الصمود حتى النصر

قبائل الجزيرة أمام لحظة التاريخ… أيَّ موقف تختارون؟

الصمود – بقلم/ مبارك حزام العسلي

لسنا ندعوكم إلى فتنة ولا إلى سلاحٍ أعمى، ولكننا ندعوكم إلى موقف: موقف يُعلَنُ بوضوح أن أبناء الجزيرة لا يقبلون أن تستغلَّ الأنظمةُ اسمَهم لحماية مَن يحتلّ ويقتل، ولا يرضون أن تتحوّلَ أرضُ الحرمين إلى درعٍ واقٍ للكيان الغاصب.

يا أبناء الجزيرة العربية، يا أبناء بلاد الحرمين:

إننا اليوم أمام مشهد لا يُحتمل صمته ولا يُغتفر غيابه. غزة تُحاصر بالقصف والجوع، تُصلب على مرأى العالم، بينما تُسخَّر الجيوش والتحالفات لا لإنقاذ شعبٍ مظلوم ولا لحماية قوافل الحرية، بل لحراسة سفن العدوّ الصهيوني في البحر الأحمر وتأمين مصالحه!

هنا يطفو السؤال الكبير: أين أنتم يا أبناء القبائل؟ أين أنتم يا شمر ويام، يا قحطان وعتيبة، يا شهران والدواسر، يا حرب والحويطات وجهينة، يا آل مُرَّة وبني خالد، يا غامد وزهران، ويا كُـلّ القبائل العربية الأصيلة التي شكّلت تاريخ الجزيرة وحمت بيضة الإسلام منذ بزوغه؟

إن دينكم وعروبتكم اليوم على المحك؛ ما عاد الصمت موقفًا ولا الانشغال بالشأن الخاص عذرًا.. التاريخ يُسجّل، والأجيال القادمة ستسأل: حينما كان الحق يُذبح في غزة، والعدوّ يعبث في الوطن العربي وفي البحر الأحمر، أين كان صوت القبائل؟ أين كان موقف الفرسان؟

لسنا ندعوكم إلى فتنة ولا إلى سلاحٍ أعمى، ولكننا ندعوكم إلى موقف: موقف يُعلَنُ بوضوح أن أبناء الجزيرة لا يقبلون أن تستغلَّ الأنظمةُ اسمَهم لحماية مَن يحتلّ ويقتل، ولا يرضون أن تتحوّلَ أرضُ الحرمين إلى درعٍ واقٍ للكيان الغاصب.

ألم يقل الله تعالى: “وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان”؟ ألم يكن الدفاع عن المظلوم فريضة؟

إن نصرة المظلوم ليست خيارًا سياسيًّا، بل واجب شرعي يترتب عليه الحساب في الدنيا والآخرة.

وإذا كان البعض يحاول تزييف الوعي باسم المصالح والتحالفات، فإنَّ صوتَ الدين أوضح من أن يُزوّر: الوقوف مع غزة ومع كُـلّ مظلوم هو وقوفٌ مع الإسلام نفسه.

يا أبناء القبائل الكريمة، أنتم لستم مُجَـرّد أسماء على خرائط، أنتم جذور التاريخ ومجد العروبة. قبائل الجزيرة هي التي وقفت مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهي التي فتحت الأمصار، وهي التي علّمت العالم معنى الكرامة والشهامة. فهل يُعقل أن تُحصر هذه الأسماء للقبائل العربية باسم أسرة أَو أُسرتين اليومَ في سياق حماية سفن العدوّ، لا في نصرة المستضعفين؟

 

قبيلة شمر التي عُرفت بالنجدة، وقحطان التي اشتهرت بالوفاء، وعتيبة التي ضُرب بها المثل في الفروسية، ويام وشهران والدواسر وحرب والحويطات وجهينة وآل مرة وبني خالد وغامد وزهران إلى آخر الأسماء… جميعكم كنتم أعمدةً في بناء هذا التاريخ. فكيف يسمح التاريخ أن يُسجّل خِذلانكم في لحظة كهذه؟

إن ما يحدث اليوم ليس مُجَـرّد سياسة عابرة، بل هو إعادة صياغة للمنطقة. حين تتحوّل بلاد الحرمين إلى حارس للبحر الأحمر خدمةً للكيان الصهيوني، فهذا يعني أن هوية المنطقة تُسرق، وأن دماء الشهداء تُداس.

غزة ليست وحدَها، واليمن ليس وحدَه، والأمة كلها ليست وحدَها. لكن السؤال: هل سيُكتَبُ أن الجزيرة –أرضَ القبائل، مهدَ الإسلام– اختارت أن تقفَ في الصف الخطأ؟

لا تجعلوا أحدًا يخدعْكم بمصطلحات “المصالح” و”الأمن البحري”، أيُّ أمن أعظمُ من أمن الطفل الذي يبحثُ عن لقمة في غزة؟ وأيَّةُ مصلحة أنقى من مصلحة أُمَّـة تريد أن تعيشَ بحرية وكرامة؟

إن العالم كلَّه اليومَ يشهدُ مذبحةً إنسانية، والصمتُ عنها مشاركةٌ في الجريمة.

 

يا أبناء القبائل، أنتم أمام لحظة تاريخية فاصلة.

خياركم اليوم سيُحدّد كيف سيذكركم أبناؤكم وأحفادكم. إما أن تُذكَروا بأنكم صمتُّم وتركتم سفن العدوّ تمرّ آمنة بينما كانت غزة تُباد باستثناء قبائل اليمن التي وقفت موقف الحق، أَو أن يُسجَّل أنكم كنتم أوفياء لدينكم وعروبتكم، رافضين أن يُستغل اسمكم أَو تُشوَّه هُويتكم.

ارفعوا الصوت، أعلنوا موقفًا، طالبوا بوقف هذا الانحراف، وكونوا كما كنتم دائمًا: سندًا للحق، ودرعًا للعروبة، وحصنًا للإسلام.

فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين، لكنه يُخلّد المواقف العظيمة.

واليوم، أنتم أمام لحظة التاريخ: فأيَّ موقف تختارون؟!