الصمود حتى النصر

دماء على مذبح الصمت

الصمود//مقالات//غيداء شمسان غوبر

بينما تشرق شمس عيد الأضحى المبارك، وتقرع طبول الفرح في أرجاء الأرض، وتذبح الأضاحي طاعة لأمر الله، تخنق صرخات الألم من قلب غزة النازفة كيف لقلب أن يرقص فرحا، ولروح أن تستطيب العيد، بينما أهلي هناك يقتلون بكل عبثية وإجرام لا متناهي؟ كيف للقمة أن تستساغ، ولثوب جديد أن يلبس، ولضحكة أن تطلق، بينما أطفال غزة يتضورون جوعا، ويرتجفون خوفا، ويدفنون تحت الركام بلا كفن؟

هنا تكمن المفارقة الكبرى، وهنا يتجلى عار العصر إنهم ليسوا مجرد ضحايا، بل هم أضحية العيد، وكبش الفداء التي تسفك دماؤها على مذبح الصمت العالمي، وتقدم أشلاؤها قربانا لضمائر ماتت أو كادت تموت.

أي عيد هذا الذي يمر على أرواح مثقلة بالوجع، وقلوب محطمة بالفقد؟ أي فرح هذا الذي نبنيه على أنقاض بيوتنا، وعلى صرخات أطفالهم التي لا تجد صدى؟ إن فرحنا اليوم، إن كان فرحا، فهو ملطخ بالدم، مثقل بالخجل، محاط بعار الخذلان الذي يلف الأمة والعالم.

يا لقسوة المشهد الذي يحرج كل ضمير حي! بينما تزين موائدنا بأطايب الطعام، ترى موائد غزة خاوية إلا من غبار الدمار ومرارة الجوع بينما تلبس أطفالنا أجمل الثياب، يرى أطفال غزة عراة إلا من أكفانهم، أو ثياب بالية لا تقي حرًا ولا بردًا.

إنهم لا يملكون ما يلبسون ولا ما يأكلون، لا يملكون سوى الصبر الذي فاق صبر الجبال، والإيمان الذي زلزل عروش الطغاة إنهم هم الأضحية، وهم الفداء، وهم من يحرجون العالم بصمودهم، ويُفضحون الأمة بصمتها.

أين هي بهجة العيد في ظل هذا النزيف؟ أين هي روح التكافل التي يعلمنا إياها ديننا؟ أين هي صرخات “لبيك” التي تردد في عرفات، بينما غزة تنادي ولا مجيب؟

إن هذا العيد ليس عيدًا لمن يرى أطفاله يذبحون، ولا يملكون ما يلبسون ولا ما يأكلون إنهم هم الأضحية، وهم الفداء، وهم من يحرجون العالم بصمودهم، ويُفضحون الأمة بصمتها.

الصمت اليوم ليس حيادًا، إنه تواطؤ إنه خذلان يلطخ جبين الأمة بوصمة عار لا تمحى فالله سيسألنا جميعًا، كل بقدر استطاعته: ماذا قدمت لغزة وهي تباد؟ ماذا قدمت لأطفالها وهم يقتلون؟ ماذا قدمت لنسائها وهن يروعن؟ هل كان صوتك حبيس صدرك؟ هل كانت يدك مكبلة بالخوف أو بالمصالح؟

ليكن عيدنا هذا العام وقفة ضمير، لا مجرد وقفة احتفال ليكن كل تكبيرة نطلقها صرخة حق في وجه الظلم ليكن كل دعاء نرفعه نصرة لأهلنا في غزة.

فلا فرح يكتمل، ولا عيد يبهج، وقطعة من جسدنا تباد إن أضحيتنا الحقيقية اليوم هي كسر الصمت، ورفع الصوت، والعمل بكل ما أوتينا من قوة لإيقاف هذه المجزرة.

فهل من مجيب لنداء غزة؟ هل من قلب يرفض الفرح الزائف لأجل الحق؟ هل من يد تتحرك لإيقاف هذا النزيف؟

إن الجواب يبدأ من هنا، من كل قلب ينبض بالإنسانية، ومن كل يد تتحرك لإحقاق الحق. فلنحول هذا العيد إلى وقفة عز، ولنسخر كل طاقاتنا لنصرة إخوتنا في غزة فالله معنا، والحق معنا، والمستقبل لأهل الحق.