الصمود حتى النصر

لماذا الصرخة في وجه المستكبرين؟

الصمود||مقالات||إبراهيم يحيى الديلمي

بالنظر والتأمل العميق في الواقع المرير والمزري الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم وكل يوم، لاشك في أن دعوتك لقريبٍ ما أو لصديقٍ ما، إلى ضرورة أن يتخذ موقفًا صادقًا وحقيقيًا تجاه كل ما يحدث للأمة  ومن ذلك ترديد شعار الصرخة في وجه المستكبرين المتمثل في: (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)

وهو المبدأ الذي يشكل الركيزة الأساسية للمشروع القرآني والإيماني الصحيح ليس لأنصار الله فقط، وإنما لكل المسلمين، ستشعر بوجود تردد وعدم قناعة وفهم مغلوط لديه، وذلك إما بسبب جهل بحت بآيات وأحكام القرآن التي تدعو المسلمين كافة إلى ضرورة التبرؤ من أعداء الله وقتالهم أينما ولوا وأينما كانوا، وبالتالي فهي تقر بمشروعية هذه الصرخة، أو أن لديه إيمان راسخ بها ولكن هناك سبب ما يمنعه من التصريح بها، وهذا السبب قد يكون نابعًا من تعصبه وتحيزه الأعمى للطائفة أو الجماعة التي ينتمي إليها ويدين لها بالولاء المطلق، أوقد يكون ناتجًا عن خوف وخشية على مصالحه من أن تتضرر راميًا بخوفه وخشيته من الله عرض الحائط لأن المهم لديه هي مصالحه وأمور دنياه وما دونها فليذهب إلى الجحيم، وهذه النوعية من الناس ينطبق عليهم ما قاله الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) في ملزمة الصرخة في وجه المستكبرين: “عندما نتحدث عن القضية هذه، وعن ضرورة أن يكون لنا موقف هل نحن نُحِسّ بخوف في أعماق نفوسنا؟ وخوف ممن؟ بالطبع قد يكون الكثير يحسون بخوف أن نجتمع لنتحدث عن أمريكا وعن إسرائيل وعن اليهود وعن النصارى. ولكن ممن نخاف؟ هل أحد منكم يخاف من أمريكا؟ لا، هل أحد منكم يخاف من إسرائيل؟ لا”.

نحن المستهدفون فمتى نفهم ومتى يكون لنا موقف؟

هناك ولا شك حقيقة يجهلها الكثير من المسلمين ويمكنهم من خلال معرفتها بناء قناعتهم المطلقة بأهمية وجدواية شعار الصرخة، وصولًا إلى تبنيه كشعار وأداة فاعلة في هزيمة العدو وتحطيم معنوياته هذه الحقيقة تكمن في المسلمين أنفسهم ومدى معرفتهم بأنفسهم ووضعيتهم وما هم عليه اليوم، وقد سبق للشهيد القائد (رضوان الله عليه) وأن بيّن لنا هذه الحقيقة التي أصبح يعيشها المسلمون اليوم عندما قال: “نحن أمام وضعية مَهِيْنة: ذل، وخزي، وعار، استضعـاف، إهانـة، إذلال، نحـن تحـت رحمة اليهود والنصارى، نحن كعرب كمسلمين أصبحنا فعلاً تحت أقدام إسرائيل، تحت أقدام اليهود، هل هذه تكفي إن كنا لا نزال عربـاً، إن كنا لا نزال نحمل القرآن ونؤمن بالله وبكتابه وبرسوله وباليوم الآخر لتدفعنا إلى أن يكون لنا موقف”.

إذن ومن خلال هذه التوجيهات وأمام ما نواجهه اليوم من أخطار تتربص بالأمة كلها، نجد أنفسنا ملزمين بأن نقف أمام مفترق طرق وعلينا لمواصلة المسير أن نختار الطريق الصحيح فإما طريق الله الذي هو طريق الفوز والنجاة، وإما طريق الشيطان اللعين الذي هو طريق الخسران والهلاك، فإن سرنا في طريق الله القويم فذلك من توفيقه لنا ومن صدق نياتنا في أداء واجبنا المتمثل في ضرورة التحرك في هذه المواجهة فإن لم يكن بالنفس والمال، فبالكلمة والموقف المواكب للحدث والفعل، فالكلمة لها تأثيرها وفاعليتها في هزيمة العدو وتحطيم معنوياته.

ثقافة الموت.. ثقافة أمريكية إسرائيلية: 

قد يأتي مشكك ويقول: أنتم تحملون ثقافة لا يحملها أحد غيركم، وهذه الثقافة هي ثقافة الموت، والإسلام يدعو إلى الحياة والسلام وهذا ينكره عليكم كل الناس، ولا شك أن هذه النوعية من الناس قد نسوا أو تناسوا أنهم مسلمون وأن تعاليم دينهم واضحة توجب عليهم ضرورة التبرؤ من عدوهم يقول تعالى: (وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).

أيضًا نسي هؤلاء كل ما جرى ولا زال يجري من مذابح ومجازر تمارس بحق المسلمين خدمةً للكيان الصهيوني، سواءً تم ذلك بتنفيذ أمريكي إسرائيلي مباشر، أو بتنفيذ أدواتهم في المنطقة، وكل ذلك ولا شك يأتي في سياق تنفيذ المشروع الصهيوأمريكي الذي يستهدف المسلمين بالموت فقط دون غيرهم، لا بالحب والمودة والسلام، يقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه) في ملزمة الصرخة في وجه المستكبرين:

“نحن كل ما صدر منا، وكل صرخة نرفعها، كل اجتماع نعمله كهذا أو غيره نحن إنما تأثرنا بوسائل إعلامكم فماذا تريدون أنتم عندما تعرضون علينا أخبار ضربات اليهود والأمريكيين والإسرائيليين هنا وهناك في أفغانستان وفي فلسطين، وفي كل بقعة من بقاع هذا العالم، عندما تعرضونها علينا ماذا تريدون أنتم من خلال العرض؟ عندما تأتي أنت أيها المذيع وتعرض علينا تلك الأخبار، وعبر الأقمار الصناعية لنشاهدها، فنشاهد أبناء الإسلام يُقًتَّلُون ويُذبحون، نشاهد مساكنهم تهدم، هل تظن أننا سننظر إلى تلك الأحداث بروحية الصحفي الإخباري الـذي يهمـه فقـط الخبر لمجـرد الخبـر. وتهمـه نبـرات صوتـه وهـو يتحدث واهتزازات رأسه. إن كنت لا تريد من نبرات صوتك أن توجد نبرات من الحرية، نبرات في القلوب، في الضمائر تصرخ بوجه أولئك الذين تقدم لنا أخبارهم، إن كنت لا تريد باهتزاز رأسك أن تَهز مشاعر المسلمين هنا وهناك، إن كنت إنما تحرص على نبرات صوتك وعلى اهتزازات رأسك لتظهر كَـفَنيِّ إعلامـي، نحـن لا ننظـر إلـى الأحـداث بروحيتـك الفنية الإعلامية الإخبارية، الصحفية، نحن مؤمنون ولسنا إعلاميون ولا صحفيون ولا إخباريون، نحن نسمع قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَـا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (الصف:2-3) نحن ننظر إلى ما تعرضه على شاشة التلفزيون بنظرتنا البدائية، نحن لا نزال عرباً لم نَتَمَدّن بعد، وببساطة تفكيرنا كعرب مسلمين لا تزال في نفوسنا بقية من إبَاءٍ، بقية من إيمان، فنحن لسنا ممن ينظر إلى تلـك الأحـداث كنظرتـك أنت”.

واليوم يتجسد كلام الشهيد القائد بشكل أكثر وضوحًا فهناك عدوان صهيوني يجري على قطاع غزة دون توقف، هذا العدوان أدى إلى تدمير شبه كامل للقطاع، وممارسة أبشع صور الإبادة والتجويع الجماعي المتعمد لملايين الفلسطينيين؛ نتيجة منع دخول المساعدات الإنسانية إليهم، كما أدى إلى استشهاد وجرح عشرات الآلاف خلال عام ونصف.

ألأ يعد هذا أوضح دليل على ثقافة الموت والإجرام التي يحملها هذا العدو، وتقوم على استباحة دماء المسلمين وقتلهم بالنار والجوع؛ من أجل إذلال الأمة والسيطرة عليها، وبالتأكيد فإن هذه الثقافة الصهيونية لم تأت من فراغ وإنما جاءت من تعاليم توراتية محرفة، تقضي بضرورة قتل الصغير والكبير ممن يمثلون أعداءً للصهيونية، ومن هنا ندرك أننا أمام ثقافة شريرة خارجة عن المنطق والفطرة الإنسانية السوية؛ تحمل وتروج لثقافة الموت والقتل والتدمير ليس بحق المسلمين فقط وإنما بحق البشرية جمعاء.

خلاصة القول:

لا جدال في أن كل ما نراه اليوم من حقائق وشواهد تفضح حقيقة المشروع الإجرامي لأمريكا وإسرائيل كانت مخفية عنا نتيجة  تعتيم أجهزة الإعلام، كان ولا شك للمشروع القرآني فقط، الفضل في كشفها وتعريتها للناس انطلاقًا من مبدأ عين على القرآن وعين على الأحداث وهو المبدأ الذي يشهد اليوم على واقعية القرآن ومطابقته الدقيقة للواقع والأحداث، كما سبق للشهيد القائد (رضوان الله عليه) وأن أفصح عنه بغية إخراج الأمة من المأزق الذي كانت ولا زالت واقعة فيه.

وانطلاقًا من كل ما سبق لنا معرفته نجد أنفسنا مطالبين باستشعار مسؤوليتنا والقيام بواجباتنا الجهادية تجاه ما يحدث بدءًا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتهاءً بنصرة كل المظلومين من أبناء أمتنا وإلا فإننا سنعيش أذلة تحت أقدام العدو وذلك كما قال الشهيد القائد: ”فإذا رضينا بما نحن عليه، وأصبحت ضمائرنا ميتة، لا يحركها ما تسمع ولا ما تحس به من الذلة والهوان، فأعفينا أنفسنا هنا في الدنيا فإننا لن نُعفى أمام الله يوم القيامة. لابُدّ للناس من موقف، أو فلينتظروا ذلاً في الدنيا وخزياً في الدنيا وعذاباً في الآخرة. هذا هو منطق القرآن الكريم، الحقيقة القرآنية التي لا تتخلف”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com