رامون بسهم يماني مطار صهيون.. رسالة أبعد من حدود الطائرة
الصمود||مقالات||محمد المحقري
لم تعدِ المسيراتُ اليمنيةُ مجردَ أدواتٍ عسكريةٍ، بل تحوَّلت إلى لغةٍ سياسيةٍ واضحةٍ على مسرحِ الأحداثِ. استهدافُ مطارِ رامونَ الإسرائيليِّ بطائرةٍ يمنيةٍ مسيَّرةٍ يؤكِّد أن اليمنَ – رغمَ الحصارِ – حاضرٌ في قلبِ المعركةِ الكبرى للأمةِ، معركةِ فلسطينَ.
عمليةٌ تعكسُ مرحلةً جديدةً في الصراعِ، مرحلةً لم تعدْ فيها غزةُ وفلسطينُ معزولتَينِ، ولم يعدِ الاحتلالُ قادرًا على عزلِهما عن عُمقِهما العربيِّ والإسلاميِّ.
إنها رسالةٌ تقولُ: إن ما يحدثُ في القطاعِ لا يعني أهلَه فقط، بل يخصُّ الأمةَ كلَّها.
ظنَّ العدوُّ أن عدوانَه على اليمنِ واستهدافَ وزراءِ حكومةِ التغييرِ والبناءِ سيوقفُ الدعمَ المتدفِّقَ نحو غزةَ، لكنه فوجئ بالعكسِ؛ فالعمليةُ أكدت أن استهدافَ القياداتِ اليمنيةِ لم يزِدِ الشعبَ إلا إصرارًا على المضيِّ قُدُمًا في نصرةِ غزةَ.
الأمرُ الأكثرُ أهميةً أن هذه العمليةَ جاءت في وقتٍ تخاذلَ فيه الأشقاءُ العربُ قبلَ الأصدقاءِ الدوليينَ عن الدفاعِ عن غزةَ وأهلِها، بينما اليمنُ يثبتُ أن موقفَه ليس للمساومةِ ولا للبيعِ، وأن نصرةَ المستضعفينَ واجبٌ لا ينكفئ أمامَ التهديداتِ.
الطائرةُ التي قطعت آلافَ الكيلومتراتِ حملت إرادةَ الملايينَ من اليمنيينَ الذين يؤمنونَ بأن العدوانَ على غزةَ جريمةٌ لن تمرَّ بلا ردٍّ، وأن الإرادةَ الصادقةَ لا يمكنُ أن تقيِّدَها الحدودُ.
الرسالةُ الأهمُّ هي أن معادلاتِ الردعِ لم تعدْ حكرًا على الاحتلالِ، بل إن شعوبَ المنطقةِ الأحرارَ باتت تمتلكُ أدواتِها الخاصةَ في فرضِ التوازنِ.
وإذا كان بعضُ الاحتلالِ يتغنّى بتطبيعِ العواصمِ، فإن المسيرةَ اليمنيةَ تثبتُ أن العواصمَ الحقيقيةَ للشعوبِ تهتفُ لفلسطينَ والقدسِ.
لقد علَّمتْنا التجاربُ أن السلاحَ قد يُهزَمُ، لكن الإرادةَ لا تُهزَمُ، واليمنُ – وهو يرسلُ مسيراتِه – يبعثُ رسالةً لكلِّ أحرارِ العالمِ مفادُها: العدالةُ لا تعرفُ حدودًا، وأن دمَ فلسطينَ ليس رخيصًا، وأن الأمةَ قادرةٌ على أن تُنجِبَ نصيرًا لغزةَ من جبالِ اليمنِ.
إنها ليست مجردَ طائرةٍ؛ إنها بيانٌ سياسيٌّ بلغةِ النارِ والحديدِ، ورسالةٌ في زمنٍ لم تعدِ الكلماتُ تكفي فيه.