الصمود حتى النصر

“الرسول والرسالة”.. أهمية الارتباط بالله والتوكل عليه

الصمود||تقرير||

يُعد الارتباط بالله سبحانه وتعالى والتوكل عليه ركيزة أساسية في بناء الفرد والمجتمع المسلم، وهو المبدأ الذي قامت عليه دعوة الأنبياء والمرسلين، وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، في كتاب “مع الرسول والرسالة” للأستاذ يحيى قاسم أو عواضة، تتجلى هذه الأهمية من خلال دروس وعبر مستقاة من السيرة النبوية الشريفة، والتي تؤكد أن القوة الحقيقية للمؤمنين لا تكمن في عددهم أو عتادهم المادي، بل في عمق صلتهم بخالقهم وثقتهم المطلقة بنصره وتأييده.

الارتباط بالله: أساس القوة والنصر

يُبرز كتاب “مع الرسول والرسالة” بوضوح أن قوة المؤمنين الحقيقية تنبع من ارتباطهم الوثيق بالله تعالى، ففي مواقف عديدة من السيرة النبوية، يظهر أن النصر لم يكن حليف الكثرة العددية أو القوة المادية وحدها، بل كان مرهونًا بمدى صدق التوكل على الله والالتجاء إليه. إن هذا المفهوم يتوافق تمامًا مع الموجهات الصادرة بمناسبة المولد النبوي الشريف، والتي تؤكد على ضرورة إبراز شخصية الرسول القرآنية، حيث أن القرآن الكريم هو المصدر الأهم لمعرفة الرسول، وهو الذي يوضح أن الرسول لا يتبع إلا ما يوحى إليه، مما يعكس الارتباط المطلق بالله.

من أبرز الشواهد على ذلك ما حدث في غزوة حنين. يروي الكتاب أن بعض المسلمين في بداية الغزوة أصابهم الغرور بكثرة عددهم، قائلين: “لن نُهزم اليوم من قلة”، هذا الغرور أدى إلى هزيمة أولية وتشتت في صفوف المسلمين، ولكن سرعان ما عادوا إلى رشدهم، والتجأوا إلى الله، فكان النصر حليفهم، هذه الواقعة تُعد درسًا بليغًا في أن الاعتماد على الأسباب المادية وحدها دون التوكل على الله يؤدي إلى الخذلان، وأن العودة إلى الله هي سبيل النجاة والانتصار.

يقول الله تعالى في سورة التوبة، واصفًا ما حدث في حنين:

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 25-26]

هذه الآيات تؤكد أن النصر من عند الله، وأن السكينة والتأييد الإلهي هما العاملان الحاسمان في تحقيق الغلبة. وهذا يتسق مع الموجه الثالث من موجهات المولد، الذي يحث على فريضة الجهاد ويؤكد أنه لا مخرج للأمة مما تعانيه إلا بالجهاد، وهذا الجهاد لا يمكن أن يكون فعالاً إلا بارتباط وثيق بالله.

التسبيح والاستغفار: سبيل النجاة والانتصار

يُشدد الكتاب على أهمية التسبيح والاستغفار كأدوات روحية قوية تُعزز الارتباط بالله وتُمهد للنصر. ففي لحظات الشدة، كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يلجأ إلى التسبيح والاستغفار، ويوجه أصحابه إلى ذلك. هذا السلوك النبوي يُعلمنا أن في ذكر الله وطاعته مفتاح الفرج والخروج من الأزمات. إن هذا الجانب من الارتباط بالله يتقاطع مع الموجه الثامن، الذي يبرز عظمة الرسول في إثارته ورحمته وإحسانه، فكانت هذه الصفات تتجلى في لجوئه إلى الله في كل أحواله.

يُذكر في الكتاب أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بعد فتح مكة، وهو في أوج انتصاره، أُمر بالتسبيح والاستغفار، كما جاء في سورة النصر:

﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: 1-3]

هذه الآيات تحمل عبرة عظيمة، وهي أن المؤمن لا ينبغي أن يغتر بقوته أو انتصاراته، بل عليه أن يظل متواضعًا، شاكرًا لله، ومستغفرًا له. هذا يعكس الموجه السادس، الذي يحذر من النموذج المزيف للمنحرف الذي يراد تقديمه باسم الإسلام والرسول، ويحرص على تقديم الإسلام الإلهي الأصيل، الذي يركز على التواضع والارتباط بالله.

دور المولد النبوي في تعزيز الارتباط بالله

تُعد ذكرى المولد النبوي الشريف فرصة عظيمة لتجديد الارتباط بالله ورسوله.. فإحياء هذه الذكرى ليس مجرد احتفال تاريخي، بل هو مناسبة لتعزيز الولاء والتمسك بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والاقتداء به في كل جوانب حياته، بما في ذلك ارتباطه العميق بالله. إن هذا يتوافق تمامًا مع الموجه التاسع، الذي يدعو إلى إحياء مناسبة المولد لتجديد الولاء والتمسك بالرسول، وأنه مظهر من مظاهر الاستبشار والفرح بالنعمة الإلهية.

إن المولد النبوي يمثل مظهرًا من مظاهر الحب والتعظيم للرسول، وهذا الحب يدفع المؤمنين إلى الاقتداء به في توكله على الله، وصبره، وجهاده. كما أنه فرصة لتعزيز الروح الجهادية والوحدة بين المسلمين، وهو ما يتجلى في الموجه الثاني عشر، الذي يدعو إلى الاستفادة من ذكرى المولد كمحطة تربوية تعبوية جهادية لخلق قناعات راسخة بأن الإسلام المحمدي يبني أمة قوية وحضارة إسلامية.

فهم لسيرة الرسول

في الختام، يتضح أن الارتباط بالله والتوكل عليه هو جوهر القوة الحقيقية للأمة، وهو ما أكده كتاب “مع الرسول والرسالة” من خلال دروس السيرة النبوية، ويتوافق مع الموجهات الخاصة بذكرى المولد النبوي الشريف.. إن تعزيز هذا الارتباط في نفوس المسلمين، من خلال فهم عميق لسيرة الرسول والاقتداء به، هو السبيل لتحقيق النصر والعزة في مواجهة التحديات الراهنة.

نقلاً عن موقع 21 سبتمبر