الصمود حتى النصر

ثورة “21 سبتمبر”.. التحول العسكري وصناعة الردع الاستراتيجي

الصمود||تقرير||

لم تكن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 مجرد انتفاضة شعبية ضد الفساد والوصاية، بل كانت إعلان ولادة يمن جديد، يستعيد هويته وقراره السيادي، ويكسر قيود التبعية التي كبّلته لعقود طويلة.

ومن رحم هذه الثورة انبثق تحول استراتيجي غير مسبوق في التاريخ العسكري لليمن، حيث أعادت الثورة صياغة عقيدة الجيش وبنية التصنيع الحربي، لتضع اليمن في مصاف القوى التي تُحسب لها حسابات كبرى.

لقد أراد المستكبرون أن تكون ثورة 21 سبتمبر مجرد حدث محلي محدود، فإذا بها تتحول إلى نقطة ارتكاز إقليمية ودولية، غيرت معادلات القوة من أقصى الخليج حتى شرق المتوسط.

ما قبل الثورة.. جيش مكبل وأرض مستباحة

قبل اندلاع ثورة 21 سبتمبر، كان الجيش اليمني مُفتّتًا، مقيدًا باتفاقيات أمنية مع واشنطن والرياض، وتحت رقابة صارمة تُعطل قدراته الدفاعية والهجومية.

ـ الضباط والكوادر كانوا هدفًا لعمليات اغتيال ممنهجة.

ـ الجماعات التكفيرية تمددت بدعم خارجي وسيطرت على مساحات واسعة.

ـ الأسلحة الاستراتيجية جرى تحييدها أو مصادرتها، حتى صار القرار العسكري اليمني مرهونًا بالخارج.

لقد كان اليمن يُراد له أن يكون مجرد ساحة رخوة لتجاذبات القوى الاستعمارية، بلا سيادة ولا قدرة على الدفاع.

الثورة والانطلاقة العسكرية

مع انتصار ثورة 21 سبتمبر، تغيّر المسار كليًا، فالثورة لم ترفع شعار الاستقلال فقط، بل جعلته واقعًا عسكريًا:

ـ إعادة بناء الجيش وفق عقيدة وطنية مستقلة.

ـ إطلاق ورشة تصنيع حربي محلي لم تشهدها البلاد من قبل.

ـ تطوير أسلحة استراتيجية قلبت موازين المعركة.

ومع انطلاق العدوان الأمريكي السعودي في مارس 2015، تحولت التحديات إلى فرص، ليبدأ اليمنيون بوصية قائدهم السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي: لم نكن نبحث عن الحرب، ولكننا إذا اضطررنا للدفاع عن وطننا، سنكون مستعدين.

لقد أثبتت الثورة أن الحصار والعدوان ليسا عائقين، بل محفزين لبناء قوة عسكرية وطنية قادرة على الردع.

جيش وُلد من رحم الثورة

لم يقتصر التحول العسكري الذي صنعته ثورة 21 سبتمبر مجرد إنجاز تقني أو تصنيع أسلحة، بل كان في جوهره تحولًا في العقيدة القتالية للمقاتل اليمني، فقد أعادت الثورة بناء الجيش على أسس إيمانية ووطنية صلبة، لتتحول الروح القتالية من حالة التوظيف المأجور إلى حالة الجهاد الواعي في سبيل الدفاع عن الأرض والعِرض والسيادة.

لقد أصبح الجندي اليمني اليوم يحمل إيمانه في قلبه قبل سلاحه في يده، ويقاتل بعقيدة راسخة تربطه بالمسيرة القرآنية التي أطلقها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، وتحت قيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي بثبات ووعي.

وهكذا تحوّل الجيش من مؤسسة مترهلة مخترقة إلى قوة عقائدية صلبة، تقاتل بعزم الأبطال وتستعصي على الانكسار، حتى باتت أقوى الجيوش تعجز عن كسر إرادته رغم تفوقها التكنولوجي والعددي.

 التصنيع الحربي.. من الصفر إلى معادلات الردع

لم يكن بناء القوة الصاروخية والطيران المسيّر في اليمن مجرد إنجاز تقني، بل تجسيدًا لإرادة ثورة أرادت تحويل الحصار إلى فرصة، والعدوان إلى دافع لبناء قدرات وطنية خالصة، أثبتت للعالم أن المستحيل ليس يمنيًا.

الصواريخ الباليستية والاستراتيجية

بدأ المسار من صواريخ الزلزال والصرخة التي دشّنت أولى الضربات الدقيقة على معسكرات تحالف العدوان في جيزان ونجران، ثم تلتها نقلة نوعية مع بركان 1 (2016) بمدى 800 كم، والذي كسر أسطورة القواعد المحصنة في الطائف وجدة.

وفي 2023، أعلنت القوة الصاروخية عن فلسطين 2، أول صاروخ يمني فرط صوتي بسرعات تتجاوز 16 ماخ، ليصيب تل أبيب ويخترق منظومات الدفاع الأمريكية المتطورة، معلنًا دخول اليمن عصر الردع الاستراتيجي.

 الطيران المسيّر.. ذراع اليمن الطويلة

من عملية التاسع من رمضان عام 2019 التي شلّت منشآت الرياض النفطية بسبع طائرات مسيّرة، إلى ضربة بقيق وخريص التي أوقفت نصف إنتاج السعودية من النفط وأربكت الاقتصاد العالمي، وصولًا إلى يافا المسيّرة الحديثة التي اخترقت منظومات “باتريوت” و”ثاد” الأمريكية، أصبح سلاح الجو المسيّر اليمني قوة هجومية يحسب لها العدو ألف حساب.

أنظمة دفاع جوي وبحري متطورة

إلى جانب القدرات الهجومية، طوّرت الثورة منظومات دفاع جوي محلية قادرة على إسقاط طائرات استطلاع أمريكية متطورة من طراز MQ9، وأنظمة مضادة للسفن جعلت البحر الأحمر وباب المندب مناطق محرّمة على الأساطيل المعتدية.

لقد أصبح اليمن لأول مرة في تاريخه قادرًا على حماية أجوائه وسواحله بقدرات وطنية خالصة.

الإنجاز العسكري.. من الدفاع إلى الردع

لقد غيّرت ثورة 21 سبتمبر طبيعة المعركة:

ـ من بلد مستباح إلى قوة تفرض معادلات جديدة: لم يعد العدو قادرًا على ضرب صنعاء بلا رد، بل صار كل عدوان يقابله رد أعنف.

ـ من الاستهداف إلى التأثير: اليمن اليوم قادر على تعطيل مطارات الكيان الصهيوني، وتهديد الملاحة الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر.

ـ من العزلة إلى التأثير الإقليمي: تحولت التجربة العسكرية اليمنية إلى نموذج تستلهمه حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق.

وكما قال فخامة الرئيس مهدي المشاط: الشعب اليمني تحول من شعب مستهدف إلى شعب يمتلك القدرة على صناعة أسلحته الخاصة، ويملك زمام المبادرة في مواجهة العدوان.

الثورة التي صنعت القوة

إن الإنجاز العسكري لثورة 21 سبتمبر لم يكن ترفًا أو خيارًا ثانويًا، بل كان قدرًا فرضته التحديات، فحوّل الحصار إلى فرصة، والعدوان إلى مدرسة، والمظلومية إلى قوة ردع تُرعب واشنطن وتل أبيب والرياض.

اليوم، وبعد أحد عشر عامًا، يمكن القول بثقة إن ثورة 21 سبتمبر هي الثورة التي بنت جيشًا من لا شيء، وصنعت من بلد محاصر قوة إقليمية، وأثبتت أن المستضعفين إذا تمسكوا بالقرآن وهويتهم، فإنهم قادرون على هزيمة أعتى المستكبرين.. إنها ثورة وعي وإرادة، وثمرة دماء الشهداء وصمود الشعب، وهي ماضية في بناء قوة أشد، حتى يتحقق وعد الله للمستضعفين بالاستخلاف والتمكين.

نقلاً عن موقع 21 سبتمبر