الصمود حتى النصر

اليمن يفرض معادلة الردع .. والعرب يحتفلون بالمهزوم ترامب

الصمود||تقرير||عبد القوي السباعي

أثبت اليمنُ أن معادلته القتالية لم تكن فعلًا عبثيًّا ولا مغامرة غير محسوبة، بل جاءت كتجسيدٍ عملي لوعي عسكري واستراتيجي متقد، مرتبط بسلوك العدوّ الصهيوني وداعمه الأمريكي؛ “وشمائلٌ شَهِدَ العدوُّ بفَضْلِها.. والفضلُ ما شَهِدَتْ به الأعداءُ”.

جديد ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، مؤكدةً في تقريرها أن اليمن بات الرقم الأصعب في استراتيجية المواجهة ومعادلة الصراع، لا سيَّما في أعالي البحار، بعد أن تحول إلى كابوسٍ يؤرق حاملات الطائرات الأمريكية.

تقرير الصحيفة كشف تفاصيل صادمة عن الفشل العسكري الأمريكي في اليمن، حيثُ لم تستطع واشنطن رغم تفوقها التكنولوجي والجوي، أن تفرض سيطرتها أو حتى تحقّق تقدمًا ملموسًا، رغم شنّها حملة عسكرية واسعة بأوامر مباشرة من الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.

وفيما كان ترامب يبحث عن نصرٍ سريعٍ، واستعراض عسكري يعزز مكانته السياسية، تؤكد الصحيفة على لسان مسؤولين أمريكيين، أنه تلقى صدمات متتالية: “إسقاط سبع طائرات بدون طيار طراز MQ-9 في شهرٍ واحد، وتعرّضت طائرات F/A-18 وF-16 وحتى F-35 لتهديدات جدية من الدفاعات اليمنية، وإصابة سفن حربية بينها حاملة طائرات، مع استنزاف الذخائر الأمريكية المتطورة”.

كُلّ ذلك دفع ترامب إلى السأم من استمرار العمليات، ليأمر بوقفها، كما نقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية، وكأن اليمن قد تحوّل إلى “فيتنام مصغّرة” لا تقبل الانكسار.

لم تكن الحملة الأمريكية مجرد ضغوط سياسية لثني اليمن عن إسناد غزة، بل انخراط عسكري واسع اعتمد على حاملتي الطائرات “كارل فينسون” و”هاري ترومان”، ومناورات بحرية ضخمة.

إلا أن النتيجة كانت خيبة استراتيجية مدوية، حتى أن خطة القيادة المركزية الأمريكية بتمديد العمليات لثمانية أشهر وتصفية قادة يمنيين، باءت بالفشل الذريع، فالصواريخ لم تتوقف، والمسيّرات واصلت التحليق، وأجهزة الاستخبارات لم تستطع سوى الإشارة إلى “بعض التراجع” المؤقت في قدرات من أسمتهم “الحوثيين”، الذين سرعان ما أعادوا بناء أنفسهم، بل وطوروا من قدراتهم -بحسب نيويورك تايمز.

ومع تصاعد الفشل، لجأت إدارة ترامب إلى وساطةٍ عمانية سريعة أخرجتها من الورطة، مقابل موافقة يمنية بعدم استهداف السفن الأمريكية، لتتجلى هزيمة ترامب في أوضح صورها: “انسحابٌ شبه معلن، وتراجع تحت الضغط، وتفاوض من موقع ضعف”.

وفي خطوةٍ لامتصاص الهزيمة، لجأت وزارة الدفاع الأمريكية إلى تبديل قاذفاتها الاستراتيجية من طراز “بي-2” إلى “بي-52” في قاعدة “دييغو غارسيا” في المحيط الهندي، في محاولةٍ لإعادة التوازن، بعد استنزاف الذخائر والقلق المتزايد من الدخول في مواجهةٍ موازية مع الصين.

تقرير “نيويورك تايمز” لم يكن مجرد تسريب أمني، بل فضيحة سياسية تُعرّي حقيقة المشهد، فاليوم ترامب لم يأتِ إلى السعودية وبعض الدول العربية حبًا، بل -ووفقًا لرؤية ترامب- فهم البقرة الحلوب التي تمنح بلا شروط.

لذلك، فإن زيارته للخليج، لم تكن إلا محاولة لجني الأرباح ولابتزاز ثلاثة تريليونات دولار لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي المترنح، فبالأمس صرح بالقول: إن “ما تقدمه السعودية والإمارات وقطر للولايات المتحدة هو بادرة تقدير لدور الولايات المتحدة في حمايتها”، مضيفًا “نحن نُبقي هذه الدول آمنة ولولا أمريكا لما استمر وجودها على الخريطة”.

وفي لحظة تكشّف الحقائق، بدا ترامب موظفًا صغيرًا لدى الصهيونية العالمية، يلتف على العرب ليحصل منهم على العقود والصفقات، بينما يُفكّر في كيفية التعامل مع التهديد اليمني الذي عجز عن احتوائه، رغم الدعم غير المسبوق من حلفائه.

اليوم، لم يعد البحر الأحمر ممرًا آمنًا للأساطيل، ولم تعد سماء الجزيرة العربية مفتوحة بدون ثمن؛ فاليمن كتب معادلة جديدة مفادها: لن تُبحر سفينة إلا بإذن، ولن تحلّق طائرة إلا بمجازفة، والولايات المتحدة، بكل هيبتها، خرجت من المعركة بلا مكاسب، وربما بخسائر استراتيجية آثارها ستمتد، ولا يزال الأعراب يتهيبون من أمريكا.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com