الصمود حتى النصر

اليمن يزلزل إسرائيل.. والدوحة تُستباح بلا رد

الصمود – بقلم/ أحمد إبراهيم المنصور 

ليست أصوات صافرات الإنذار التي دوّت في النقب ويافا وديمونا لحظة عابرة، لكنها مشهد متكرر صار جزءاً من حياة الصهاينة منذ دخل اليمن معادلة الردع. ثماني مسيّرات يمنية قامت باستهداف مطار رامون وأهداف حيوية أخرى في أسدود ويافا وأم الرشراش. هذه الضربة ليست رسالة عسكرية عابرة، إنما هي صفعة استراتيجية في وجه الكيان، إذ اعترف جيش الاحتلال نفسه بفشل منظومات الكشف والاعتراض، بينما الصحافة العبرية ـ من “يديعوت” إلى “ذا ماركر” ـ سجّلت بالواضح أن اليمنيين عطّلوا الموانئ والمطارات وأدخلوا اقتصاد الكيان في حالة شلل.

الصور القادمة من رامون ـ قاعة المسافرين وقد أصابتها المسيّرات ـ تختصر الفشل الإسرائيلي. ليس غريباً أن يتحدث ليبرمان بحدة داعياً إلى تشغيل كل قدرات الموساد وتجنيد معارضي صنعاء، فهذا الانفعال يكشف حالة العجز أمام خصم صلب. ومَن يراجع تجربة العدوان السعودي الإماراتي في 2015 يدرك المعنى: تحالف ضخم دخل الحرب ظناً أنها ستنتهي في أسبوعين، فخرج بعد عشر سنوات مثقلاً بالخسائر، تاركاً خلفه اعترافاً عملياً بصلابة اليمنيين.

في اليوم الثاني، وسّعت القوات المسلحة اليمنية عملياتها: ثلاث طائرات مسيّرة استهدفت مطار اللد ومطار رامون وهدفاً حساساً في ديمونا. هنا كان المشهد أكثر تعقيداً؛ دفاعات العدو أطلقت صافرات الإنذار في القدس وجنوب البحر الميت وحتى في غوش عتصيون. إذاعة جيش الاحتلال أعلنت بصراحة عن تسلل مسيرة يمنية إلى “إيلات”، بينما الصحف العبرية حذّرت من التداعيات الاقتصادية، حتى إن معاريف تحدثت عن “أمر 8” لإقناع شركات الطيران الأجنبية بعدم وقف رحلاتها. أي سمعة بقيت لمطارات الاحتلال وقد تحولت إلى أهداف سهلة لمسيرات يمنية تُدار من صنعاء؟

المثير للسخرية أن العدو يواصل التباهي بتدمير أبراج غزة، كما فعل نتنياهو حين تباهى بتسوية خمسين برجاً في يومين. يظن أن الإبادة ستحقق له الأمن، بينما الواقع يثبت العكس: مقاومة غزة تستنزفه يومياً، والمقاومون في القدس يضربون، واليمن يفتح جبهة البحر الأحمر والنقب. هكذا تكتمل صورة الحصار على الكيان من أطرافه كافة.

ثم جاء اليوم الثالث ليضيف بعداً جديداً: صاروخ باليستي فرط صوتي “فلسطين2” ـ متعدد الرؤوس ـ ينطلق من اليمن ويصيب أهدافاً حساسة قرب القدس، يرسل الملايين إلى الملاجئ. ليس من السهل على كيان اعتاد التفاخر بتقنياته العسكرية أن يواجه هذا النوع من السلاح. بالتوازي، ثلاث مسيرات يمنية تضرب مجدداً مطار رامون وأهدافاً في أم الرشراش. الرسالة واضحة: اليمن يملك النفس الطويل، وسيواصل دعمه لغزة حتى يُرفع الحصار.

وفي لحظة متزامنة، كان المشهد في قطر أشبه بصفعة للسيادة العربية. الطائرات الصهيونية تضرب قلب الدوحة، والرد القطري لا يتجاوز البيانات. الدفاعات الجوية المكدسة من باتريوت وTHAAD لم تتحرك. لماذا؟ لأن القرار عند الأمريكي لا عند القطري. المفارقة أن تلك الدفاعات نفسها تحركت سابقاً لاعتراض صواريخ إيرانية استهدفت القواعد الأمريكية في قطر. هنا يظهر الفرق بين السيادة الحقيقية والسيادة المستأجرة: الأولى عند محور المقاومة، حيث الرد حاضر، والثانية عند أنظمة تكتفي بالاستنكار.

من موقعنا في صنعاء، ونحن نتابع هذه الأحداث، يبدو المشهد شديد الوضوح. اليمن اليوم ما عاد بلداً محاصراً كما كان يُراد له، لكنه صار جزءاً أساسياً من معركة الأمة، وعضواً ثابتاً في محور المقاومة. من شوارعنا التي ازدانت بالأخضر قبل أيام في المولد النبوي، كان يمكن أن يلمس الواحد منا أن هذه الروح الشعبية هي ذاتها التي تدفع الطائرات المسيّرة إلى أجواء النقب، وتحوّل غزة إلى رمز لصمود يمني وفلسطيني مشترك.

أليست هذه الصورة كافية لإعادة تعريف موازين القوة في المنطقة؟ ما معنى أن كياناً يملك أحدث منظومات الدفاع الجوي يعجز أمام طائرات مسيّرة تنطلق من اليمن؟ وما معنى أن تُستباح الدوحة في وضح النهار، بينما لا يجرؤ أحد من تلك العواصم على مجرد تهديد اقتصادي أو سياسي في وجه تل أبيب؟

الجواب ـ ببساطة ـ أن الفارق بيننا وبينهم هو الإرادة. إرادة تجعل اليمني، حتى وهو يعيش ظروفاً صعبة، يردد: “لن نترك فلسطين مهما كان”. إرادة جعلت غزة تصمد عامين أمام حرب إبادة، وتحوّل كل عملية نوعية ـ من القدس إلى جباليا ـ إلى دليل أن زمن العربدة الصهيونية انكسر فعلاً.

التاريخ يعرف جيداً أن الشعوب التي تقاتل دفاعاً عن كرامتها لا تُهزم. وها هو اليمن اليوم يكتب فصلاً جديداً، يربط صنعاء بغزة، ويعيد للمنطقة صوتها الحقيقي: صوت المقاومة.