الصمود حتى النصر

مقامة الموجة الرابعة… اليمن لا يخلفُ وعدًا ولا يخشى ردعًا

الصمود||مقالات|| عبد القوي السباعي

حدثَّني صنوُ التاريخ، سليلُ سُهَيلٍ شقيق المريخ، إن سألوك عن اليمن؛ فقلْ: هو الموج إذَا اضطرب، والصخر إذَا اصطلب، والسهم إذَا تصوَّب، نجمٌ يهدي حين يتيهُ الساري عن خرائط الجغرافيا، والفجر حين يُعيد صياغةَ المدى، بحرًا وبرًّا وسما.

يا صاحِ؛ في ذات زمانٍ متقلب، وقُبيل انحناء الشمس على أكتاف البحر الأحمر، نطقت اليمن بلسان القائد، وأعلنت قواته المسلحة بلسان الشعب؛ بيان لا يعرف الحياد، عن انطلاق المرحلة الرابعة من الإسناد، لا هدفَ لها سوى كيانٍ معتدٍ غاصب، أرعن كاذب، لا جنسية تُنجيه، ولا موقعٌ يقيه.

فيا للهول..!

أيُّ رُبانٍ هذا الذي قلبَ ميزانَ البحار؟ وأيُّ مرفأٍ سيأوي متواطئين بإصرار؟

من قبضة اليمن القادم، من ضمير التجويع المؤلِم.

ردًّا على أخاديدَ تخفي صمتًا رعديدًا، ليملأها نارًا وحديدًا؟

يا صاحِ؛ هنا صنعاء، لا تنطقُ فراغا، ولا تضربُ رواغا.

فما وُلد هذا القرار إلا من رحمِ الإيمان والإتقان تصنيعًا وعمليات، والحكمة والتجارب الناصعات، ومن مشروع عرمرم، الذي دوّنهُ ملحُ البحر والدم معًا.

تحدث القائد، فكان صوتُه دويَّ رعدٍ، وبريقَ صعق، صداه ملأ الأرجاء وعم الفضاء؛ وانطلقت المرحلة كما تنطلق الصواعق من سحابها، لا تُخلف وعدًا، ولا تنتظر من أحد رِفْـدًا.

ليس بعد اليوم رماد ولا ضباب ولا غبار؛ إما أن تكونَ ضدّ الاحتلال الغدار، أَو تُحسَب في طابور الخزي والعار؛ إذ لم تعد السفن تُقرأ بجوازات سفرها؛ بل بخط سيرها، وميناء ولائها، وشركة تملكها؛ فالذي يقف في موانئ الصهيوني، يُعدّ هدفًا، وإن كتب على حافاته “أُورُوبي” أَو “أمريكي” أَو حتى “عربي”!

يا صاحِ؛ غزة تنزف، والعروبة مترفةً ترقُصُ وتعزف، والعالم يضع المساحيق على وجوه القتلةِ الهلكى، ويعمّق الفوضى؛ هُنا قرّر اليمن أن يزيح الغطاءَ عن مسرح النفاق، وأن يحيل صمت العالم إلى ضجيجِ بحرٍ مُزلزل للآفاق، يحمله سلاحه وعتاده وإلى كُـلّ ميدان يزحف، وقرارات تدفعها سواعد كالفولاذ وقلوب لا ترجف.

يا صاحِ؛ البحر ملعب الغضب، ومسرح لوعدٍ يلتهب، من البحر الأحمر إلى الخليج وبحر العرب، ومن مرافئ آسيا إلى سواحل إفريقيا، صار كُـلّ خطٍّ ملاحي يقرأ البيان العسكري اليمني، ويحسب المسافة بينه وبين “أي مكان تطاله الأيدي”.

يا للهلع..!

أية خطوط تأمين روح ومال، ستتحمل مغامرة شركات تساند الاحتلال؟

أية شركة ستغامر باسمها وسفنها في لُعبةٍ خاسرة مع اليمن الذي لا يلعب؟، وإنما يضرب ويؤدِّب.. ويشحن الأُمَّــة عزة، بحصارٍ لكل من يحاصر غزة.

يا صاحِ؛ فكل ميناء صهيوني يجب أن يتحول إلى سراب، وكل شركةٍ متورطة تتحول إلى همٍّ وخراب، وكل اقتصاد يحوم حول الكيان الغاصب، سيجد نفسَه عالقًا في متاهة بحرٍ غاضب، لا مخرج منه إلا بالتراجع؛ فلا ينفعه التمويه أَو لُبس البراقع.

دول عظمى، وشركات كبرى، الآن في مأزق حيرى؛ فهل على ولائها تبقَى؟ وتغامر بأساطيلها لتغدو غرقى؟

أم تفك الارتباط وتقطع الوصال والأوتار، قبل أن تبتلعها دوامة اليمن ووثبة الأنصار؛ فالجميع عليهم الاختيار، بعد هذا الإشعار؛ فلم تعد الساحة تتسع إلا للأحرار.

فجأة.. وقف الراوي ينادي وفي صوتِه حشرجةُ ألم، وتعلوه غُصَّةُ ندم يدفعها أمل:

يا أُمَّـة العرب أما آن لكم أن تُبحروا في الاتّجاه ذاته؟، ألا ترون كيف يُكتب النصر ومسبّباته؟

اليمن لا يفاوض بالهوان؛ بل يقارع الطغاة بالعزة والمتجبرين بالعنفوان.

لا يقف متفرجًا على غزة وحدها؛ بل يتحد مع الماء والنار ليقف معها.. وبها.. ولأجلها؛ فهل فيكم من يُتقن لغةَ اليمن إذَا نطق وفعلها؟

هكذا تكلم اليمن العنيد، بالفعل و”القول السديد”، بلهجةٍ لا تخشى التهديد، ولن يتراجع عن وعيد.

يطوّق السفن في خضم الطوارئ، ويكشف العورات في المرافئ.

مطبقًا حصارَه، يطوي المدى مطلقًا شعارَه، كأنه يسير على يقينٍ لا يعرف الخسارَة.

يا صاحِ؛ فإن رأيت من ليس بالقول يتعظ، أن احذروا الموج إذَا انتفض، وارقبوا اليمن فهاهنا نهض..

فلا يلوّح بالبندقية عبثًا، ولا يرمي في البحر حجرًا تعجرفًا..

له فرط صوتي يصل ألف ميل، وعداها باليستي من العيار الثقيل.. ومسيَّرات كما طيور الأبابيل.

وتمت المقالة وختمت المقامة.

والبحر لم ينتهِ بعد؛ فَــإنَّ للموج بقية وَ عَـدّ…