علاقة المولد النبوي الشريف بثورة الـ 21 من سبتمبر.. حين استعاد اليمنيون قرارهم
الصمود||تقرير||طارق الحمامي
في لحظة فارقة من تاريخ اليمن الحديث، فجّرت جماهير الشعب ثورتها في 21 سبتمبر 2014، معلنةً كسر قيود الوصاية الخارجية، وإعادة تشكيل المشهد السياسي والثقافي بمعايير وطنية خالصة، أبرزها، الاستقلال، والكرامة، والسيادة.
تميّزت ثورة 21 سبتمبر بأنها جاءت خارج الحسابات الإقليمية والدولية، ولم تخرج من عباءة أي عاصمة أجنبية، بل عبّرت عن توق يمني حقيقي نحو التحرر من الهيمنة والتدخلات التي ظلت لعقود طويلة تقرر مصير اليمنيين بالنيابة عنهم، من خلف أبواب السفارات.
وكان على رأس هذه التدخلات، النفوذ الأمريكي والسعودي، الذي تجلى بشكل مباشر في رسم السياسات، وتوجيه الحكومات، وحتى فرض “الخطوط الحمراء” على الخطاب الثقافي والديني في البلاد، غير أن هذه المعادلة بدأت بالتفكك تدريجياً مع لحظة اندلاع الثورة، ليبدأ اليمنيون صفحة جديدة عنوانها، السيادة الكاملة والهوية المستقلة.
المولد النبوي الشريف .. استعادة للهوية الإيمانية والثقافية
في هذا السياق الجديد، لم يكن مفاجئًا أن تعود المناسبات الدينية الأصيلة إلى الواجهة، وعلى رأسها الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، الذي يُعد من أكبر الفعاليات الدينية والاجتماعية في اليمن، ويتميّز بإجماع شعبي نادر، يتجاوز الانتماءات السياسية والمذهبية والقبلية.
فمع تحرر البلاد من القبضة الخارجية، استعاد اليمنيون فضاءهم الثقافي والديني، وراحوا يعبرون عنه بحرية أصيلة، دون رقابة السفارات، ولا تحفّظات الأنظمة التابعة، فالمولد النبوي في اليمن، بحسب مراقبين، ليس طقسًا دينيًا فحسب، بل إعلان ولاء حضاري ورسالي للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وانتماء حقيقي لهويته ومنهجه.
احتفال يتنامى رغم التحديات .. لماذا؟
قد يستغرب البعض من مستوى الحضور الشعبي والرسمي الكبير في فعاليات المولد النبوي باليمن، أو يحاولون تأويل هذا الزخم في إطار دلالات سياسية، إلا أن ما يغيب عن هؤلاء أن الاهتمام بالمولد النبوي ليس وليد اللحظة، بل هو جزء من وجدان جمعي متجذر في الثقافة اليمنية.
وبحسب باحثين في الشأن الديني والاجتماعي، فإن العودة القوية للاحتفاء بالمولد تكشف عن عمق الهوية الإيمانية لشعب طالما حاولت مشاريع التغريب والتكفير والوهابية تفكيك وعيه وتمزيق نسيجه القيمي.
فقد شهدت العقود الماضية ، بتأثير مباشر من النفوذ السعودي ، محاولات واسعة لتهميش هذه المناسبات، وشيطنتها، تحت غطاء ديني تكفيري، خدمةً لأجندات سياسية تتقاطع مع مصالح الغرب، خصوصًا أمريكا.
الهوية المحمدية في مواجهة التغريب
تؤكد فعاليات المولد النبوي في اليمن أن العودة إلى رسول الله صلوات الله عليه وآله ،ليست مسألة احتفالية عابرة، وإنما تعبير عملي عن مشروع ثقافي وقيمي جامع، يُراد من خلاله تأسيس كيان مستقل، حر، لا يتبع الشرق ولا الغرب، بل ينطلق من المنهج المحمدي الأصيل.
ففي ظل عالم يعيد تشكيل معادلاته، ويعيد رسم خرائط النفوذ، يرى اليمنيون في هذه المناسبة فرصة لتجديد الولاء لنهج الرسول، عبر مواقف عملية ضد الظلم والاستكبار، وضد التدجين والتبعية، وضد خيانة الشعوب باسم الواقعية السياسية.
خاتمة ..
في المحصلة، يتجلى المشهد اليمني اليوم كمزيج فريد من التحرر السياسي والاستقلال الثقافي، حيث تشكّل ثورة 21 سبتمبر نقطة الانطلاق الكبرى، ويأتي المولد النبوي الشريف كتتويج لهذه السيادة الرمزية، وجسر يربط بين الماضي الإيماني والمستقبل السيادي.
فكما لم تكن الثورة مجرّد رد فعل سياسي، فإن المولد ليس مجرّد طقس ديني؛ بل كلاهما يمثلان معًا عودة الوعي اليمني إلى ذاته، وتحرره من الوصاية، وتأكيده على هوية مستقلة، محمدية، لا تخضع إلا لله، ولا تنتمي إلا إلى القيم التي ضحى من أجلها الأنبياء والشهداء ، وبين الثورة والمولد، تتشكل اليوم ملامح مشروع يمني جديد، يسير على هدي الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، في مقاومة الظلم، ورفض الهيمنة، وبناء كيان مستقل، لا شرقي ولا غربي، بل محمدي أصيل.
نقلاً عن موقع يمانيون