الصمود حتى النصر

من المميزات العظيمة والفريدة لثورة الـ21 من سبتمبر المباركة

الصمود| القول السديد |

ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، هي إنجازٌ عظيمٌ وفريد، حقَّقه الله على يد هذا الشعب العزيز، لها مميِّزاتٌ عظيمة، تميَّزت بها بكل وضوحٍ وجلاء؛ ولـذلك لا تحتاج إلى دعاية إعلامية مزيَّفة، ولا تستند إلى تلفيقات؛ إِنَّما تستند إلى حقائق واضحة كوضوح الشمس:
•    الميزة الأولى لهذه الثورة المباركة، هي: أصالتها، وخلوصها من أيِّ تبعيةٍ خارجية:
ثورة الحادي والعشرين ثورةٌ أصيلةٌ للشعب اليمني، انطلقت من إرادةٍ شعبيةٍ يمنيةٍ خالصة، ليس هناك أي دور خارجي فيها:
•    لا على مستوى القرار.
•    ولا على مستوى الرؤية العملية.
•    ولا على مستوى الخطوات التي تمَّت.
•    ولا على مستوى التَّوَجُّهات والمواقف…
ولا بأي شكلٍ من أشكال التَّدَخُّل الخارجي.
انطلقت من إرادةٍ يمنيةٍ، شعبيةٍ، خالصةٍ، نقية، وانطلقت أيضاً في مسارها العملي بجهدٍ يمنيٍ خالص، ليس فيه أي تدخُّل بأيِّ شكلٍ من الأشكال من أي جهةٍ خارجية، الخطوات العملية، التمويل الذي قام به هذا الشعب من خلال قوافله، التي كانت تتَّجه إلى المخيمات، وإلى الأماكن التي يتحرَّك فيها أبناء هذا الشعب، في سعيهم لإنجاز هذا الاستحقاق، كل الاعتماد كان على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكل الجهد بذله هذا الشعب، والإرادة إرادة لأبناء هذا الشعب، توكُّلهم على الله، واعتمادهم على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وثقتهم به، ثم جهدهم، وعطاؤهم، وتضحياتهم، وعزمهم، ووعيهم بأهمية ما يقومون به، كان هو الشيء الواضح، والذي جعل الله له الثمرة العظيمة، والنتيجة الكبيرة، في تحقيق انتصارٍ تاريخيٍ عظيم.

وعلى مَنْ كان هذا الانتصار؟ على مَنْ؟ كُلُّنا يعلم أنَّ هذه هي ثورةٌ تحرُّريَّة، تُحَرِّر شعبنا العزيز، وبلدنا المبارك، من السيطرة والوصاية الخارجية المعلنة، التي كانت قد استحكمت قبضتها على هذا البلد، بإذعانٍ وخيانةٍ من بعض القوى المحلية، التي تتحرَّك كأدوات مرتهنة في يد الأجنبي، والقوى الخارجية المسيطرة على وضع البلد تحت وصاية معلنة، وتحت عنوان [البند السابع لمجلس الأمن]، على رأسها الأمريكي، والسفير الأمريكي في صنعاء أصبح هو رئيس الرئيس، فوق كلِّ سلطة، وفوق كلِّ مسؤول، يقرِّر، يفرض، يأمر، يوجِّه، يتحكَّم، وأصبح الأمريكي يتدخَّل في كل شؤون هذا البلد، في كل المجالات، بما يخدمه، ويحقِّق أهدافه، ويضرُّ بهذا الشعب؛ ولـذلك كان هناك إهدار تام للسيادة والاستقلال، وتفريطٌ كاملٌ بذلك.

القوى التي أذعنت للوصاية الأجنبية من موقعها في السلطة: بعض الأحزاب، بعض المكوِّنات، بعض الشخصيات، التي هي يائسة من إمكانية أن يكون هناك حُرِّيَّة في بلدنا، وهي مرتهنة للخارج ارتهاناً كاملاً، أذعنت بشكلٍ تام، وفتحت المجال لهذا التَّدَخُّل الأمريكي ليسيطر على كل شيء.
فشعبنا العزيز اتَّجه لصنع هذا الإنجاز العظيم التَّحَرُّري، وحقَّق انتصاراً على القوى الخارجية، التي على رأسها الأمريكي، التي انتهكت استقلال وسيادة هذا البلد، فهذه هي الميزة الأولى: خلوص هذه الثورة من أيِّ تأثيرٍ أجنبي، ليست صناعةً خارجية، لا في الإرادة، ولا في الفكرة، ولا في التَّحَرُّك العملي، ولا في أي توجُّهات ولا مواقف؛ هي تُعَبِّر عن إرادة هذا الشعب، وانطلقت بإرادة خالصة وصادقة من هذا الشعب العزيز.

•    من المميِّزات الراقية والعظيمة جدًّا لهذه الثورة المباركة: الأداء الراقي النظيف بما لا مثيل له، وبانضباطٍ عالٍ، وتعاملٍ راقٍ ومسؤول، يجسِّد الأخلاق الإيمانية لهذا الشعب العزيز، حتى مع أشد الحاقدين على هذه الثورة المباركة، كان التعامل راقياً:
في الحادي والعشرين من سبتمبر، في الانتصار التاريخي، لم يكن هناك من قِبَل روَّاد هذه الثورة وجماهيرها أيّ اعتداءات، ولا أي تعسفات، ولا أي تجاوزات ظالمة؛ لم يكن هناك مذابح، ولا إبادة جماعية، ولا تصفية حسابات، لا بالمستوى السياسي، تجاه فئة سياسية معيَّنة، أو حزب سياسي معيَّن؛ ولا تجاه أي اعتبارات أخرى، ولا منطلقات أخرى؛ إذا كان هناك تصرفات فردية، فهي محدودة للغاية، لا تكاد تذكر أصلاً، لا تكاد تذكر.
في يوم الحادي والعشرين من سبتمبر، مع الإنجاز التاريخي العظيم في العاصمة صنعاء، استتب الأمن والاستقرار للجميع، وفَّرت هذه الثورة الأمن والاطمئنان لكل الأهالي في صنعاء، لكل النَّاس في صنعاء، لكل الفئات في صنعاء، لكل أبناء هذا الشعب بمختلف اتِّجاهاتهم وتوجُّهاتهم: السياسية… وغيرها، وكان هذا شيئاً واضحاً جدًّا، وهو تاريخٌ قريب.

كل الأحداث آنذاك تشهد، تشهد على هذا النقاء، على هذا التعامل الراقي، لم يكن هناك تصفية حساب سياسية، ولا بأي اعتبارٍ كان، ولا تحت أي عنوانٍ كان؛ لأن الثورة من أساسها اتَّجهت بعناوين صحيحة، وتوجُّهات صحيحة، وتحرُّك صحيح، لم تتحرَّك بمثل ما يتحرَّكه الآخرون، الذين لا يمتلكون أي مشروعٍ لمصلحة هذا الشعب، مِمَّن يعملون كأدوات لأمريكا وإسرائيل، وللأدوات الإقليمية لأمريكا وإسرائيل، ليس لديهم إلَّا العمل على إثارة النعرات الطائفية، والمناطقية، والعرقية، كل أنشطتهم، تحرُّكاتهم، ضخِّهم الإعلامي، برامجهم، كُلّها تعتمد على هذه المسألة، كل شغلهم يتَّجه صوب إثارة النعرات والأحقاد والفتن تحت العناوين: المذهبية، الطائفية، المناطقية، العرقية؛ لأنهم لا يمتلكون مشروعاً حقيقياً لخدمة هذا البلد؛ ولـذلك يَعْمِدُون على ذلك، وتعبئتهم كُلّها أحقاد، كُلّها ضغائن، كُلّها كراهية، كُلّها عقد، وكُلّها تتَّجه إلى الوضع الداخلي لهذا البلد؛ ولـذلك يعملون بكل جهد، وبشكل مكثَّفٍ جدًّا، على تمزيق النسيج الاجتماعي لشعبنا العزيز، على صنع فجوات ما بين أبناء هذا الشعب، وعلى تقطيع الأوصال والروابط التي تربط أبناء هذا الشعب بكلّهم على مدى التاريخ، الروابط الأخوية والإيمانية، وكل الروابط العظيمة، التي تربط بين أبناء هذا الشعب، كل شغلهم، كل ديدنهم، كل جهدهم- وبدعمٍ خارجي، تمويل من بعض الدول الخليجية، وإشراف أمريكي، وهندسة إسرائيلية- يتَّجه في هذا الاتِّجاه السيء جدًّا، المباين لقيم الإسلام، لمبادئه، لتعاليم القرآن الكريم، في إثارة الأحقاد، في إثارة البغضاء والكراهية، في تقطيع الأواصر بين أبناء هذا الشعب العظيم، يمن الإيمان، يمن الحكمة، يمن الإسلام، والإساءة إلى كل تاريخه؛ لأن لديهم عقدة شديدة جدًّا من التاريخ المجيد لهذا الشعب العظيم، التاريخ المشرِّف، التاريخ الراقي، وهم على انفصام تام مع تاريخ هذا الشعب إلى صدر الإسلام، وهم على قطيعة ومباينة تامَّة، ولديهم عقدة شديدة جدًّا، فهم يشتغلون على الإساءة إلى تاريخ هذا الشعب كله إلى صدر الإسلام.

ثم أيضاً في حاضر هذا الشعب، يشتغلون على تمزيق نسيجه الاجتماعي، تقطيع الأواصر والروابط، والشغل ليل نهار، كل ضخِّهم الإعلامي، كل نشاطهم الذي هو بطابع الإضلال، والتزييف للحقائق، يتَّجه في هذا الاتِّجاه السيء جدًّا، ويكفيهم ذلك في انكشافهم، أنهم مفلسون من أي مشروعٍ صحيح، مشروعٍ يؤلِّف الله به بين أبناء هذا الشعب، تجتمع كلمتهم عليه، مشروع يدعو للأخوَّة، للتعاون، هي دعوة القرآن الكريم، دعوة الله في القرآن الكريم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:103]؛ دعوة أولئك من الأدوات، التي تعمل لمصلحة الأمريكي والإسرائيلي، ومصلحة الأدوات الإقليمية للأمريكي والإسرائيلي، هي دعوة للفرقة، للفتنة، للكراهية، للبغضاء- كما قلنا- تحت العناوين: الطائفية، المذهبية، المناطقية، العرقية… كل العناوين السيئة، النزغ بالشر في اتِّباعٍ تام للشيطان الرجيم، النزغ بين الناس، حتى العمل على تأجيج المشاكل الاجتماعية، يشتغلون عليه، ورصدنا لهم أنشطة ذات طابع استخباراتي لإثارة الفتن بين هذه القبيلة وتلك، لإثارة النزاعات، والصراعات، والمشاكل، يهندسون لها، ويتابعونها، ويعملون في إطار الشغل الشيطاني.
دعوة الله في القرآن الكريم دعوة للأخوَّة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:10]؛ دعوة أولئك كُلّها اتَّجهت إلى الوضع الداخلي لهذا الشعب؛ لتحويل الناس إلى أعداء، إلى متباينين:
•    هذا يأخذ موقفاً من ذاك تحت عنوان عرقي.
•    وهذا يأخذ موقفاً من ذاك تحت عنوان مذهبي وطائفي.
•    وهذا يأخذ موقفاً من ذاك تحت عنوان مناطقي.
وكل ما يقدِّمونه، وكل ضخِّهم الإعلامي الكثيف، يشهد على هذه الحقائق، كل منطقهم هو بهذا الشكل: مباين تماماً للقرآن، للقيم الإيمانية، ولا يتَّجهون اتِّجاهاً صادقاً واضحاً، ضمن ما ينبغي أن تكون الأُمَّة بكلها فيه، ضد العدو الحقيقي للأُمَّة: (الأمريكي، الإسرائيلي)، الذي يسعى فعلاً لاستعباد أبناء هذه الأُمَّة، يسعى لإذلال هذه الأُمَّة، يسعى لاستباحة هذه الأُمَّة؛ بل على العكس، يتَّجهون لصرف الناس عن أي توجُّهٍ صحيحٍ، وموقفٍ صادق ضد العدو الحقيقي للأُمَّة (أمريكا، وإسرائيل).
فالثورة (ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر) هي ثورة في عناوينها، في شعاراتها، في مساراتها العملية، في أهدافها، نظيفة، نظيفة، لم تشبها تلك الشوائب التي لدى الآخرين من الأدوات الخاضعة، التي تعمل للعدو، لعدو هذا الشعب، عدو هذه الأُمَّة، ليس فيها تعبئة بالأحقاد والكراهيات، المبنية على اعتبارات وتصنيفات عرقية، مذهبية، مناطقية…إلخ.

ثم عند التمكين، وعندما حقَّق الله الإنجاز العظيم لهذا الشعب، كذلك لم يكن هناك تصفية حسابات، ولا إبادات جماعية، ولا… بل قادة تلك الأدوات المحلية كانوا في غاية الاطمئنان، في اطمئنانٍ تام، وأتى الجهد الكبير الموازي لما تحقَّق في الميدان، في السعي للحفاظ على أخوَّة هذا الشعب، على تعاون أبنائه، قُدِّم- آنذاك- مشروع السِّلم والشراكة، وأتت له صيغة سياسية موقَّعة من الجميع، ومعترفٌ بها دولياً، معترفٌ بها من الجهات الدولية والإقليمية وغيرها، ثم انقلبت الأدوات المحلية بأمرٍ من الخارج، بتوجيه من الأمريكي والإسرائيلي، وأدواتهم الإقليمية، انقلبت على تلك الصيغة، على ذلك الاتِّفاق، انقلاباً تاماً، وتنكَّرت له بوضوح، وفي موقفٍ معلن، في تنكُّرها له، وانقلابها عليه، مع أنَّه أنصفهم غاية الإنصاف، وأكثر من الإنصاف، يعني: أبقى لهم: لكل الفئات، لكل القوى، دورها، على أساس أن يكون في خدمة هذا الشعب، في إطار تلك الصيغة (صيغة السِّلم والشراكة)؛ ولكنهم لا يريدون ذلك، هم يريدون أن يعملوا كأدوات للخارج، وبوصلتهم التي يتحرَّكون وفقها هي المصالح الخارجية، وهم يُحَرَّكون بالريموت، يوجَّهون كما يريده الأمريكي، من خلال أدواته الإقليمية، وأحياناً بشكلٍ مباشر.

فالميزة العظيمة التي تميَّزها عن كل الثورات الأخرى، منها هذه الميزة أيضاً: الأداء الراقي، التعامل العظيم، أتت بالأمن، بالاستقرار إلى ربوع هذا الوطن، في كل المناطق التي سيطرت فيها، في العاصمة صنعاء كذلك، وبانضباطٍ عالٍ، انضباط كبير جدًّا، مع أنَّها ثورة شعبية، تحرَّك فيها الملايين من أبناء هذا الشعب؛ لكنَّهم جسَّدوا هذه القيم الأصيلة لشعبنا العزيز: قيم التسامح، الأخوَّة، البعد عن تصفية الحسابات والتصرفات الإجرامية والوحشية، التي يتصرَّف بها الآخرون.

كلمة السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي “يحفظه الله ” بمناسبة ذكرى ثورة 21 سبتمبر 1447هـ