“خرافات جدعون”.. استراتيجيات التوسع الإسرائيلي وأبعاد العدوان على غزة
الصمود||تقرير|| بعد فشل العدوان الصهيوني على غزة في إخضاع حركة حماس واستعادة الأسرى، نفذ العدو الإسرائيلي، عملية عسكرية جديدة، قد تكون من أكثر العمليات العسكرية التي نفذها إثارة للجدل والخطورة تجاه قطاع غزة، أطلق عليها اسم عملية “عربات جدعون”. هذه العملية لا تعد مجرد تحرك عسكري قتالي، بل تمثل، تحولاً نوعياً في استراتيجية العدو الإسرائيلي، […]
الصمود||تقرير||
بعد فشل العدوان الصهيوني على غزة في إخضاع حركة حماس واستعادة الأسرى، نفذ العدو الإسرائيلي، عملية عسكرية جديدة، قد تكون من أكثر العمليات العسكرية التي نفذها إثارة للجدل والخطورة تجاه قطاع غزة، أطلق عليها اسم عملية “عربات جدعون”.
هذه العملية لا تعد مجرد تحرك عسكري قتالي، بل تمثل، تحولاً نوعياً في استراتيجية العدو الإسرائيلي، عبر الجمع بين المناورات البرية، والتطهير المكاني للسكان، وتوظيف سرديات دينية وتاريخية تمنحها بعداً رمزياً يخدم الأهداف والاطماع الإسرائيلية التوسعية.
السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، أشار إلى هذه العملية، في كلمته الأخيرة حول مستجدات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.. حيث قال – حفظه الله: “العدو الإسرائيلي أطلق مجدداً عمليةً بَرِّيَّة؛ بهدف تهجير السكان واحتلال القطاع، وقد أسمى تلك العملية باسم، وهو اسمٌ مأخوذٌ من المعتقدات اليهودية الخرافية، وقد ارتبط هذا الاسم بجريمة التهجير منذ العام ثمانية وأربعين”.
وكما عهدنا من السيد القائد، فإن حديثه عن أي قضية لا يأتي من فراغ، بل يعكس أهمية الحدث وخطورته، لا سيما عندما يرتبط الأمر بمشروع صهيوني يمتد بجذوره إلى التاريخ التوراتي والواقع السياسي الراهن.
دلالة التسمية: “عربات جدعون”
الاسم العبري للعملية هو “ميركافوت جدعون”، وهو مستوحى من شخصية توراتية خرافية تعرف باسم “جدعون”، يُزعم في الرواية الدينية الصهيونية وحسب المعتقدات التوراتية الخرافية، ان هذا الشخص كان قائداً عسكرياً انتصر على جيش “مدين” رغم قلة عدده، مستعينًا بالعربات.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه الدلالة، التي يحملها الاسم الذي اطلق على عملية العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، ليست عرضية، بل توظف لربط الحاضر بتاريخ مزعوم يسعى العدو لإحيائه.
وليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها العدو الإسرائيلي اسم “عربات جدعون”، ففي عام 1948م، خلال نكبة فلسطين، أطلق الاحتلال نفس الاسم على عملية عسكرية استهدفت السيطرة على مدينة “بيسان” وتهجير سكانها.
واليوم، يعيد التاريخ نفسه في غزة، عبر محاولة فرض الاحتلال من جديد وتنفيذ تهجير قسري مماثل، وهو ما يفسر استدعاء نفس التسمية.
لماذا الآن؟
العملية الحالية، التي ينفذها العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، ليست مجرد حملة عسكرية عابرة، بل هي جزء من مشروع استراتيجي يخدم الأطماع الصهيونية التوسعية للعدو الإسرائيلي.
فالعدو الإسرائيلي يرى في اللحظة السياسية الراهنة فرصة ذهبية لتنفيذ مخططاته، في ظل تراجع الموقف العربي والإسلامي من الممانعة إلى التخاذل، بل إلى التواطؤ والتطبيع، وصولاً إلى تمويل الحروب ضد الشعب الفلسطيني.
وفي السياق، سبق أن حذر السيد القائد عبدالملك الحوثي – حفظه الله – من هذا المشروع في مراحل سابقة، عندما أشار إلى تحركات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي السورية، مستنداً إلى البعد التوراتي ذاته في محاولات العدو تبرير سياساته التوسعية.
حينها أشار السيد القائد إلى تسمية الاحتلال الإسرائيلي لعملياته في الأراضي السورية بـ”سهم باشان”، وهي منطقة تاريخية يزعم الاحتلال أنها كانت جزءاً من مملكته القديمة.
وهنا نتذكر ما قاله السيد القائد – حفظه الله – عن الاطماع الصهيونية التوسعية في سوريا بل في المنطقة، حين حذر من العدو الإسرائيلي قائلا: “لأن لديه مخطط، ويسميه بممر داود، وهو يهدف إلى التوغل الذي يصله بالأمريكي، في المناطق التي يحتلها الأمريكي ويسيطر عليها، وهذا الامتداد يصله بحلمه، الذي يعلنه ويعبِّر عنه، الذي هو بالنسبة للعدو الإسرائيلي معتقد، وثقافة، وأمل، وخطة ومشروع، يسعى للوصول إليها، ويشاركه الأمريكي في ذلك، الامتداد إلى نهر الفرات؛ لأن المناطق التي هي في إطار سيطرة الأكراد، لكن تحت الإشراف الأمريكي، والاحتلال الأمريكي، والسيطرة الأمريكية، وهي تصل- في نهاية المطاف- إلى الفرات، وهذا ما يحلم به الإسرائيلي، ويأمله، ويسعى إلى تحقيقه، ويرى الفرصة متاحةً أمامه لتحقيق ذلك؛ لأنه لا يواجه أي عائق، يتحرك بكل راحة، بدون أن تطلق عليه حتى رصاصة واحدة، أو توجه إليه ولو كلمة واحدة قاسية؛ فلذلك يرى الظروف مهيأة”.
ما وراء “عربات جدعون”
العدو الإسرائيلي لا يتحرك بدافع “أمني” كما يدعي، بل هو يحاول استغلال الانقسام العربي والصراعات الإقليمية لتكريس احتلاله وفرض واقع جديد، لا في غزة وحدها، بل في كامل الأراضي الفلسطينية، وربما أبعد من ذلك، في إطار حلمه المزعوم بإقامة دولة تمتد “من النيل إلى الفرات”.
إن عملية “عربات جدعون” ليست سوى حلقة جديدة في مشروع استيطاني قديم يحاول العدو الإسرائيلي استنساخ نموذج نكبة 1948م، ولكن بوسائل أكثر عنفاً وبتواطؤ دولي وعربي.
مشروع طويل الأمد
هنا يتجلى لنا، ان عملية “عربات جدعون” ليست مجرد عملية عسكرية عابرة في غزة، بل هي جزء من مشروع طويل الأمد يهدف إلى تكريس الاحتلال الإسرائيلي وتوسيع النفوذ الاستيطاني.
والتسمية والتوقيت يشيران إلى أن العدو الإسرائيلي، يسعى لإحياء تاريخ توراتي زائف، من خلال استغلال الصراعات الإقليمية والتواطؤ الدولي.
لذلك، يجب أن نكون حذرين في قراءة هذه العمليات كمجرد أحداث عسكرية، بل كحلقة جديدة في مشروع استيطاني توسعي طويل الأمد.