وديع العبسي

دوّت صفارات الإنذار في سط الكيان واستنفرت أجهزة التتبع لترصد صاروخا بالستيا فرط صوتي قادما من اليمن، بلغ الصاروخ منتهاه وحط في مطار “بن غوريون” في منطقة يافا المحتلة.
لم تجد المؤسسة العسكرية للعدو بُدّا من الاعتراف بنجاح الصاروخ في تجاوز منظوماته الدفاعية الأميركية والإسرائيلية، وهو الذي اعتاد إخفاء خسائره البشرية والمادية منذ بدء جريمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة، وقال جيش العدو في بيان مقتضب على “إكس”: “فشلت منظومتا الدفاع الجوي حيتس (السهم) الإسرائيلية، وثاد الأمريكية في اعتراض صاروخ باليستي أُطلق من اليمن”. فيما نقل الإعلام الإسرائيلي أنّ صواريخ الاعتراض “لم تنجح في اعتراض الصاروخ”، الذي “أجبر ملايين الأشخاص في المنطقة الوسطى على اللجوء إلى الملاجئ”. وقالت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية، إن ملايين الإسرائيليين فروا إلى الملاجئ إثر وصول صاروخ من اليمن.

بدد الباليستي اليمني نظرية الأمن الإستراتيجي لدى “إسرائيل” وضرب يافا، قلب كيان العدو وشريانه ومركز ثقله، والذي يصنفه البعض بـ”الأكثر تأميناً وحصانة في الشرق الأوسط إن لم يكن في العالم”. حيث تتواجد فيه مختلف المنظومات الدفاعية بدءاً من حيتس ومقلاع داوود وثاد. واستهدف الصاروخ مطار اللد “بن غوريون” شرق “تل أبيب“.
وقال إعلام الكيان إن الرأس الحربي للصاروخ اليمني كان كبيرا للغاية، ما تسبب في موجة انفجارات هائلة. فيما قال رئيس لجنة عمال هيئة المطارات، بنحاس عيدان “لقد حدثت لنا معجزة. لم أرَ شيئًا كهذا من قبل، ولم أسمع دويًا كهذا في مطار بن غوريون”.
توقفت حركة المطار بالكامل، وجدّدت القوات اليمنية تحذيرها لجميع شركات الطيران العالمية من تسيير الرحلات إلى مطار “بن غوريون”، معتبرةً أنّه أصبح منطقة غير آمنة للملاحة الجوية. لتلغي على الفور العديد من شركات الطيران رحلاتها إلى المطار. منها شركة طيران “ويز إير” وشركة الطيران الأمريكية يونايتد.

ليس بالإمكان لأمريكا أفضل مما كان

وتأكيدا على أن العملية ليست طارئة وإنما تنطلق من رؤية استراتيجية ترى في نصرة غزة واجباً أخلاقياً ودينياً وسيادياً، جدد رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط التأكيد بأن اليمن لن يوقف ضرباته إلى الأراضي المحتلة إلا بوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة. وأكد الرئيس المشاط خلال ترأسه اجتماعا عسكرياً: ”سنذهب إلى خيارات تصعيدية أخرى في حال استمر العدوان الصهيوني على غزة”.
وحذر من أنه ”لا تزال معلومات الجيش الأمريكي مكشوفة لجيشنا اليمني، وليس بمقدورهم منع هذا الانكشاف. وهذا ما نعرفه ونثق به”.
وقال الرئيس المشاط إن “ضرب حاملة الطائرات الأميركية “ترومان” بدقة عالية هذا الأسبوع وإسقاط “f18 ″ من على متنها دليل واضح وشاهد على صحة ما نقول”.
وأضاف “حذرنا الأمريكي بطرق غير مباشرة من خطوات مزعجة، لكنه لم يرعوِ، ولأنه لا يأبه بحياة الصهاينة تجاهل تحذيرنا متوهما بأن منظوماته ستمنع خطواتنا”.
في الأثناء وعلى غير العادة، التزمت الولايات المتحدة الصمت تجاه الهجوم على مطار اللد، وربما يُفسر هذا الصمت، قناعة أمريكا بأنه “ليس بالإمكان أفضل مما كان”، فقد حشدت سلاحها وقواتها وقطعها البحرية إلى المنطقة لتشن أعنف عدوان على اليمن، بينما كان اليمن مستمرا ودون توقف بتوجيه الضربات الى هذه القوات الغازية. وإلى عمق الكيان.

تأديب الكائنات الطارئة

وبذات البجاحة خرج من قادة الكيان وعلى رأسهم النتنياهو ليرعد بالتهديد والوعيد بالرد، وهو ما لم يحمل أي جديد أكثر مما قد لجأ إليه، كصديقه ترامب، في قصف الأهداف المدنية والأحياء السكنية، بصورة لا تنُم عن أي قدرة بقدر ما تؤكد حالة التشنج والفشل.
وربما في السياق يكفي النظر إلى العمليات العدوانية سواء التي نفذتها أمريكا أو “إسرائيل” ونتائجها للتيقن بأن التصريحات غير المتزنة ليست بأكثر من “هذيان”، ولا عُرف ولا تقليد لهجماتهما في اليمن، فالقدرات العسكرية اليمنية تتنامى أكثر لتفاجئهم دائما بمثل هذه العمليات النوعية، ما يؤكد استمرار غرقهم أكثر وأكثر في اليمن. ويزيد من تعقيد ذلك الالتفاف الشعبي العارم حول القيادة والقوات المسلحة لتأديب مثل هذه الكائنات الطارئة.

الضربة تكرّس من “الفضيحة” الأمريكية

لم يعد أمر وصول الصاروخ اليمني إلى عمق الكيان الصهيوني وهز اركانه وإثارة العالم المنافق معه فقط مجرد استهداف وإحداث هدف مادي، وإنما هو فعل استراتيجي يؤكد على أن اتخاذ موقف التصعيد ضد العدو مع ما يستمر هو فيه من ممارسات جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، مسألة مبدأية، تستند إلى جملة من الأسس القانونية والحقوقية، فضلا عن الجاهزية القصوى لإحداث التحولات الممكنة على صعيد المواجهة مع أمريكا أو “إسرائيل”، بناء على تطوير القوات المسلحة المستمر للصواريخ والأسلحة الهجومية الاستراتيجية بما يجعلها قادرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية.
التفاعل الدولي في التعليق على العملية لا يأتي بدوره لكونه فقط يؤكد على حقيقة المسار التصاعدي الذي تشهده القوات اليمنية ليصبح رقماً صعباً في إطار المعركة التي يشهدها العالم اليوم، وإنما لكونه الذي يعزز من “الفضيحة” الأمريكية التي باتت تقف عاجزة عن الدفاع عن كيانها المدلل مع ما تمتلكه من تكنولوجيا رائدة في صناعة أسلحة الدفاع والقتل، ففشلت اليوم دفاعاتها الجوية وقدراتها الدفاعية في صد الصاروخ الباليستي اليمني، كما فشلت من قبل في إحداث أي تغيير لجهة تدمير القدرات العسكرية اليمنية حسب ما رفعته كهدف لحملتها العسكرية الجارية ضد اليمن، بل وفشلت حتى في حماية قطعها البحرية وحاملات طائراتها المرابطة في البحر الأحمر. وهو ما جعل المراقبين يؤكدون بأن الدور الدفاعي ومهمة الحماية التي تحمّلتها أمريكا من أجل العدو الإسرائيلي قد فقدت المعنى منها وانتهت صلاحيتها.
يقول الخبير اللبناني في الشؤون الاستراتيجية، الدكتور محمد هزيمة “إن الصاروخ اليمني هو من يتحدث اليوم وهو الذي يفرض المعادلات، بعد أن تفوق على جميع الأنظمة العربية وفضح الدول المطبعة التي أصبحت شاهد زور لصالح الاحتلال.”

الخطر الحقيقي على الكيان الصهيوني

تستمر عمليات الجيش اليمني في قصفها، من جهة الأهداف داخل الكيان، ومن جهة أخرى رّدا على العدوان الأمريكي، وفي كل مرة تُظهر هذه العمليات اشتغالا نوعيا في عملية تحديد الأهداف ورسم خطة التنفيذ بمرونة وكفاءة عاليتن، لتمنح القدرات العسكرية اليمنية ميزة أخرى هي الاقتدار في تحقيق النقلات السريعة والاستفادة من التكنولوجيا المعاصرة، وما صارت عليه فعلا التكنولوجيا العسكرية اليمنية من تطور يتوافق والتحديات الراهنة، ويجعلها “خطراً حقيقيا على الكيان الصهيوني وحلفائه من الأمريكان والبريطانيين”.
لذلك جاءت عملية استهداف مطار اللد “بنغوريون” الذي يعد من أهم شرايين الملاحة الجوية لدى الاحتلال بمثابة المفاجأة التي أثارت ضجة إعلامية دولية، كما حركت دهاليز السياسة الدولية للنظر في حقيقة الوضع الأمريكي المنهار والعاجز عن رد الأسلحة اليمنية من الوصول إلى الكيان، بل وحتى أن يردها عن نفسه.
يرى مراقبون أن العملية اليمنية التي استهدفت أهم مطارات الكيان وأثارت الرعب بين قاداته ومستوطنيه، تُعد تحولا نوعيا يثبت أن خيارات القوات المسلحة اليمنية في الردع تجاوزت الدفاع إلى الهجوم المباشر في عمق الكيان الصهيوني، واستمرار هذه العمليات يحمل دلالات استراتيجية تتجاوز اللحظة، وتؤسس لمرحلة جديدة من التوازنات الإقليمية التي لن يكون اليمن فيها إلا في موقع التأثير والمبادرة,

موقع انصار الله