الصمود حتى النصر

اليمن: بارقةُ أمل في تغيير مفاهيم القوة والخوف لدى العرب

الصمود||مقالات||د. شعفل علي عمير

تشهد الساحة العربية منذ عقود طويلة حالة من الخوف والرهبة من القوى الكبرى في العالم، تلك القوى التي غرست في الذهنية العربية أنها القوة التي لا تقهر، وجعلت من نفسها محط رعبٍ. فالولايات المتحدة و(إسرائيل)، ومعهما الدول الغربية تتعمد عبر سيطرتها الإعلامية والسياسية إيصال رسائل بأن قوتها العسكرية والاقتصادية لا يمكن مواجهتها. فأصبح العرب يتعاملون مع تلك الخدعة كحقيقة مسلِّم بها، غافلين عن قدرتِهم الذاتية على فرضِ واقعٍ مغايرٍ لو اتحدت الإرادَةُ والعزيمةُ وعرفوا مكامن ضعفهم. لكن اليمن، وفي ظل واقع من التحديات والمؤامرات وما رافقها من أزمات متعددة، استطاع أن يكسر هذا الحاجز الذهني ويعيد تعريف مفاهيم القوة والخوف. فعلى الرغم من الهجمات المتكرّرة والتحالفات العسكرية المتعددة التي حاولت فرض وصايتها على اليمن ليكون إحدى أدواتها في المنطقة، وقف اليمن كأنه الجبل الشامخ، مؤكّـدًا أن قوة الإرادَة يمكن أن تُهزم أمامها كُـلّ الآلات الحربية. فالصمود الذي أظهره اليمن يعكس بوضوح أن الغلبة ليست دائمًا للأكثر عتادًا، بل للأكثر إصرارًا.

لقد شهد العالم تحالفًا غير مسبوق من قوى أجنبية كبرى وأُخرى عربية، اجتمعت جميعها في محاولة لفرض واقع التبعية على اليمن، مستخدمين في ذلك أسلحة وأموال تتجاوز بكثير الإمْكَانيات المتاحة لليمنيين. ومع ذلك، كانت النتيجة على عكس المتوقع تمامًا؛ فقد وقف اليمن، رغم جراحه وما لحقه من دمار، كصخرة صلبة أمام كُـلّ تلك المحاولات، محطمًا جميع التوقعات

فالهزيمة التي لحقت بالتحالف الدولي ضد اليمن كانت مفاجأة بكل المقاييس، وكان وقعها كَبيرًا لدرجة أن الكثير لم يستطيعوا تصديقها. لقد أثبتت الأحداث أن الثقة بالله والتضامن الداخلي، والتمسك بالحق في مواجهة الباطل، يمكن أن يهزم كُـلّ قوة مهما بلغت من العظمة والجبروت. هذه الحقيقة التي قدمها اليمن للعرب كهدية ثمينة قدم خلالها الكثير من التضحيات ليفتح أمامهم أبواب الوعي على مصراعيها، لتعيد تشكيل التصورات حول مفهوم الخوف والقوة، فقد خرج اليمن ليحطم هذه القيود الذهنية، مقدمًا مفهومًا جديدًا عن الصمود والتحدي. في خضم الأزمات المتلاحقة التي شهدها وعلى مدار سنوات، استطاع اليمن أن يُظهر للعالم بأسره، والعرب على وجه الخصوص، أن قوة الإرادَة والصلابة لا تقاس فقط بالعتاد والجيوش، بل أَيْـضًا بالصمود والإصرار على نيل الكرامة والحرية.

ما حقّقه اليمن لم يكن مُجَـرّد مقاومة لأطماع خارجية، بل كان درسًا بليغًا في العزة والكرامة لكل عربي. ما فعله اليمن هو برهان قاطع أن الخوف من القوى الكبرى يمكن كسره، وأن العرب ليسوا مجبرين على التعايش مع واقع مرير يصنعه الآخرون لهم، وكان ذلك بمثابة إحياء للأمل وإعادة لروح الاعتزاز بالهوية والحق في الحياة. لأية أُمَّـة، مهما كانت ضعيفة أَو مستضعفة قادرة على تغيير مسار تاريخها إذَا توافرت لديها الإرادَة.

وهنا تظل الدروس التي قدمها اليمن حية وخالدة في ذاكرة كُـلّ عربي ومسلم يطمح إلى مستقبل ينعم فيه بالحرية والعزة بان من يجب أن نخافه هو الله ومن يجب أن نستعين به وبقوته هو الله سبحانه وتعالى. لقد حان الوقت للعرب كي يثقوا بالله ثم بقدراتهم، ويتجاوزوا حاجزَ الخوف الذي صُنع لهم منذ عقود.

إن إرادَة الشعوب، بوعيها وتضامنها، قادرة على رسم ملامح تاريخ جديد، تتوارثه أجيال المستقبل بفخر واعتزاز، وتكسر حاجز الخوف الوهمي لتعيش مستقلة بقرارها، مستغلة لثرواتها بعيدًا عن التبعية الفكرية والاقتصادية والابتزاز السياسي.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com