غزة.. بدايةُ ما يُراد أن يكونَ نهايةً
الصمود/تقرير/ وليد الوشلي
اليوم لا جوع إلا جوع غزة، ولا ظلم إلا ظلم اليهود لها. فأين ذهبت الثورات وأين ولى الثوار? أين القوات ذات القبعات الزرق والخضر والحمر? أين فصل الأمم المتحدة السابع? أين ميثاقها الجامع، أين اتفاقاتها? أين يونسيفها وفاوها ومجلس أمنها?
إنْ ماتت غزة جوعاً بين أهلها.. فلا تصدقوا بعدها ثورة فيهم قامت للجياع. اليوم إن أخرجت عنوة من دارها أمام عيون أهلها.. فلا خير في سواعدهم إن شمروها للقتال غدا.
اليوم غزة تموت جوعا في أمة تهدي قتلتها أحدث الطوائر علنا، وتعطيهم الجزية بالتريليون جهارا. اليوم غزة لا تريد تقارير مسيلة للدموع، ولا حكاما غاية همهم حماية قصورهم وسفارات حاكميهم.
اليوم غزة تخرج من ديارها وليس في من يحسبون على دينها “قبضايات” ولا “أعفاط” ولا “أسماخ” ولا “فتوات”.. الكل نعاج ونساء، حكام ومرتزقة وإخوان ما أكثرهم ولكنهم في النائبات قليل.
ما لأطفال غزة لا يهجعون ليلا ولا يلعبون نهارا.. ما لأطفالها لم تعد أقدامهم تستطيع وقوفا، وشفاههم لا تستطيع ابتساما!
اليوم غزة تفضح من يدعون وصلا بها، بمذهب وبقومية وانتماء لها، بقبلة ونبي وكتاب. اليوم غزة امتحانٌ، الناجح فيه مقاوم شهيد، والراسب مطبع محلوب مذبوح عما قريب.
اليوم غزة لا تريد من جيرانها التباكي والتدامع، بل نفرة جمعية تكسر الجدران وتحطم الأبواب والمعابر وتقتحم الحدود. اليوم غزة لا تريد من إخوتها التعازي والعويل وشق الجيوب، بل تستنجد جيوش الدفاع لتهاجم، وقوات الأمن لتردع من يروع، وتحاصر من يحاصر، تستغيث العواصم لتطرد السفراء وتغلق “السفائر” وتقطع “العلائق” وتعلن استقلالها من جديد.
اليوم غزة محطة، والوجهات اثنتان فقط: إما تكون معها فتنجو من سؤال ربك ماذا فعلت، وإما لا تكون معها وما أكثرهم إن رضيت وقبلت. اليوم غزة تفرز المذاهب والطوائف والملل والنحل.. تقاسم البشر من ينتصر لإنسانيته ومن يستحمر..
اليوم غزة تستصرخ الإسلام والعروبة.. تستصرخ الشعوب.. لا ببرقيات دبلوماسية، وبلا باتصالات رسمية، ولا بقنوات حكومية.. اليوم غزة تحذر بدمائها كل قبيلة وعشيرة، تنذر أمعاؤها كل الملايين المغلوبة والمحلوبة، وتبعث من رمادها صرخة إلى البسطاء في كل البسيطة.
غزة اليوم تُدخل الجنة من يشاء، وتدخل النار من تغافل وتجاهل وعجز وأبى. غزة اليوم يحفر اليهود فيها قبرا لمليارين.. لن يكون فيهم شهداء إلا مليونين، والباقون ماتوا فرجة وأصيبوا خيبة وقضوا طربا وترفيها وغفلة.
اليوم: أنقذِوا غزة لتنجوا بأنفسكم، فما بعد غزة إلا الطوفان الذي لا عاصم لكم فيه.. إلا الشيطان، وليس له عليكم من سلطان إلا أن تواجهوه، إلا أن تقرروا وتتحركوا وستنتصرون لو فعلتم.
اليوم غزة امتحان، وغدا النتيجة. اليوم هي البداية وهي النهاية والنجاة، ولو رأيتم فيها المشقة والوغى والغبراء والكريهة. اليوم غزة القبلة، فلِمَ لا تصطفوا كالبنيان! لم لا تساندوا إخوتكم كيمن الحكمة والإيمان! اليوم قد أذّنت أنات احتضار أطفال غزة في كل أذن: الصلاة جامعة، والجهاد دقت ساعته، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصليَنَّ العصر والزمان والانتصار إلا خلف سيد الطوفان.