كانت اليمن تخوض المعركة في البحر والجو، دفاعًا عن فلسطين، وعن شرف الأمة المهدور.
لقد ضرب اليمنيون مثالًا يُحتذى به في نصرة المستضعفين، فجعلوا من قضيتهم الوطنية بوابة لنصرة قضايا الأمة، وعلى رأسها فلسطين، فامتزجت السيادة بالوفاء، والحرية بالمسؤولية.
أمريكا وبريطانيا تُهزمان في البحر
تلقّت كل من أمريكا وبريطانيا، أكبر قوتين بحريتين في العالم، صفعات متتالية من القوات اليمنية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، عمليات الاستهداف التي طالت السفن التجارية والعسكرية التابعة لدول العدوان على غزة، أربكت حسابات العدو، وفرضت معادلة جديدة، عنوانها، لا ممرات آمنة لمن يقتل الأطفال في غزة.
فشلت كل محاولات واشنطن ولندن في كسر الإرادة اليمنية، رغم الغارات الجوية والهجمات الإلكترونية والحصار الاقتصادي، وهو ما يعكس حجم التحول في ميزان القوى بعد ثورة الـ21 من سبتمبر، التي حررت القرار اليمني من التبعية وأعادت السيادة إلى يد الشعب.
لو لم تكن هناك ثورة في اليمن، لكان حاله كحال بقية الدول التي تجرّعت مرارة التطبيع والخنوع، ووقفت عاجزة أمام شلال الدم في غزة. لكن إرادة الشعب اليمني صنعت الفارق، وجعلت من اليمن قلعة حرة، تدفع ثمن مواقفها، لكنها لا تنحني.
جيش الثورة السبتمبرية .. بعقيدة قرآنية وجهادية لا يهاب الطغاة
من أبرز وأعظم منجزات ثورة 21 سبتمبر أنها أعادت بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية وعقائدية خالصة، بعدما ظلت لعقود أداة بيد الخارج تُستخدم لحماية الأنظمة التابعة وقمع إرادة الشعب، جاءت الثورة المباركة، وأعادت الاعتبار للجيش اليمني، فصاغته من جديد كقوة نابعة من الشعب، تحمل همومه، وتدافع عن قضاياه، وترفع لواء الجهاد في سبيل الله ونصرة المستضعفين.
لقد تأسس الجيش الوطني الجديد في ظل الثورة بعقيدة قرآنية إيمانية جهادية، جعلت من الإيمان بالله والانتصار للحق منطلقًا لا ينفصل عن التسلّح والتدريب والانضباط، فكان الجندي اليمني بعد الثورة لا يقاتل من أجل راتب أو رتبة، بل يقاتل في سبيل الله من أجل قضية، من أجل كرامة وطن، ومن أجل أمة مستضعفة.
بهذا التحول الجذري، بات الجيش اليمني اليوم رقما صعبا في معادلات المنطقة، جيشًا لا يهاب الطغاة، ولا يخشى قوى الاستكبار العالمي، بل يقف بثبات في وجه أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، معلنًا أن زمن الهيمنة قد ولى، وأن إرادة الشعوب الحرة هي السيادة.
لقد أثبت الجيش اليمني بإسناد شعبي قل نظيره في ميادين المواجهة، من جبهات الداخل إلى البحر الأحمر ، أنه جيش عقيدة وإيمان قبل أن يكون جيش عتاد وسلاح، وأنه قادر على قلب الموازين، وكسر غرور القوى الكبرى، بفضل الثقة بالله وعدالة القضية.
وهذا الإنجاز العسكري ما كان ليكون لولا ثورة 21 سبتمبر التي فتحت الباب أمام بناء مؤسسة وطنية نظيفة من التبعية والارتهان، قادرة على حماية السيادة، وردع العدوان، والانتصار للمستضعفين في كل مكان
الخاتمة
ستظل ثورة 21 سبتمبر علامة فارقة في تاريخ اليمن، لأنها لم تكن مجرد انتفاضة ضد الفساد أو التدخلات الخارجية، بل كانت لحظة استعادة للهوية، وتأسيس لعهد جديد من الكرامة.
واليوم، حين تنظر الشعوب إلى اليمن، فإنها لا ترى بلدًا محاصرًا أو منهكًا بالحرب، بل ترى رمزًا للمواقف الحرة، وصوتًا لا يُشترى، وقرارًا لا يُملى عليه.
اليمن اليوم ليس كما كان بالأمس، إنه صوت المستضعفين، وسيف المظلومين، ودرع القدس الجديد، وموقفه من غزة، ومن العدوان الغربي، ليس سوى بداية لشرق أوسط حر، تصنعه الشعوب لا الأنظمة، وتصوغه الثورات لا الصفقات
إنها اليمن .. يمن الثورة والسيادة، يمن النصرة والتحرر، يمن لا يخون ولا يخنع.
نقلاً عن موقع يمانيون