الصمود حتى النصر

صنعاء تسقط الحصار الأمريكي وعدن تنتفض ضد التجويع

الصمود||تقرير||عباس القاعدي

في ظِلِّ صلابةِ الموقف اليمني المسانِدِ لغزةَ، عسكريًّا وأمنيًّا وسياسيًّا، وشعبيًّا واقتصاديًّا، كان الأعداءُ والمرتزِقة يراهنون على شكلٍ آخرَ من أشكال الحرب والعدوان، متمثلًا في فرض الحصار الاقتصادي.

وإلى جانب ذلك، كان الأعداءُ يراهنون على خلق أزمات معيشية وإنسانية وخدمية شديدة ومتفاقمة، تتحول إلى عامل ضغطٍ كبيرٍ على الجبهة الداخلية بكل أطيافها الرسمية والشعبيّة؛ بغية الاستسلام وتقديم التنازلات.

كان ما ذُكِر سابقًا من أبرز جوانب التخطيط والتنفيذ الذي قام به العدوّ الأمريكي والصهيوني من خلال أدواتهم في السعوديّة والإمارات، بالإضافة إلى المرتزِقة الذين يعملون لصالحهم، والمفارقة هنا أن الإجراءات التي اتَّبعتها السعوديّة على مدار العقد الماضي وفشلت في تحقيق أهدافها خلال العدوان، يعيد العدوّ الأمريكي نفسه اتِّخاذها، ويواصل من حَيثُ توقفت وكيلته السعوديّة. ولهذا، لا تختلف نتيجةُ الأمريكي عن نتيجة الوكيل؛ إذ لا يحصل على غير الفشل والخيبة التي ذاقتها السعوديّة سابقًا.

 كان العدوان الأمريكي على الشعب اليمني، يركّز على جوانبَ عديدةٍ، منها المجال الاقتصادي والعملُ على خنق الشعب الصامد من خلال الحصار وتفجير الأزمات المدمّـرة، وهذا ما أشار إليه المرتزِقُ في المقطع السابق بوضوح بقوله: “من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية مصممة على تنفيذ قرارها”.

هذا يدل على وجود قرار أمريكي، يقضي بمنع وصول سفن مشتقات النفط إلى موانئ الحديدة، وذلك بموجب التصنيف في ما يسمى قائمة الإرهاب، وبعد فشل العدوّ الأمريكي في منع السفن وناقلات النفط من الالتزام بالحظر الأمريكي لجأ إلى أُسلُـوب القصف المتكرّر والاستهداف المباشر لميناء رأس عيسى حتى يصبح معطَّلًا وعاجزًا عن استقبال أية شحنة نفط أَو أية سفن تحمل موادَّ غذائية أَو تموينية أَو غيرها.

ورغم ذلك، لم تمر سوى ساعات قليلة على هذه الجرائم التي طالَت الموانئ والعاملين فيها، حتى انطلق الأبطال الذين يتولون تشغيل الميناء بجهود استثنائية لإعادة تأهيله، وتأمين بدائلَ تسمح للسفن الراسية بتفريغ شحناتها من الوقود، وهذا يأتي وسط استمرارية طائرات العدوّ الأمريكي في التحليق فوق الميناء على مدار الساعة؛ ما يؤكّـد أن الهدف الأمريكي كان خلق أزمة معيشية وإنسانية قاسية تؤثر سلبًا على كافة جوانب الحياة للناس في المناطق الحرة والصامدة.

 القرار الأمريكي بمنع دخول المشتقات النفطية إلى اليمن والمحافظات المساندة لغزة، كان يشكل عملية عدوانية اقتصادية لا تقل إجرامًا وحقدًا عن العدوان العسكري وارتكاب المجازر بحق المدنيين.

وإمعانًا من الأمريكيين في استهداف الشعب اليمني، وترجمةً لحقدهم، قصفوا ميناء رأس عيسى وارتكبوا مجزرةً وحشية بحق عشرات العمال والمواطنين في الميناء، وكان الهدف الأَسَاسي تعطيل حركة السفن وخنق الشعب اليمني؛ عقابًا له على الموقف المساند لغزة في مواجهة العدوّ الإسرائيلي.

كان الأمريكيون والمرتزِقة يراقبون حركة السوق المحلية عن كثب، منتظرين انفجار الأزمة القاتلة والمهلكة، وقد نسَّقوا الأمرَ مع بعض عملائهم داخل البلاد من عناصر الطابور الخامس، الذين كانوا يوثِّقون بالأدلة المصوَّرة الواسعة، مستغلين الأزمة سواء في المشتقات النفطية أَو غيرها لإطلاق حملات التحريض والتأجيج. حتى إن بعضهم حثَّ الأمريكيين والسعوديّين على فرض حصار محكَم على صنعاء، متوقَّعين سقوطَها من الداخل دون الحاجة لأية مواجهة أَو حرب.

مرّت الأيّامُ وظل الوضعُ في العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة، مستقرًّا إلى حَــدٍّ كبيرٍ، رغم العدوان الأمريكي الذي استهدف منطقةَ رأس عيسى وميناء الحديدة، وكان المرتزِقة يشعرون بالإحباط والاستغراب؛ إذ تعوَّدوا على الأزمات التي كانت تُفتعَلُ بإشراف قياداتهم في الأنظمة السابقة، مثل قطع كابلات الكهرباء في مأرب أَو تفجير خطوط أنابيب النفط، والتي كانوا ينسبونها إلى بعضِ القبائل الشريفة في الجوف أَو مأرب.

في السابق، كانت قيادات المرتزِقة تتعمد خلق أزمات لأسباب واهية وغير حقيقية، أما اليوم، ورغم تضافر القوى العالمية على استهداف اليمن، فَــإنَّ كافة الخدمات الأَسَاسية ما تزال حاضرة ومستقرة؛ مما يدل وبكل وضوح على وجود دولة قائمة في صنعاء بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وبالرغم من التهديدات المتكرّرة من العدوّ الأمريكي والإسرائيلي بالحصار والتجويع، شهد العالم استمرارية الانضباط والرقابة الفعالة على توزيع المشتقات النفطية ومادة الغاز والكهرباء، وهي العناصر الحيوية التي راهن عليها العدوّ الأمريكي والمرتزِقة ليؤجِّجوا معاناةَ الداخل، ولكنهم باءوا بالفشل في تحقيق ذلك.

بفضل الله -سبحانَه وتعالى وعونه ولطفه ومكره- أصبح العدوّ الأمريكي الذي جاء لفرض الحصار على الشعب اليمني المساند لغزة هو المحاصَر من قِبَلِ أبطال القوات المسلحة اليمنية.

لقد تكبّد العدوّ الأمريكي خسائرَ فادحةً جراء العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة؛ مما جعلته يتحول من وضعية الهجوم إلى حالة الدفاع، لدرجة أن ذخائرَ وصواريخَ الدفاعات في حاملات الطائرات استُنزفت بشكل كامل، وأصبح من جاء يعتدي هو الهارب، ومن جاء ليحاصِرَ أصبح هو المحاصَرَ والذي يبحث عن المخرَج من الورطة والمأزِق في مواجهة اليمن وشعبه وقواته المسلحة.

ونظرًا للخسائر الفادحة التي تكبّدها العدوُّ الأمريكي في مواجهة لليمن، تفاجأ العالَمُ عندما أعلن المجرم ترامب أنه سيوقفُ العدوان على اليمن فورًا، حَيثُ جاء إعلان المجرم ممزوجًا بمسرحية سخيفة ادعى فيها أن اليمن طلب وقف العدوان، بينما العالم يعرف أن ترامب يكذب وأن أبطال اليمن لا يقبلون الاستسلام.

وأحدَثَ إعلانُ ترامب عن وقف العدوان الأمريكي وإنهاء أزمة المشتقات في غضون ثلاثة أَيَّـام صدمةً حقيقيةً لدى العملاء والخونة المحليين والإقليميين الذين كانوا يعتقدون أن العدوانَ الأمريكي والإسرائيلي يمكِّنُهم من الوصول إلى صنعاء وبقية المحافظات، ومن ثَمَّ التفرُّغُ لإبادة من وصفوهم بـ “الحوثيين”.

يُظهِرُ هذا التقرير الصادر عن إحدى قنوات المرتزِقة كيف يستغلُّ المرتزِقة أزمة المشتقات التي جاءت مخيِّبَةً لآمالهم ولم تستمر سوى حوالي ثلاثة أَيَّـام فقط، بالرغم من توفر مخزون كافٍ لدى شركة النفط لضمان استمرار جميع الخدمات الحيوية.

وفي حين كان هؤلاء المرتزِقة ينتظرون إشعال الأزمة في العاصمة صنعاء؛ إذ بعاصفة الجوع الفعلية والأزمات الحقيقية تضرب عدنَ ومختلفَ المحافظات المحتلّة، الواقعة تحت الاحتلال، حَيثُ بلغت الأزمة ذُروتَها من حَيثُ القسوة والمعاناة، فقد أصبح سكان عدن اليوم محرومين من الكهرباء والمياه، كما توقفت المرتبات؛ مما أَدَّى إلى تفاقُمِ المعاناة بشكل كبير.

وهذا هو نتيجةُ حُكْمِ قوى الاحتلال التي تستولي على ثروات البلاد، بالإضافة إلى حكم العصابات والنافذين، حَيثُ يبقى المواطن البسيط الضحية الحقيقية وسط صراع النفوذ والمصالح المتشابك بين الفصائل المسلحة المختلفة الولاءات والأهداف والأجندات.

أجبر فسادُ المرتزِقة النساءَ في عدنَ على الخروج والتظاهر للمطالَبة بالماء والكهرباء؛ ولذلك نكتشفُ الفَـــــرْقَ بين الدولة والعصابة، بين المؤسّسات والمليشيات التي لم تهتم بالمواطنين في المناطق المحتلّة، والتي بلغت المعاناة فيها مستويات لا تُطاق في ظل غياب الخدمات الأَسَاسية.

في المحافظات المحتلّة، نشاهد معاناةً لا تُقاسُ إطلاقًا؛ نتيجة انعدام أبسط الخدمات الأَسَاسية مثل المياه والكهرباء، وهذا نتيجة الوصاية الأجنبية، والاحتلال والعدوان الأجنبي، وكذلك المرتزِقة والخونة والعملاء الذين يخدمون المصالح الخارجية في المناطق المحتلّة.

ومن هنا، فَــإنَّ صبرَنا وصمودَنا في الشمال يأتي في إطار الجهد والسعي نحو النصر والتحرّر الكامل بإذن الله، في حين أن معاناة المواطنين في المحافظات المحتلّة تتجسد في ظل الاحتلال وخدمة مصالحَ أجنبية على حساب وطننا وشعبنا.

شهدت عدنُ انتفاضةً نسائيةً عبّرت إحدى المشاركات فيها، وهي تبكي بحُرقة وألم، عن أن الناس فقدوا كُـلَّ شيء حتى كرامتَهم، وأن القيمَ الأخلاقية تتلاشى تدريجيًّا؛ فالوضع في عدن والمحافظات الواقعة تحت الاحتلال أصبح في غايةِ الخطورة.. الإنسان يستطيعُ التحمُّلَ، لكن كرامته وأمنه واحتياجاته الأَسَاسية لا تُمَس. أما ما يحدُثُ في تلك المحافظات المحتلّة، فهو سيدفع الناس إلى حالة من الانهيار الشامل والكامل، وهو أمرٌ خطيرٌ للغاية. هذا هو النموذجُ الذي وعد به المرتزِقةُ أبناءَ تلك المناطق.

معاناةُ الشعب اليمني في الشمال والجنوب وفي كافة المحافظات ترجِعُ لسببَينِ رئيسيَّينِ:- الأول: التدخُّلُ الأجنبي المحتلّ الذي يتدخَّلُ في البلاد بدافعِ الطمعِ وأهداف التوسُّع والاستعمار، والثاني: وجود العملاء والمرتزِقة.

لذا، الحل والأمل في إنقاذ اليمن وشعبه يكمُنُ في الوحدة النابعة عن نضالٍ جادٍّ وصادق تحت قيادة صادقة وحرة لا تبيعُ ولا تخونُ ولا تقايضُ استقلالَ وكرامة اليمنيين، مقابل سلطة أَو مقابل الخارج، وهي حَـاليًّا متمثلة في السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله-.

لا طريقَ للخلاص لأهلنا في الجنوب وبقية المحافظات المحتلّة إلا أن يضعوا أيديَهم في أيدي إخوانهم في صنعاء وبقية المحافظات، ويتحَرَّكُ الناسُ كلُّهم لطرد العملاء والمرتزِقة والمحتلّ الأمريكي والبريطاني والسعوديّ والإماراتي.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com