الصمود حتى النصر

الخيارات الصعبة تعصف بدول القارة العجوز.. هل يكون غزو أوكرانيا آخر حروب روسيا في شرق أوروبا؟

الخيارات الصعبة تعصف بدول القارة العجوز.. هل يكون غزو أوكرانيا آخر حروب روسيا في شرق أوروبا؟

الصمود../

 

بمقابل الأهداف المكشوفة التي حددها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحرب التي تشنها روسيا على جارتها أوكرانيا للإطاحة بالرئيس فلادومير زيلينسكي وإغراق أوكرانيا بأزمات طويلة المدى تبعدها عن حلف شمال الأطلسي، فإن هدف العقوبات الأمريكية الأوروبية لم تعد خافية في مساعيها لعزل روسيا وإنهاكها لثنيها عن أي تحالف مستقبلي مع عدوها اللدود الصين وقطع فرص التقارب بين موسكو والغرب الأوروبي عبر خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، وأكثر من ذلك استنزاف القوة الروسية وإضعاف نفوذها المتنامي إقليميا ودوليا.

 

تعيش دول أوروبا لليوم الثالث أسوأ كارثة أمنية وعسكرية تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، أشعلتها هذه المرة روسيا باجتياحها الشامل لجارتها الشرقية أوكرانيا في عملية تذرعت موسكو بأنها نفذتها لحماية سكان اقليم دونباس، غير أن نتائج أيامها الأولى كشفت قلقا هيستيريا لدى موسكو الخائفة من زحف الناتو نحو الشرق، غير بعيد عن طموحاتها في إعادة زمن الحقبة الشيوعية لعالم جديد متعدد الأقطاب.

 

وفيما بدا مرحلة أولى لاجتياح عسكري متعدد المراحل، لم تخض القوات الروسية مواجهات برية واسعة مع الجيش الأوكراني حتى الآن، لكنها افلحت في عملياتها الجوية والبحرية في تدمير 83 هدفاً أرضيًا للبنية التحتية العسكرية لأوكرانيا شملت قواعد إطلاق الصواريخ ومنصات الدفاع الجوي ومستودعات السلاح والمقرات العسكرية والمخابراتية الأوكرانية ووحدات التحكم والسيطرة والمطارات.

 

وتمكنت القوات الروسية الغازية في الساعات الأولى للعملية من شل قدرات سلاح الجو الأوكراني، بعد مواجهات أسقط فيها الروس أربع طائرات اوكرانية من طراز سو-27 وطائرتين سو-24 وطائرة هليكوبتر و4 طائرات دون طيار من طراز “بيرقدار” التركية، فضلا عن السيطرة على محطة تشرنوبيل النووية والعديد من المدن وصولا إلى محيط العاصمة كييف، فيما سجلت الخسائر البشرية مقتل وإصابة مئات الجنود من الجانبين، ونزوح مئات الآلاف من المدنيين.

 

ولم تكن التداعيات المتسارعة للعملية العسكرية الروسية مفاجئة بالنسبة للحكومة الأوكرانية التي غادرت العاصمة كييف إلى مدينة مجاورة للإشراف على المعارك، فهي تعلم حدود القوة الروسية وقدراتها الهجومية قدر ما كان مفاجئا لها الموقف الأوروبي من الاجتياح، ما دعا الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى دعوة الغرب إلى المزيد من الخطوات لمواجهة الروس إلى دعوته الرئيس الروسي بوتين إلى الجلوس على مائدة المفاوضات.

 

لكن دعوة الرئيس الأوكراني للتفاوض جاءت متأخرة كثيرا، كما هو الحال مع ردود الفعل الأمريكية الأوروبية، فعندما أعلنت موسكو سابقا أنها تنتظر ردا أمريكيا سريعا على مقترحاتها الأمنية للحد من التوغل العسكري لحلف الناتو في الجمهوريات السوفياتية السابقة وتهديدها بقوة الرد، عكس ذلك استعدادا روسيا لاتخاذ موقف حاسم في حال تجاهلت أوكرانيا والإدارة الأمريكية المحاذير الروسية تجاه توسع الناتو شرقا.

 

ورغم لجوء روسيا في الأيام السابقة للاجتياح إلى سياسة الحد الأقصى من الضغوط، بإعلانها الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك كجمهوريتين مستقلتين من جانب واحد، إلا أن سيل العقوبات الأمريكية والدولية التي أعلنت ضد روسيا وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أم خيارات صعبة، ليظهر صباح الخميس معلنا عن بدء القوات الروسية عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

 

كان هذا التطور هو أسوأ سيناريوهات الأزمة، وحبس العالم أنفاسه معه من مخاطر تداعيات قد تتجاوز الحرب الروسية الأوكرانية إلى المسرح الأوروبي على الأقل بالهزات الاقتصادية التي شهدتها الأسواق المالية الأوروبية وأسعار النفط التي زادت بنسبة 5 % ليصل سعر البرميل بعد ساعات قليلة من انطلاق العمليات العسكرية الروسية إلى 105 دولارات، مؤذنا بدخول العالم كله في أزمة طاقة يتوقع أن تكون قاسية خصوصا مع التقديرات التي تتوقع ارتفاع سعر البرميل إلى نحو 150 دولارا بما يعنيه ذلك من تضاعف أسعار السلع.

 

لماذا اندلعت الحرب؟

 

الصمت الذي طال من جانب الولايات المتحدة والغرب، حيال مطالب موسكو بالضمانات الأمنية وما اعتبره الروس مماطلات من قبل حلف الناتو في الرد عليها، كان كافيا لروسيا ليس فقط بأن الغرب غير مستعد لتقديم أي ضمانات أمنية بل ويستعد لخطوات تصعيدية أخرى لن تقف عند أوكرانيا بل قد تشمل ترتيبات عسكرية بالغة الخطورة في العديد من دول أوروبا الشرقية خصوصا الأعضاء في حلف الناتو.

 

والموقف الروسي كان واضحا بالتحذيرات التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين لدول أوروبا الشرقية والغربية من مغبة التدخل في عمليات العسكرية في أوكرانيا وكذلك من خلال اتجاه موسكو إلى التنسيق عسكريا مع جارتها بيلاروسيا، التي بدت في الاستراتيجية الروسية بديلا لبولندا العضو في حلف الناتو.

 

ورغم الحديث المتكرر من أطراف الأزمة عن القنوات الديبلوماسية المفتوحة، فإن تطورات الأيام الأخيرة كانت تؤكد أن الجميع ذاهبون إلى حرب، بعد أن أعلنت واشنطن تمركز القوات الروسية في حدود أوكرانيا وبيلاروسيا وشبه جزيرة القرم بحالة استعداد، بالتزامن مع استعدادات عسكرية واسعة من جانب دول حلف الناتو، التي زادت عديد قواتها إلى نحو 15 ألف جندي، من سائر دول الحلف بما فيها دول أوروبا الشرقية مدعومة بمئات الآليات وعشرات الطائرات المقاتلة بما فيها مركز الدفاع الصاروخي للناتو في رومانيا.

 

زاد من ذلك نشر واشنطن وحلف الناتو المزيد من القوات والتعزيزات بالأسلحة المتطورة في العديد من الدول الأوروبية ورفع حالة الاستعداد لقوات الناتو المتموضعة في رومانيا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وبلغاريا، ما أثار قلق موسكو من تصاعد الحضور العسكري للولايات المتحدة وحلف الناتو قرب الحدود الروسية، ما جعل قرارها الانخراط في الحرب خيارا وحيدا حتى دون انضمام أوكرانيا للناتو.

 

والرد الروسي المتدرَّج منح أوكرانيا والغرب فرصا للاستجابة لمطالب موسكو، فقد شرَّع أولا بالاعتراف باستقلال جمهوريتي ودونيتسك ولوغانسك، كخطوة ديبلوماسية أرادت موسكو من خلالها خلق مساحة أمنية مشتركة وتقليل فرص انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو من خلال إشعال أزمات داخلية تحقق لها هذا الهدف دون اللجوء إلى حرب، استنادا إلى ميثاق الناتو الذي يمنع ضم أي دولة إلى الحلف تعاني من نزاعات داخلية، وتلاها إعلان الرئيس بوتين أن اتفاقية مينسك صارت من الماضي، ما دعا السلطات الأوكرانية إلى إعلان حالة الطوارئ وهو ما كانت تريده روسيا فعلا.

 

ورغم أن هذه الخطوة كانت قد أقفلت الباب كليا أمام انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، إلا أن تطورات أخرى أعادت الجميع إلى المربع الأول في التقارير الروسية التي تحدثت عن نيات حلف الناتو إنشاء قواعد عسكرية في أوكرانيا حتى دون ضمها إلى الحلف، وعزم واشنطن تقوية الحلفاء الشرقيين بنشر أسلحة نووية في بولندا، فضلا عن إعلان الرئيس الأوكراني عزمه الانسحاب من اتفاقية بودابست لإنتاج أسلحة نووية بالاستفادة من البنية التحتية التي تملكها أوكرانيا من إرث الاتحاد السوفيتي السابق.

 

هذه التطورات دفعت الروس إلى قلب الطاولة بصورة مفاجئة، بقرارها تنفيذ اجتياح عسكري للأراضي الأوكرانية سعيا إلى تحقيق هدفين، الأول: تدمير القدرات العسكرية الأوكرانية ومنع أوكرانيا من الانضمام لحلف الناتو من طريق ما وصفه الرئيس الروسي بـ” تحييد النازيين”، أي إسقاط حكومة الرئيس زيلينسكي المجموعات القومية من مراكز القرار، والثاني: صد الطموحات الأمريكية ببناء قواعد عسكرية في أوكرانيا أو تزويد بولندا بقواعد ترسانة نووية.

 

هذان الهدفان كانا في الواقع مصدر قلق روسيا والسبب في مطالبتها بضمانات أمريكية غربية تمنح روسيا حق الاعتراض على انضمام أوكرانيا لعضوية حلف شمال الأطلسي وضمانات أخرى بعدم نشر أسلحة نووية في بولندا، فضلا عن مطالبتها بسحب قوات وأسلحة حلف الناتو من دول أوروبا الشرقية ولا سيما من رومانيا وبلغاريا.

 

حرب العقوبات

 

رغم أن العقوبات التي أعلنتها واشنطن وحلفاؤها الغربيون على روسيا كانت قاسية باستهدافها تدمير الاقتصاد الروسي وعزله عن العالم، إلا أن الروس لم يكترثوا كثيراً للعواقب، إذ أنهم يرون أن ما ستجنيه روسيا من كوارث بفعل انضمام أوكرانيا إلى الناتو ونشر أسلحة نووية على حدودها، سيكون أكثر كلفة من أي عقوبات يمكن احتواءها بطرق مختلفة، وهو ما فسَّر التأييد الواسع للمغامرة الخطيرة التي أعلنها الرئيس بوتين بغزو شامل لأوكرانيا في ظل غياب كامل للأصوات المعارضة.

 

بدت موسكو مطمئنة أكثر إلى أن واشنطن لن تلجأ إلى العقوبات الكبيرة نظرا لأن آثارها ستطال روسيا وأميركا والغرب على السواء، في حين أن العقوبات الأدنى لن تؤثر كثيرا في الاقتصاد الروسي، إذ سبق واستخدمت واشنطن وحلفاؤها الغربيون سلاح العقوبات في العام 2014م ضد روسيا بعد إعلانها ضم شبه جزيرة القرم واثبت الواقع أنها لم تؤثر كثيرا على الاقتصاد الروسي، بعدما تمكن الروس من تجاوزها ببدائل مختلفة.

 

وأهم العقوبات التي كان ينتظر أن تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية تتمثل في عزل روسيا عن النظام المصرفي العالمي (سويفت) الذي تديره الولايات المتحدة، غير أن واشنطن لم تستخدم هذا السلاح أو أرجأت استخدامه في الوقت الراهن، كون تداعياته ستمس المصالح الأمريكية بصورة مباشرة، فخطوة كهذه قد تفقد الكثير من دول العالم الثقة بهذا النظام، علاوة على أنه قد يقدم خدمة مجانية لروسيا والصين ودول أخرى، تبحث منذ وقت طويل للاندماج في نظام مالي عالمي جديد يفقد واشنطن أهم أوراقها في السيطرة الاقتصادية.

 

السيناريوهات القادمة

 

أحد السيناريوهات التي توقعتها المخابرات الأمريكية في وقت سابق، أن تلجأ قوات الاجتياح الروسي إلى تطويق العاصمة الأوكرانية كييف والإطاحة بالرئيس فولوديمير زيلينسكي في غضون 48 ساعة، وهو ما حدث فعلا، حيث شرَّع الروس بضربات جوية مكثفة دمرت القدرات العسكرية الأوكرانية ولا سيما أنظمة الدفاع الجوي والقوات البحرية ثم الزحف على العاصمة كييف من ثلاث جهات.

 

ومع ذلك لا تزال الاهداف الروسية غامضة، وليس هناك يقين لدى واشنطن وحلفائها الأوروبيين ما إن كانت القوات الروسية ستكتفي بفصل الجمهوريات المعترف بها من طرف موسكو، أم ستمضي بالاجتياح الكامل لأوكرانيا وإسقاط الرئيس زيلينسكي وحكومته.

 

وأسوأ ما يمكن أن تفعله القوات الروسية هو إقصاء القوميين الأوكرانيين وقوى اليسار وتنصيب دمى يرتهنون للقرار الروسي وهو سيناريو سيضعف موسكو وكييف على السواء وسيضعهما أمام أزمة عميقة ستحتاجان لسنوات من اجل تجاوز تأثيراتها على التجربة السياسية والديموقراطية الأوكرانية، وسمعة روسيا التي تسعى لأن تكون قوة دولية فاعلة في شرق أوروبا والعالم.

 

لكن أي تطور سياسي في أوكرانيا وروسيا، لا يزال مرهونا بقدرة الجيش الأوكراني احتواء العملية العسكرية الروسية والحفاظ على تماسكه والحالق خسائر كبيرة بالجيش الروسي، وهو المعطى الوحيد الذي قد يغيِّر المعادلة القائمة حاليا.

 

ومن جانب آخر فإن سيناريو تطور الحرب الروسية الأوكرانية إلى حرب عالمية أو على الأقل حرب أوروبية لا يزال مرهوناً بالتطورات الميدانية على الأرض، وما إن كانت دول أوروبا الشرقية والغربية ستتجاوز التهديد الروسي بعدم التدخل في العمليات التي يقودها الجيش الروسي في أوكرانيا.

 

وما قد ينذر بتوسع رقعة الحرب إلى حرب عالمية هو طلب إحدى دول الناتو في شرق أوروبا تفعيل للمادة الخامسة من ميثاق الحلف الأطلسي، التي تنص على التزام دول الحلف بالدفاع عن أي دوله من دول الحلف حال تعرضها للتهديد.

 

وفي حال لم يتم تطويق الأزمة المشتعلة حاليا بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا أو فشل العملية العسكرية عن تحقيق أهدافها فإن المنطقة ستكون على موعد من كابوس كبير للغاية وهو نشر كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ترسانة نووية.

 

وتشير التقديرات إلى أن روسيا في حال فشل عمليتها العسكرية قد تنسحب من أوكرانيا وتحصر حضورها في الجمهوريات التي أعلنت استقلالها، كما ستبدأ بنشر صواريخ نووية في بيلاروسيا، وستزيد من عدد رؤوسها النووية على حدودها الغربية بما في ذلك منطقة كالينينغراد، لمواجهة خطوات أمريكية مماثلة، كما يرجح أن تعيد الأساطيل البحرية الروسية توجيه صواريخها إلى الدول التي ستنشر فيها الأسلحة النووية الأمريكية، بما فيها صواريخ “كاليبر” وتسيركون” التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، بما يجعل كل مناطق الناتو تحت المراقبة الروسية.

 

وهذا التداعي لم يعد توقعا، بل صار خطة قابلة للتنفيذ بعد إعلان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو رسميا استعداد بلاده نشر أسلحة نووية روسية على أراضي بلاده، إذا ظهرت الأسلحة النووية الأطلسية في بولندا.

 

مراجعات صعبة

 

يمكن القول إن الدعوات الأوروبية لروسيا إلى التراجع عن قرارها اجتياح أوكرانيا وإسقاط حكومتها، صارت اليوم جزءاً من الماضي، في ظل النيات الروسية المضي بخطواتها التصعيدية حتى النهاية باعتبارها الخيار الوحيد المتاح امام الغطرسة الغربية في التعاطي من مطالبها بضمانات الأمن الجماعي.

 

ولا يبدو أن هناك مجالا لانخراط روسيا بمفاوضات سياسية مع المجتمع الدولي، سوى في المحاور المتصلة بالأمن الأوروبي، وهي القضية التي استبقها الرئيس بوتين بتعهدات بأن روسيا لن تنخرط في أي تحركات عسكرية من شأنها تهديد أمن دول أوروبا، فيما يمكن اعتباره إشارة إلى أن هذه الورقة ستبقى مرهونة بالتأثير الذي يمكن أن تحدثه العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا على المدى المنظور، وبمدى قبول الغرب الانخراط في معادلات سياسية جديدة تحفظ أمن أوروبا والعالم.

 

ذلك أن الأهداف التي أعلنتها السلطات الروسية في عمليتها العسكرية لغزو أوكرانيا لم تكن سوى بروبغاندا دعائية، ففي كلمته الأخيرة التي سبقت عملية الاجتياح، كشف الرئيس بوتين الأهداف الحقيقية للعملية عندما أكد أن ” أوكرانيا جزء لا يتجزأ من تاريخ روسيا”.

 

وهذه التصريحات كشفت أن الحديث الروسي عن الالتزام باتفاقيات مينسك بشأن مناطق شرق أوكرانيا التي يقطنها انفصاليون موالون لموسكو، لم يكن سوى هراء، بعدما أثبت الفعل الروسي العكس تماماً بالهجوم العسكري على دولة ذات سيادة وإلغاء وجودها إحياءً لنظرية شعبوية لم تعد مقبولة ولم يعد لها وجود في قاموس القيم السياسية الحديثة.

 

وسواء نصَّبت روسيا دمى في أوكرانيا أو حصرت حضورها في إقليم دونباس وتركت للأوكرانيين تحديد مصيرهم في المستقبل، فمن غير المرجح أن تحظى روسيا بقبول في المجتمع الدولي في المستقبل القريب والمتوسط، فعمليات إسقاط حكومات وإنشاء أخرى بالقوة أو من خلال التهديد بالقوة الغاشمة، سيخلِّف على المدى المنظور سباقا محموما على التسلح في منطقة لديها ما يكفي من الإرث في إنتاج صراعات كبيرة.

 

وأكثر التقديرات تشير إلى أن الحرب الروسية في أوكرانيا لن تكون الأخيرة، فموسكو تتبنى منذ فترة طويلة مشروعاً لتشكيل مقاربات سياسية مختلفة لمسألتي الأمن وتوازن القوة وفق آلية صعبة التحقق خصوصا وهي تسعى لتحييد كل التهديدات المحتملة على حدودها، بعد أن صار النموذج الغربي هو الأكثر جذبا لدول أوروبا الشرقية.

 

هذا الأمر عبَّر عنه بوضوح الرئيس الأوكراني زيلينسكي، عندما حذَّر دول أوروبا الشرقية قائلاً “إن تركتم أوكرانيا اليوم فستواجهون غدا حربا تهدد وجودكم” في قراءة بدت عميقة، فالتهديدات الروسية المستمرة التي تعرضت لها أوكرانيا منذ العام 2014م ولغة الغطرسة التي تعاملت بها موسكو مع جارتها الشرقية ومحاولتها المحمومة مصادرة قرارها الداخلي، ضيَّقت أمامه الخيارات أمامه سوى من خيار الاستعداد للحرب، وهو مصير قد تواجهه العديد من دول أوروبا الشرقية مستقبلا في حال انتصار روسيا في هذه الحرب.

 

الثورة / تحليل – أبو بكر عبدالله

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com