الصمود حتى النصر

اليمن وفلسطين.. وحدة الدم والمصير في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي

الصمود||مقالات||عبدالحكيم عامر

على امتداد عقود الصراع العربي–الإسرائيلي، تباينت المواقف وتبدّلت التحالفات، لكن بقيت هناك شعوب وأمم تصرّ على أن فلسطين هي قضية الأمة بأكملها، في هذا السياق يبرز الموقف اليمني الذي تحوّل إلى عنوان للأصالة والوفاء، حيث التقت دماء اليمنيين مع دماء الفلسطينيين في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي، لتجسد حقيقة أن المعركة مع هذا العدو ليست معركة غزة وحدها ولا صنعاء وحدها، وإنما معركة مصير عربي وإسلامي جامع.

منذ النكبة وحتى العدوان الأخير على غزة، لم يغِب اليمن عن ساحة التضامن، ففي وجدان اليمنيين، قضية فلسطين هي قضية هوية وكرامة ودين، وليست ورقة سياسية للمساومة أو المتاجرة، ولعل ما يميز الموقف اليمني اليوم أنه يترجم نفسه عمليًا عبر عمليات عسكرية نوعية في البحر والبر والجو، أربكت الكيان الصهيوني، وأثبتت أن بإمكان أمة محاصرة وبعد عدوان أن تُعيد رسم المعادلات الإقليمية والدولية.

وعندما يرتقي القادة اليمنيون شهداء في عدوان صهيوني على صنعاء، فقد امتزجت دماؤهم بدماء شهداء غزة وقادتها ودماء لبنان وقادتها، في صورة تجسّد وحدة الموقف والمصير، هذه الدماء الزكية لم تكن خسارة بقدر ما كانت برهانًا على أن اليمن ماضٍ في طريقه مهما كانت التضحيات، وأن مشروع المقاومة لا يتوقف عند الأفراد بل يستمر بإرادة الشعوب، وهذا اعتراف بمدى تأثير اليمن في معادلة الصراع، أراد العدو إسكات الصوت اليمني وكسر الإرادة اليمنية، لكنه فشل؛ إذ يتحوّل إستشهاد اليمنيين وقادتهم إلى وقود للحرية والتحرك القوي، ورسالة واضحة: أن اليمن يدفع ثمن موقفه الأصيل، وأنه حاضر في معركة فلسطين بدماء ابناءة وقادته.

هذا الامتزاج بين دماء غزة وصنعاء يبرهن على وحدة الميدان ووحدة المصير، فالفلسطيني الذي يقاتل في غزة، واليمني الذي يطلق الصواريخ والطائرات المسيّرة، يواجهان العدو ذاته والمشروع ذاته، والدم الذي يسيل في غزة يجد صداه في صنعاء، والدم الذي يسيل في صنعاء يجد امتداده في غزة، إنها وحدة دم تتجاوز الجغرافيا والحدود المصطنعة التي رسمها الاستعمار.

وإن ردود الفعل الفلسطينية واللبنانية والعربية على استشهاد رئيس ووزراء الحكومة اليمنية عكست إدراكًا متزايدًا بأن ما يجري في اليمن ليس شأنًا داخليًا فحسب، بل جزء من معركة الأمة بكلها، فالفصائل الفلسطينية اعتبرت دماء الشهداء اليمنيين وسام شرف على جبين الأمة، وحزب الله أكد أن هذه التضحيات نموذجٌ للصبر والوفاء، والجهاد الإسلامي وصفتها بدليل قاطع على وحدة الدم والمصير، هذه المواقف مجتمعة تؤكد أن المقاومة اليوم باتت جبهة واحدة، والدم واحد أنها أمة موحدة في الهدف والاتجاه.

ولا يمكن فهم هذه الوحدة بعيدًا عن إدراك طبيعة المشروع الصهيوأمريكي، فالمسألة ليست ان العدو الإسرائيلي يريد فلسطين فقط، بل هي مشروع استعماري يريد إخضاع الأمة العربية والإسلامية بأسرها ونهب ثرواتها وإذلال شعوبها، واليمن، بما يمتلكه من موقع استراتيجي على باب المندب، وبما يختزنه من إرادة ايمانية وثورية شعبية، شكّل عقدة في وجه هذا المشروع، لذلك لم يكن غريبًا أن يضعه العدو في دائرة الاستهداف، تمامًا كما يضع غزة وبيروت ودمشق وبغداد وطهران في ذات الدائرة.

وما يميز الموقف اليمني هو الحضور الشعبي الطاغي، فالملايين الذين يملأون الساحات اليمنية كل أسبوع نصرة لفلسطين، يخرجون من منطلق إيماني ديني واخلاقي وإنساني يعتبر القضية الفلسطينية جزءًا من الهوية اليمنية.

هذا الزخم الشعبي شكّل رافعة للقرار السياسي والعسكري، بأن القضية الفلسطينية في اليمن قضية شعب بأكمله، وهنا تتجلى المعادلة: الشعوب التي لا تموت قضاياها، لن تُهزم مهما اشتد الحصار أو تكاثرت الضغوط.

اليوم، لم يعد من الممكن فصل الدم الفلسطيني عن الدم اليمني، فكلاهما يُسفك في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي، وكلاهما يشكّل شوكة في خاصرة الاحتلال وحماته.

من غزة المحاصرة إلى صنعاء المستهدفة، تبرز الحقيقة التي حاولت الأنظمة العربية والإسلامية المتخاذلة طمسها لعقود: أن الصراع مع المشروع الصهيوأمريكي هو صراع وجودي، وأن الأمة مهما تقاعس بعضها ستظل تمتلك قوى حية قادرة على التصدي، وأن زمن التفرد الصهيوني بفلسطين قد ولّى، ومع كل قطرة دم تُسفك، وأن المشروع الصهيوأمريكي مهما بلغ جبروته، سيصطدم دائمًا بإيمان وإرادة الشعوب الحرة التي لا تعرف الانكسار.

واليمن اليوم، بصموده وشهدائه ومواقفه، يعيد رسم خارطة المواجهة، ليقول للعالم: فلسطين ليست وحدها، وغزة ليست وحدها في الميدان، فهناك من يقدّم الدم في صنعاء كما يُقدَّم في غزة، في معركة واحدة عنوانها الحرية والكرامة والسيادة.

وبين صنعاء وغزة، يتكرس الوعي، أن الوحدة دمًا مشتركًا، ومصيرًا واحدًا، ومعركة واحدة ومستمرة حتى تحرير فلسطين وكل أرض عربية وإسلامية من دنس المشروع الصهيوأمريكي.