الصمود حتى النصر

الدروس والاختبارات في حياة الإنسان

الصمود – بقلم/ شاهر أحمد عمير

لم تكن الدنيا يومًا دارَ راحةٍ وخلودٍ، بل ساحةَ اختباراتٍ ودروسٍ تُمحَّص فيها النفوس وتُعرف المواقف، اقتضت حكمةُ الله أن تكون حياةُ الإنسان مزيجًا من الكدّ والمعاناة، ليبلوَ الخلقُ أيهم أحسن عملًا؛ قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ}.

والمتأمّل في واقع الدنيا يدرك أنها لم تُخلق صفاءً من الأكدار ولا خاليةً من الهموم، بل هي ميدانُ جهادٍ وصبرٍ ومقاومةٍ للنفس وللظروف.

قال الشاعر:

خلقت على كدرٍ وأنت تريدها صفوًا من الأقذاء والأكدار

ومكلف الأيّام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نار

وحين غاب الجهاد غابت الأُمَّــة، وظهرت آثارُ التنصّل عن المسؤولية الإيمانية والجهادية على واقع الأُمَّــة ومقدّساتها.

فالجهادُ والشهادة يحتلان مكانةً مركزيةً في الخطاب القرآني؛ إذ شكّلا وعيَ الأُمَّــة وهويتها الحضارية.

وقد قدّم القرآن تصورًا فريدًا لهذين المفهومين، أعاد من خلاله تعريف الموتَ والحياة، فجعل الجهاد سبيلَ الحياة الحقيقية، والشهادة ذروةَ الارتقاء الإنساني في سبيل الله.

وعندما تتراجع روحُ التضحية وتغيب المسؤولية الجهادية، يصاب المجتمع بالضعف والانهيار، وتتعرض مقدسات الأُمَّــة ومقدّراتها للابتذال والاستهداف.

لذلك فَــإنَّ التذكير بالجهاد – فضلًا عن كونه واجبًا إيمانيًّا – ضرورةٌ لحماية الأُمَّــة وصون كرامتها من الذلّ والهوان.

وإذا تأملنا واقع الشعوب في هذه الدروس والاختبارات، نجد أن المحن لا تخص الأفراد وحدهم، بل تمتد إلى الأمم جمعاء.

فشعبُ فلسطين اليوم يعيش أعظم امتحان عرفه العصر الحديث؛ يُقتل أطفاله، وتُهدم بيوته، ويُحاصر في أرضه، ومع ذلك يثبت بثقةِ المؤمن الذي يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن النصر وعدٌ من الله للصابرين.

وكذلك الشعب اللبنانيّ الصامد، الذي يواجه الحصار والمؤامرات، لكنه ما زال متمسكًا بخيار المقاومة رغم الجراح والضغوط.

أما شعبُنا اليمني العزيز، فقد عاش منذ سنواتٍ طويلة ألوانًا من الدروس والاختبارات: عدوانٌ خارجي، وحصارٌ خانق، ومعاناةٌ اقتصادية وإنسانية، ومع ذلك خرج من رحم الألم قوةً وصبرًا وإيمانًا لا يتزعزع.

لقد أثبت اليمنيون أن المحن تزيدهم عزيمةً وتمسّكًا بطريق الحق، وأن الثبات في وجه الطغيان طريق النصر والتمكين.

إن هذه الشعوب الثلاثة – الفلسطينية واللبنانية واليمنية – أصبحت نماذجَ حيّة لمعنى الصبر والجهاد في مواجهة الأعداء والتوكّل على الله رغم عِظَم الكيد والمؤامرة.

فرغم الفارق الكبير في السلاح والتقدّم الصناعي والتكنولوجي، أثبتوا للعالم أن الإيمان الحقيقي ليس كلماتٍ تُقال، بل مواقفٌ تُترجم إلى صمودٍ وتضحيةٍ وثقةٍ بالله وبنصره.

والدروس والاختبارات في جوهرها ليست عقوبةً فحسب، بل تربيةٌ إلهية تمتحن الإيمان وتُظهر معدنَ الإنسان، كما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأموال وَالأنفس وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.

ومن صبر وجاهد ووقف مع الحق في وجه الباطل المتمثل بأمريكا وكيان الاحتلال وبريطانيا والسعوديّة الذين يحاصرون ويقتلون الشعوب الحرة، كان من الفائزين في الدنيا والآخرة.

وسيمضي المؤمنون الصادقون، وفي مقدمتهم أحرار الأُمَّــة وقادتها المخلصون، وعلى رأسهم السيدُ القائدُ عبدالملك بدر الدين الحوثي –حفظه الله– حاملَ راية الإسلام والصبر والثبات في مواجهة الطغيان، حتى يتحقّق وعدُ الله بالنصر والتمكين للمستضعفين، وتشرق الأرض بنور العدل والكرامة.

وقد أكّـد السيدُ القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي –حفظه الله– في خطابه بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد قائلًا: «لا أمن ولا سلام في المنطقة ما دام الاحتلال الإسرائيلي قائمًا على أرض فلسطين».

وقال وهو يفتتح أسبوع الشهيد: «الشهادة ثقافة حياة ودرع للأُمَّـة ضد الظلم والاحتلال»، مؤكّـدًا أن الشهادة طريقٌ للحماية والكرامة وأَسَاس لمواجهة الأعداء، وختم قائلًا: «قادمون حتمًا على جولة مواجهة مع العدوّ الإسرائيلي».