أيّها المسؤولون لماذا سرديتكم ناقصة..؟
الصمود//مقالات//ناصر قنديل
يتحدث المسؤولون في الحكومة اللبنانية بلغة الاستغراب عن موقف حزب الله من قضية السلاح، إلى حد إظهار أنهم متفاجئون بالموقف، ولا يجدون له تفسيراً، ثم ينتبهون للقول إنه يبدو أن تعليمات إيرانية تفسّر وحدها هذا الموقف المستغرب، والسردية الحكومية تقول إن حزب الله وافق على اتفاق وقف إطلاق النار وفيه بند حصر السلاح بيد الدولة، وانتخب رئيس الجمهورية وأيّد خطاب القسم الذي ألقاه في مجلس النواب وفيه حصر السلاح، وشارك في الحكومة وبيانها الوزاري ومنحها الثقة على أساسه وفيه بند حصر السلاح فلماذا يقف الآن ضد القرار ويقدّم الأمر كأنه خيانة وغدر وخداع من الحكومة؟.
الجواب هو أن حزب الله أيّد اتفاق الطائف أيضاً وفيه حصر السلاح، ووافق على القرار 1701 وفيه حصر السلاح، لكن تأييده كان دائماً متلازماً مع ما ورد في كل هذه النصوص، من الربط العضويّ بين حصر السلاح وإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية وانسحاب قوات الاحتلال، ووجود سياسة دفاعية للدولة تحمي البلد وتحرّر أرضه وتدافع عنه.
وهذا في اتفاق الطائف واضح في بنود مثل تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة بكل الوسائل المتاحة، وفي بند تعزيز القوات المسلحة والدعوة لتزويد الجيش بكل ما يلزم لتحمل مسؤولياته الوطنية في مواجهة الاعتداءات والأطماع الإسرائيلية، وكذلك في القرار 1701، حيث يأتي الحديث عن حصر السلاح في المرحلة الثانية التي سماها القرار بمرحلة الحل المستدام، بعد التحقق من مرحلة وقف الأعمال العدائيّة التي تتضمّن وقف الاعتداءات والانتهاكات وتحقيق الانسحاب، ولا تلزم المقاومة إلا بوقف النار والانسحاب من جنوب الليطاني الذي يستحقّ أصلاً بعد تنفيذ الاحتلال لموجبات وقف الاعتداءات والانتهاكات والانسحاب إلى ما وراء الخط الأزرق.
الجواب أيضاً هو أن حزب الله لم يعدل في مواقفه عندما وافق على وقف إطلاق النار، وارتضى أن ينسحب لصالح الجيش اللبناني من جنوب الليطاني قبل تنفيذ الاحتلال موجباته لأن الدولة أخذت على عاتقها تحمّل مسؤولية إدارة ملف الجنوب، سواء بالقوة الدبلوماسية أو قوة الحق والقانون أو بقوة القوة، كما قال رئيس الجمهورية في حواره مع صحيفة الشرق الأوسط، لكن كان واضحاً أن حصر السلاح يرتبط بالاتفاق اللبناني اللبناني على استراتيجية وطنية للدفاع، وعندما انتخب رئيس الجمهورية كان واضحاً أن خطاب القسم تحدث عن تأكيد حق الدولة باحتكار السلاح، باعتبارها دولة تحمي وتحرّر وتدافع، كما ورد في الخطاب، وانطلاقاً من مناقشة عامة لوضع استراتيجية للأمن الوطني منها خطة الدفاع عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، كما ورد في الخطاب.
الجواب أيضاً وأيضاً هو أن حزب الله لم يتراجع عن موقفه من البيان الوزاريّ الذي أيّده ومنح الثقة على أساسه للحكومة، وفيه “الدولة التي نريد هي التي تلتزم بالكامل مسؤوليّة أمن البلاد، والدفاع عن حدودها وثغورها، دولة تردع المُعتدي”، وفيه أيضاً “تلتزم الحكومة، وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني المُقرّة في الطائف، باتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتحرير جميع الأراضي اللبنانيّة من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، بقواها الذاتيّة حصراً، ونشر الجيش في مناطق الحدود اللبنانيّة المُعترف بها دوليّاً.
وتؤكّد حقّ لبنان في الدفاع عن النفس في حال حصول أي اعتداء،”، وفيه أيضاً وأيضاً عندما ورد الحديث عن حصر السلاح فقد جاء في فقرة تقول “تنفيذ ما ورد في خطاب القسم للسيد رئيس الجمهوريّة حول واجب الدولة في احتكار حمل السلاح، وإننا نريد دولةً تملك قرار الحرب والسلم. نريد دولةً جيشُها صاحب عقيدةٍ قتاليةٍ دفاعيّة يَحمي الشعب ويَخوض أي حرب وفقاً لأحكام الدستور. إن الدفاع عن لبنان يستدعي إقرار استراتيجيّة أمن وطني على المستويات العسكرية والدبلوماسيّة والاقتصاديّة. ويترتّب على الحكومة أن تُمكِّن القوات المسلحة الشرعية من خلال زيادة عديدها وتجهيزها وتدريبها وتحسين أوضاعها مما يعزّز قُدراتها على التصدّي لأي عدوان”.
لذلك كله استغرب حزب الله تجريد جملة حصر السلاح عن كل ما أحاط بها من شروط والتزامات وأولويات والتزامات، بما يشبه تجريد كلمة لا إله من جملة تعطيها معنى الإيمان كله وهي لا إله إلا الله، فتصير الكفر كله، ويُسأل المؤمن عن سبب رفضه لها؟ وبدلاً من لا شرعية لسلاح لا يحمي الوطن، صارت المعادلة لا شرعية لسلاح، والحكومة التي التزمت سبعة شهور بعد وقف إطلاق النار بثوابت صاغها الرؤساء الثلاثة لخصتها الورقة الرئاسية الأخيرة رداً على ورقة المبعوث الأميركي توماس باراك، فقالت إن لبنان نفّذ ما عليه وإن الخطوة المطلوبة لإكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار تقع على عاتق الاحتلال ولا تُطلب من لبنان، ومن يجب أن يستغرب هو حزب الله ويسأل ما الذي تغيّر حتى صارت الحكومة التي تقول إن لا أحد يُملي عليها مواقفها، مستعدة للفصل بين مسارين يرتبطان بنيوياً وعضوياً وشرطياً وسببياً هما مسار التحرير والدفاع من جهة ومسار حصر السلاح من جهة أخرى؟ وكيف يستقيم وضع جدول زمني لحصر السلاح بغياب جدول زمني موثوق يسبقه يضمن انسحاب الاحتلال ووقف الاعتداءات وإنهاء الانتهاكات، كما هو جوهر اتفاق الطائف والقرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار وخطاب القسم والبيان الوزاري؟ والسؤال هو لماذا خانت الحكومة كل هذه المواثيق ورضخت لورقة باراك والمهل الزمنية التي حدّدتها، دون أي التزام بمهل زمنية تسبقها وتكون خاضعة للتثبت والتحقق تضمن استعادة الأرض وضمان سيادة لبنان؟