بناء الأمة الإسلامية ودور المولد النبوي الشريف في تعزيز وحدتها
الصمود //تقرير //
تُعد عملية بناء الأمة الإسلامية من أعظم الإنجازات التي حققها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث حول مجتمعًا جاهليًا متفرقًا إلى أمة قوية متماسكة، قائمة على مبادئ العدل، والأخوة، والرحمة، والتعاون، لم يكن هذا التحول مجرد تغيير سياسي أو اجتماعي، بل كان ثورة شاملة في الفكر والقيم، أخرجت البشرية من ظلمات الجهل والشرك إلى نور التوحيد والعلم.
وفي ذكرى المولد النبوي الشريف، تتجدد هذه المعاني السامية، لتذكر الأمة بالأسس التي قامت عليها، وكيف يمكن لهذه الذكرى أن تكون محطة تربوية وتعبوية لتعزيز وحدتها وتماسكها في مواجهة التحديات المعاصرة، هذا التقرير سيتناول الأسس التي قامت عليها الأمة الإسلامية، ودور القرآن الكريم في هذا البناء، وكيف يمكن لذكرى المولد النبوي أن تكون دافعًا لتجديد العهد بهذه المبادئ.
أولاً: تحويل المجتمع الجاهلي إلى أمة قوية: معجزة القيادة النبوية
لقد جاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى عالمٍ كان يعيش فوضى عارمة، حيث كانت الجاهلية تسيطر على كل مناحي الحياة، كانت البشرية تتخبط في ظلمات الشرك والجهل، وتفتخر بشرب الخمور، وتقتل الأنفس المحرمة، ويأكل القوي الضعيف.
في هذا الواقع المظلم، بزغ فجر النبوة، ليحمل معه رسالة التوحيد والعدل، ويحول مجتمعًا متفرقًا إلى أمة موحدة وقوية، لقد أسس لدولة تقوم على العدل والمساواة، حيث لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
لقد كان القرآن الكريم هو الدستور الذي قامت عليه هذه الأمة، وهو الذي أخرج الناس من ظلمات الجهل والشرك إلى نور التوحيد والعلم. يقول الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [إبراهيم: 1]
إن القيادة النبوية لم تكن مجرد سلطة، بل كانت مسؤولية عظيمة تجاه حياة الناس وأموالهم وأعراضهم وكرامتهم، وقد أكد القرآن الكريم على أهمية القيادة الصالحة التي تلتزم بمنهج الله، وتعمل على هداية الناس إلى الخير.
ثانياً: أسس بناء الأمة: العدل، الأخوة، والرحمة
يُشدد كتاب “مع الرسول والرسالة” للأستاذ يحيى قاسم أبو عواضة على أن بناء الأمة الإسلامية لم يكن ليتم لولا ترسيخ مبادئ أساسية مثل العدل، والأخوة، والرحمة، فقد آخى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار، وأرسى دعائم مجتمع تسوده المحبة والتعاون.
لقد كان العدل هو الأساس الذي قامت عليه الدولة الإسلامية، حيث كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يطبق العدل على الجميع دون تمييز. يقول الله تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ [الأعراف: 29]
وهذا يؤكد على أن العدل هو مبدأ إلهي يجب أن يسود في كل جوانب الحياة، وهو ما نلمسه اليوم في الموقف اليمني الإيماني الثابت في نصرة المظلومين من إخوتنا في غزة، وذلك اقتداء بسيد البشرية نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان ناصراً للمظلومين .
إن الإسلام دين الرحمة بامتياز، والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو قدوة الرحمة العظمى، رسالته جاءت لتنتشل البشرية من ظلمات الجهل والقسوة إلى نور العلم والرحمة والعدل .
ثالثاً: المولد النبوي وتعزيز وحدة الأمة وتماسكها
تُعد ذكرى المولد النبوي الشريف فرصة عظيمة لتعزيز وحدة الأمة وتماسكها، فإحياء هذه الذكرى يجمع المسلمين على محبة الرسول والاقتداء به، مما يقوي الروابط بينهم ويوجههم نحو هدف واحد.
كما أن المولد النبوي يدعو إلى التفاعل والاهتمام من جميع أبناء المجتمع، بإقامة الندوات والفعاليات، وتزيين المنازل والشوارع، مما يعزز روح الانتماء والوحدة بين أفراد المجتمع.
إن الاحتفال بالمولد النبوي ليس مجرد عادة أو تقليد، بل هو مناسبة لتجديد العهد بمنهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي هو منهج الرحمة والعدل والوحدة، وهذا المنهج لا يكتمل إلا بالتمسك بأهل بيته الذين هم ورثة علمه وحكمته.
إن هذه الذكرى تدعونا إلى تجاوز الخلافات البينية التي أصابت مسيرة الأمة بالشلل التام، والاجتماع على كلمة الحق التي هي مصدر قوة الأمة وعزتها، إن إحياء ذكرى مولده الشريف هو إحياء لرسالته، وتجديد للعهد بمنهجه، الذي هو السبيل الوحيد لنهضة الأمة وتحقيق عزتها وكرامتها في هذا العصر.
خاتمة
في الختام، يتضح أن بناء الأمة الإسلامية هو إنجاز عظيم قام به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، مستندًا إلى مبادئ العدل، والأخوة، والرحمة، ومسترشدًا بالقرآن الكريم.
إن إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف يمثل فرصة ثمينة لتعزيز هذه القيم في نفوس المسلمين، والعمل على بناء أمة قوية متماسكة، قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق النصر والعزة. إنها دعوة للعودة إلى جوهر الرسالة المحمدية، التي قامت على أسس الرحمة والعدل والوحدة، والتي لا تزال قادرة على إخراج البشرية من الظلمات إلى النور، ومن القسوة إلى الرحمة، ومن الجهل إلى العلم.
نقلا عن موقع يمني برس