الصمود حتى النصر

تحول نوعي في معادلات الردع: عملية استهداف مطار رامون

الصمود||تقرير||منصور البكالي

 في تطوّرٍ نوعيٍّ غير مسبوق، سجّلت القوات المسلحة اليمنية نقطة تحوّل بارزة في مسار المواجهة والإسناد لفلسطين، من خلال تنفيذ عملية دقيقة استهدفت مطار رامون في عمق الأراضي التي يحتلها كيان العدو الصهيوني.

العملية التي نُفِّذت بواسطة طائرات مسيّرة متطورة، تجاوزت الحدود والمجسّات والمجالات المحمية، واخترقت واحدة من أكثر المناطق تحصيناً ودفاعاً في العالم، لتُسقط مجدداً أسطورة “القبة الحديدية” و”ثاد الأمريكية”، وتضع الاحتلال أمام تهديد لا يمكن تجاهله أو تجاوزه.

أبعاد العملية: خرقٌ دفاعيٌّ وهزيمةٌ نفسية؛ إذ لم تكن العملية اليمنية على مطار رامون مجرد اختراق جوي عابر، بل شكّلت ضربة نوعية مزدوجة: عسكرية وتقنية، ونفسية وإعلامية.

من الناحية التقنية، أثبتت العملية فشل جميع منظومات الرصد والاعتراض، بدءاً من القبة الحديدية وصولاً إلى منظومات أمريكية متطورة، عجزت عن التقاط الطائرة أو التعامل معها.

عسكرياً، فاجأت الطائرة المسيّرة منظومة الدفاع في واحدة من أكثر المناطق حساسية، لتؤكد أن الردع الجوي للعدو لم يعد مضموناً، بل أصبح هشًّا وقابلاً للاختراق المتكرر.

كما أن قدرة المسيّرة على التخفي والوصول إلى هدفها بدقة، رغم كثافة الرادارات والمنظومات المعقدة، يعكس حجم التقدّم الذي أحرزته الصناعات العسكرية اليمنية، سواء في تكنولوجيا الطائرات المسيّرة أو في تكتيك العمليات.

وفي هذا السياق، يرى خبراء عسكريون أن نجاح العملية يعود إلى التعقيد الزمني والجغرافي الذي رافقها، إضافة إلى تنويع الأساليب الهجومية اليمنية التي أربكت أنظمة العدو، وخبرة اليمن الممتدة منذ عامين من الإسناد والعمليات المتواصلة في عمق فلسطين المحتلة

وأكد الباحثُ العسكريُّ زكريا الشرعبيُّ أن كيانَ العدوِّ يواجهُ اليومَ تعقيدًا مزدوجًا: أولهما يتمثلُ في الطائراتِ البطيئةِ منخفضةِ الإشارةِ التردديةِ، التي يعسرُ رصدُها على الرغمِ من محاولاتِ التنسيقِ بين وزاراتِ الاتصالاتِ والدفاعِ لدى العدوِّ، والثاني أن الصواريخَ الفرطَ صوتيةَ، التي تجري بسرعاتٍ عاليةٍ، يكونُ اعتراضُها شبهَ مستحيلٍ.

وأشار الشرعبيُّ إلى أن “عمليةَ رامون” جاءت في منطقةٍ مدنيةٍ وعسكريةٍ مزدوجةٍ، مما زاد من حجمِ الصدمةِ داخل كيانِ العدوِّ، وأجبره على الاعترافِ جزئيًا بتأثيرِ العمليةِ، رغم مساعي التعتيمِ الإعلاميِّ.

وفيما يخصُّ رسائلَ العمليةِ، شدد الخبراءُ على أنها نقطةٌ في بنكِ الردعِ الممتدِّ والدعمِ الثابتِ لغزةَ، وأن الإسنادَ اليمنيَّ للمقاومةِ الفلسطينيةِ ليس شعارًا إعلاميًا، بل سياسةٌ ميدانيةٌ تتصاعدُ بثباتٍ.

قال الخبير في شؤون كيان العدو الصهيوني، والمحلل السياسي والعسكري عادل شديد: “إن العملية اليمنية التي استهدفت مطار رامون تمثل تطورًا بارزًا في ملامح الاشتباك الإقليمي، ورسالة جلية بأن قواعد المعركة لم تعد بيد كيان العدو الصهيوني وحده.”

وتابع قائلاً: “إن اختراق المسيّرة اليمنية للأجواء التي تخضع لأشد أنظمة الدفاع تعقيدًا، ووصولها بدقة إلى ثاني أهم مطار لدى العدو، يكشف عن هشاشة الردع الجوي الصهيوني، ويؤكد أن اليمن لم يعد مجرد ساحة تضامن، بل أصبح فاعلًا استراتيجيًا مباشرًا في معادلة الردع والمواجهة.”

واعتبر أن هذه العملية لم تكن تكتيكية فحسب، بل سياسية وأمنية في توقيتها وموقعها، وجاءت لتؤكد تآكل التفوق الجوي الصهيوني، وعجزه عن حماية منشآته الحيوية حتى في عمق النقب. كما أن الصدمة النفسية التي خلفها الاستهداف، خاصة في أوساط المستوطنين وشركات الطيران.

وأردف قائلاً: “لقد فتحت هذه العملية تساؤلات داخل الكيان حول مدى جهوزيته لمعركة متعددة الجبهات، وماذا بعد رامون؟” مجيبًا بأن عملية رامون ترسم فصلاً جديدًا في معادلة الردع الإقليمي، وأن اليمن يضع كيان العدو أمام واقع لا يمكن تجاهله: فالسماء لم تعد آمنة، والمواجهة باتت مفتوحة على احتمالات أشد إيلامًا وأعمق من أي وقت مضى.

فمع محاولاتِ كيانِ العدوِّ استعادةَ الردعِ عبرَ رفعِ كلفةِ الدعمِ لغزةَ، جاءت هذه العمليةُ لتقوضَ تلك المحاولاتِ، وتؤكدُ أن اليمنَ يملكُ زمامَ المبادرةِ، وأن السماءَ لم تعد آمنةً لعدوٍ ارتكب الجرائمَ بحقِّ المدنيينَ.

كما أن استخدامَ طائراتٍ بدونِ طيارٍ معقدةٍ ومتعددةٍ لا يقتصرُ على كسرِ التفوقِ الجويِّ للعدوِّ، بل يدفعُ المعركةَ إلى مستوى متقدمٍ من التهديدِ الذي يصعبُ احتواؤه، وينقلُ اليمنَ من مرحلةِ الردِّ الدفاعيِّ إلى مرحلةِ الردعِ الهجوميِّ المؤلمِ.

إن الذي وقع في “رامون” ليس بالنهاية، بل هو فاتحة لتحول نوعي في معادلات الردع الإقليمي، كما يرى المحللون، ومع تأكيد القيادة اليمنية على المضي في التصعيد ضمن مسار متدرج ومنضبط، تبرز تساؤلات ملحة: هل يمتلك كيان العدو الصهيوني القدرة على مواجهة موجات من الطائرات المسيّرة تتطور كماً ونوعاً؟ وكيف سيواجه تآكل تفوقه الجوي في ظل عجز منظوماته الأشد تطوراً؟ وهل يستطيع العدو الإسرائيلي المجرم مواصلة القتال في غزة، وهو يعلم أن جبهة اليمن لن تبقى ساكنة؟ وكيف سيقف العالم أمام بداية تشكل ردع إقليمي جديد يعيد رسم خرائط القوة في المنطقة؟ والمؤكد بحسب الإرادة اليمنية المتصاعدة أن ما بعد مطار رامون ليس كما قبله… والأسئلة الأصعب لم تُطرح بعد.

نقلاً عن موقع المسيرة نت