الصمود حتى النصر

تجارة رابحة.. فلماذا عزف عنها المسلمون؟

الصمود||مقالات||شاهر أحمد عمير

في زمن تعالت فيه أصواتُ الدنيا، وخفت صوتُ الآخرة، يأتي نداءٌ رباني خالد ليوقظَ الإيمانَ في القلوب، ويعيدَ للمسلمين البُوصلة التي أضاعوها:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ، ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخرىٰ تُحِبُّونَهَا، نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾. (سورة الصف: 10–13)

ليست كُـلّ تجارة رابحة، ولكن الله عز وجل عرض على عباده المؤمنين صفقة لا خُسران فيها ولا خداع، بل تجارة تفضي إلى الغفران، والنعيم المقيم، والنصر في الدنيا قبل الآخرة. هذه التجارة تتمثل في:

الإيمان الصادق بالله ورسوله، والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال، والصبر والثبات على طريق الحق، مهما تكالبت الأعداء وتخاذل الأقربون.

لكن، لماذا هجر المسلمون هذه التجارة؟

لماذا تراجعوا عنها، وتخلوا عن ميادين الجهاد والعزة، واستبدلوها بالركون إلى الدنيا، والانشغال بالمكاسب الفانية؟

إن الإجَابَة على هذا السؤال تكشف لنا جزءًا من الخلل العميق الذي أصاب الأُمَّــة، حين تحولت مفاهيمها من التضحية إلى الترف، ومن البذل إلى الخوف، ومن الجهاد في سبيل الله إلى مجاراة أعداء الله.

لقد أصبح الجهاد – في نظر البعض – تهمة، بدلًا عن أن يكون شرفًا، وصار الحديث عنه يُخيف، لا يُبشّر. حتى أُولئك الذين يعيشون تحت القصف والاحتلال، قلّ من يذكرهم أَو يقف في صفهم، وكأن دماءَهم لا تعنينا، ولا تربطُنا بهم رابطة الدين والأُخوَّة.

إن الآية الكريمة تخاطبنا بلُغة الصفقة والعقل:

“هل أدلكم على تجارة؟”

فالله سبحانه وتعالى يعلم أن الإنسان بطبعه يسعى للربح، ويخاف الخسارة، فجاءت دعوته كعرض ثمين، يُغري بالعطاء، ويُبشر بالفوز الكبير.

أليس من العجب أن تُعرض علينا الجنة، والمغفرة، والنصر… ثم لا نُقبل؟

أليس من الغفلة أن تُعرض علينا تجارة مضمونة، فنلهث وراء متاع زائل؟

إن الأُمَّــة اليوم بحاجة إلى مراجعة، وإلى صحوة تعيد لهذه التجارة معناها الحقيقي، وتجعل من ميادين الجهاد – بمفهومه الشامل – ساحة فاعلة لتحرير الأرض، ونصرة المظلوم، ومواجهة الطغاة، دفاعًا عن الدين، والعِرض، والكرامة.

فليكن هذا النداء القرآني بداية لصحوة قلوبنا، وتذكيرًا بأن طريق العزة لا يُبنى بالخضوع، بل بالتضحيات.

اللهم اجعلنا من أهل هذه التجارة الرابحة، وثبِّتْنا على درب الحق، ووفِّقْنا لنصرة دينك وعبادك المستضعفين.