العدو الإسرائيلي يرد على قمة العرب بالتصعيد..
الصمود||تقرير||وديع العبسي
في ظرف بالغ الخطورة ومرحلة يتسرب فيها ما بقي للأمة العربية والإسلامية من أمل في أن تتجاوز المؤامرة وتداعياتها، جاءت قمة بغداد، لتعيد نفس مقاطع “النسخ” السابقة من القمم العربية.
قمة عربية اعتيادية باهتة تعيد للأذهان -مرة أخرى- حقيقة ما هي عليه الأمة من عجز وشلل تام في إحداث أي تغيير أو تحريك في واقع الأزمات التي تعانيها شعوبها.
والحضور الباهت والغياب للكثير من القادة عكس زيف القناعات بأن القمة تمثل تحركا عاجلا للأنظمة من أجل الوقوف بجدية أمام ما تعصف بالأمة من أزمات، وعلى رأسها ذلك العدوان على غزة، فما يعيشه المواطن العربي اليوم أكثر خطورة من هذا الشكل الدبلوماسي المنمق لحضور مراكز القرار في الأنظمة أو ممثليهم، إلى اجتماع يبحث في شؤونه، سواء على صعيد الواقع أو المستقبل. والأمر لا يمكن أن يعني فقط بعض الأقطار العربية حيث الوضع غير المستقر -بسبب فعل المؤامرة- يلقي بظلاله على كل المنطقة.
الأمر أبعد بكثير من السودان وليبيا والصومال وحتى الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر أبعد من اليمن ومن سوريا والعراق. والدول التي تظن نفسها اليوم في مأمن ستكتشف عُقم تحركها الروتيني هذا بمثل هكذا قمم مشلولة، حين تجد نفسها في وضع المُستهدف بشكل مباشر، مع عجز باقي الأنظمة عن الوقوف معها عمليا.
قُبيل انعقاد قمة بغداد كانت كلمات التفخيم والتضخيم تحاول تقديم تصورات متفائلة بيوم آخر يكون أفضل من هذا الذي يكشف عن عديد الأمراض في الجسد العربي، ولم يكن لأحد أن ينتقص من تلك الكلمات المنمقة، لكنها في المحصلة تبقى في ذات الحدود من الكلمات ككل اللقاءات العربية، لذلك نلاحظ كيف أنها تصير هدفا لكثير من النقد مع مرور الوقت، حينما يتبين أنها إنما كانت تأتي في سياق متطلبات إنجاح اللقاءات في الشق الإعلامي.
برزت في التصريحات ضرورة أن تكون الرسالة العربية واحدة، والرؤية للقضايا المشتركة موحَّدة، وكذلك ضرورة الانطلاق دوماً من “تعزيز الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل، وأن الأزمات في السودان واليمن والصومال وليبيا تمس الأمن الجماعي العربي، وتهدد استقرار المنطقة”، غير أن ذاكرة المواطن العربي أصبحت منهكة من عمليات تحديث الأوهام والأحلام وإن بعناوين جديدة.
طالبت القمة بوقف فوري لحرب الإبادة التي ينفذها العدو الإسرائيلي في غزة “ووضع حد لمخططات متطرفي اليمين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي”، إنما ظلت القوالب الدبلوماسية الجاهزة على حالها شكلا ومضمونا، إذ يظهر فيها محاولة تحاشي المفردات الحاسمة التي قد تعطي انطباعا بأن الموقف العربي هذه المرة قد يقفز إلى الأمام ما لم يرفع الكيان الإسرائيلي عدوانه على الفلسطينيين، وما لم يتوقف عن منع الغذاء والدواء عنهم.
ربما واقع الحال كما هو دائما، كان يقتضي التفكير على نحو أكثر استشعارا لمستوى الأخطار التي يتسبب بها العدو الإسرائيلي مدعوما من أمريكا، والعمل على أساس خطوات متقدمة على صعيد الصراع مع الكيان الصهيوني، فالجميع يدرك ويعي أن بيانات القمم العربية لم يتعامل معها العدو كأكثر من ورقة يضيفها إلى ملف مخرجات اللقاءات العربية، في أرشيفه، وربما حتى لن يقرأها، ولم يستشعر بأي التزام تجاهها، ولن يعنيه حتى ما يمكن أن يسببه موقفه لأصدقائه من العرب من حرج عدم الاحترام.
كل ذلك تفاصيل لحال لا تجهله أنظمتنا الموقرة، فهي تدخل قاعات القمم وتعلم أن ما ستخرج به سينتهي حتى الحديث عنه وتحليله مع ختام يوم اللقاء، وأن الكيان الصهيوني لن يرى في الكلمات ما سيعتبره رسالة تهديد أو تحذير أو حتى تنبيه واضح موجه إليه.
والأصل في مثل هكذا حال معلوم سلفا، إن مقتضيات الدفاع عن النفس من هذا الاستخفاف والاستهتار الذي يمارسه العدو الإسرائيلي تجاه أنظمةِ أكثرِ من عشرين دولة عربية، تفرض على هذه الأنظمة الذهاب إلى اللقاءات برؤية متقدمة تمثل الخطوة التالية لما تم الخروج به من لقاء سابق. وطالما وقمة بغداد جاءت بعد اجتماع طارئ عُقد في القاهرة في آذار/مارس الماضي، كان منطقيا أن تتم مراجعة، ما أُقِر من مخرجات ذاك اللقاء، والبناء على النتائج في اتخاذ قرارات جديدة.
في القاهرة كانت اللحظة حرجة مع دخول ترامب بشكل مباشر في سياق العدوان على غزة، حين طرح مشروعه بتهجير الفلسطينيين، ليخرج الاجتماع برفض قطعي للفكرة، ووضع خطة مصرية بديلة لإعادة إعمار القطاع. وصحيح أن مشروع ترامب خفت بريقه بعدها لفترة، إلا أنه عاد بكثير من الاستهانة بأنظمتنا، بعودة ترامب للحديث عن إخلاء غزة من سكانها بينما كان ضيفا على عدد من دول المنطقة.
ترامب لم يجد حرجا خلال جولته الخليجية، من القول “سأكون فخوراً لو امتلكت الولايات المتحدة غزة وجعلتها منطقة حرية”، ولم يجد ذلك أي رد او تعليق من أي نظام، يُظهر الرفض لمثل هذه “الترّهات”. ومن الحديث عن تحويل القطاع إلى منطقة سياحية جاذبة، الأمر الذي يعني تهجير من عليه من سكان.
كان الظرف مشبّعا بالأسباب الدافعة لأن يكون العرب في هذه القمة أكثر جرأة في اتخاذ الموقف المناسب تجاه تعميق سوء الوضع الإنساني في غزة، فقبل القمة بيوم كان العدو الصهيوني قد بدأ تصعيدا جويا ضد الفلسطينيين في القطاع، تمهيدا لتنفيذ مرحلة تصعيدية جديدة بما أسماه “عربات جدعون” وهي من الإرث الدموي للكيان في فلسطين المحتلة، ليأتي الاجتياح التصعيدي الذي قتل أكثر من (150) فلسطينيا في اليوم التالي مباشرة للقمة بمثابة الرد السريع على أصحاب الفخامة والسمو، حيث بدأ جيش العدو “عملية برية واسعة في أنحاء شمالي وجنوبي قطاع غزة”، متجاهلا النداءات المتصاعدة لإيقاف هذا العبث بالإنسانية في القطاع.
حتى الحديث عن مبرر استعادة الأسرى للتوجه نحو التصعيد، بدا مقبولا داخل الكيان نفسه، حيث تتزايد الدعوات إلى وقف العدوان وإتمام صفقة اتفاق شامل لتبادل الأسرى، ليقابله تنامي صلف اليمين الصهيوني المتطرف. يؤكد مسؤول عسكري إسرائيلي كبير لصحيفة “يديعوت أحرونوت” أنّه “لا خيار لنا إلا التفاوض مع حماس والتوصل إلى اتفاق إن أردنا إعادة الأسرى أحياء”.
المسؤول الإسرائيلي قال أيضا إن “العملية المزمعة في قطاع غزة تخلو من خطط تتعلق بالأسرى، وهي مجرد تصريحات عامة”.