صراع الإرادات.. اليمن يكسر وهم القوى العظمى في البحر الأحمر
الصمود||تقرير|| لطالما كان البحر الأحمر مرتعاً للبوارج والقطع الأمريكية، ومنطلقا للمؤامرات ضد الدول العربية، المشاطئة منها على وجه الخصوص. لم يكن في الحساب الأمريكي الإسرائيلي أن يتحول باب المندب إلى أداة تركّع “تل أبيب” وواشنطن، وميداناً تُسحق فيه كبريائهم وتنتهي عنده أساطير قوتهم، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهيه سفنهم. إنه يمن الإيمان والحكمة […]
الصمود||تقرير||
لطالما كان البحر الأحمر مرتعاً للبوارج والقطع الأمريكية، ومنطلقا للمؤامرات ضد الدول العربية، المشاطئة منها على وجه الخصوص. لم يكن في الحساب الأمريكي الإسرائيلي أن يتحول باب المندب إلى أداة تركّع “تل أبيب” وواشنطن، وميداناً تُسحق فيه كبريائهم وتنتهي عنده أساطير قوتهم، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهيه سفنهم. إنه يمن الإيمان والحكمة برجاله الأشداء الذين استطاعوا التغلب على المستحيل، وإعادة رسم الخارطة البحرية من جديد، بعد إجبار الدول التي تصف نفسها بالعظمى على المغادرة مثخنة بالجراح والكلفة العسكرية الباهظة.
في غضون ساعات، تنفذ القوات المسلحة اليمنية عمليتين بحريتين، بكفاءة ودقة غير مسبوقة، استهدفتا سفينتين تتعاملان بشكل مباشر مع العدو الإسرائيلي، وفق قواعد الاستهداف التي وضعها اليمن، والتي تؤكد مشروعية حق الدفاع المشروع عن الأمة، وعن الحق العربي والمقدسات الإسلامية. الأولى، “ماجيك” التابعة لشركة “أول سيز مارين”، التي زارت ميناءً محتلاً في الأراضي الفلسطينية هذا العام، وفق رويترز، والثانية، “إترنيتي سي”، التي أُصيبت بنيران وصواريخ وزوارق مسيرة يمنية. وهو انعكاسٌ لعزيمة اليمن على إجبار العدو على دفع الثمن، وإرسال رسالة قوية للمنطقة والعالم أن اليمن يمثل حائط صدٍ لا يهادن، وقوة لا يُستهان بها في ساحات المواجهة.
القوات المسلحة اليمنية، يوم الأربعاء، استهداف سفينة “إيتيرنيتي سي” أثناء اتجاهها إلى ميناء “أم الرشراش” المحتل، بزورق مسير وستة صواريخ مجنحة وباليستية، ما أدى إلى إغراقها بشكل كامل، وتم إنقاذ طاقمها.
وكشفت القوات المسلحة أن مجموعة من القوات الخاصة في القوات البحرية توجهت لإنقاذ عدد من طاقم السفينة، وتقديم الرعاية الطبية لهم، ونقلهم إلى مكان آمن. وأشارت إلى أن استهداف السفينة المذكورة جاء بعد قيام الشركة التي تتبعها والسفينة نفسها باستئناف التعامل مع ميناء “أم الرشراش”، في انتهاك واضح لقرار حظر التعامل مع الميناء المذكور، وجاء كذلك بعد أن رفضت السفينة النداءات والتحذيرات من قبل القوات البحرية اليمنية.
وقد سبق ذلك، يوم الاثنين الماضي، إعلان القوات المسلحة اليمنية عن استهداف سفينة “ماجيك سيز” في البحر الأحمر، مؤكدة أنها استخدمت زورقين مسيرين، وخمسة صواريخ باليستية ومجنحة، وثلاث طائرات مسيرة، ما أدى إلى غرقها بالكامل. وأفاد البيان أن العملية جاءت بعد نداءات وتحذيرات متكررة وجهتها القوات البحرية اليمنية للسفينة، إلا أن طاقمها رفض التجاوب.
في سياق متصل، أكدت وكالة “رويترز” في 9 يوليو 2025 أن السفينة “ماجيك سيز” المستهدفة كانت قد توقفت في “ميناء إسرائيلي” في وقت سابق. وأفاد موقع “ماريتايم البحري” أن الشركة المالكة للسفينة “ماجيك سيز” لديها ما لا يقل عن ثلاث سفن أخرى رست في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن بيانات “مارين ترافيك” أظهرت أن سفينة راسية وقت إصابة السفينة في ميناء “أشدود” المحتل تتبع لنفس الشركة.
وكشفت مجلة “لويدز ليست” البريطانية أن سفينتي “ماجيك سيز” و”إيتيرنيتي سي” تتبعان شركات تسير سفنًا نحو “الموانئ الإسرائيلية” بشكل منتظم، مشيرة إلى أنه بينما كانت سفينة “إيتيرنيتي سي” في البحر الأحمر، كان للشركة المشغلة لها سفينة حاويات متجهة في نفس التوقيت إلى ميناء حيفا المحتل.
تُظهر هذه العمليات المزدوجة أن السفن المحظورة لا تفلت من النيران اليمنية. وقد سلطت وسائل الإعلام الغربية ومراكز مراقبة الملاحة الضوء على أن الهدف كان استهداف سفن تعاملت مع الكيان الصهيوني، خصوصًا بعد أن تبين أنها كانت تزور الموانئ المحتلة. ونقلت وكالة “رويترز” عن رئيس قسم الاستخبارات في شركة إدارة المخاطر البحرية البريطانية “فانغارد تيك” أنه ما دام الصراع في غزة مستمرًا، فإن السفن ذات الانتماءات ستظل تواجه مخاطر متزايدة في البحر الأحمر.
وسائل الإعلام الغربية ومراكز مراقبة الملاحة العالمية أجمعت أن العمليات اليمنية تعكس توازن رعب جديد، ففشل البحرية العالمية، رغم ما سخّرته من إمكانات هائلة، في حماية مصالح الكيان، يبرهن على أن اليمن، وفي موقف مشروع، يُرسي معادلات جديدة ويُعيد رسم قواعد أمن الملاحة البحرية، بضربات محسوبة بأدق البيانات والاستهدافات.
هذه العمليات، وما تلاها من رصد وتتبّع السفن التي تزور الموانئ المحتلة، تؤكد أن اليمن يُدير معركة أفعال، وأنه يُسدي درسًا للأطراف المتآمرة والمتواطئة، ويُثبّت مشروعية حقه في الدفاع عن نفسه وعن إخوته في فلسطين، في مواجهة عدوان غاشم يتلقّى دروسًا في القوة والصمود من إرادة شعب مقاوم يقف شامخًا خلف قيادته الحكيمة، موحدًا قضيته، ومتمسكًا بحقه التاريخي، ليكتب صفحةً جديدة من مواقف البطولة والتصدي للحصار والاحتلال، بقيادة إيمانية وعسكرية تتحدى التحالفات الكبرى وترسم مسارًا جديدًا لعزة الأمة واستقلالها.
توصف العمليات البحرية اليمنية في البحر الأحمر بأنها معقدة وواسعة النطاق، حيث استخدمت تكتيكات متطورة، وشاركت فيها القوات البحرية، والقوة الصاروخية والطيران المسير. تمكنت القوات من إحداث أضرار بالغة بالسفينة “ماجيك سيز” عندما اصطدم قاربان مسيران مفخخان بجانبها الأيسر، ما أدى إلى اشتعال النيران وتضرر حمولتها، فضلاً عن تسرب المياه إلى داخلها، ومع مرور الساعات، تحول التسرب إلى غرق كامل للسفينة.
رصدت صحيفة “جيروزاليم بوست” تفاصيل الهجوم، فذكرت أن القوات المسلحة اليمنية تواصلت مع السفينة “ماجيك سيز” عبر قناة VHF رقم 16، وهي القناة المعتادة في حالات الطوارئ والاتصالات البحرية. ووفقاً للتقرير، طالبت القوات السفينة بالبطء والتوقف، لكنها أكدت أنها لن تتوقف. بعدها، هاجموا السفينة بواسطة زوارق سريعة وصغيرة، وأطلقوا النار عليها، ثم وجهوا طائرات مسيرة انتحارية لمهاجمتها.
وتابعت الصحيفة أن القوات المسلحة اليمنية اتبعت خطة أكثر تعقيدًا، حيث استخدموا سربًا من الزوارق وقاذفات آر بي جي، وقاموا بإطلاق نيران أسلحتهم الخفيفة. ثم استعملوا الطائرات المسيرة لتحديد موقع السفينة بدقة، في عملية منسقة ومُحكمة. وأشارت إلى أن هذا الهجوم يعد من العمليات الخطيرة والمنسقة، ويُظهر عودة التهديدات لخطوط الشحن، إذ يمكن للقوات المسلحة اليمنية تنسيق هجمات الطائرات المسيرة واستخدام الزوارق الصغيرة بشكل متكامل، وهو ما يعكس استعدادهم للقيام بهجمات منهجية ضد السفن التجارية.
وأكدت الصحيفة أن هذا الهجوم يعبر عن رسالة واضحة إلى شركات الشحن، إذ يظل اليمن متمركزًا على قدرته على استهداف أي سفينة تخالف الحظر. وذكرت أن هذه هي ثالث سفينة على الأقل تغرقها القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر.
تظل المواجهة العسكرية المباشرة بين الكيان الصهيوني والقوات المسلحة اليمنية محفوفة بالمخاطر من وجهة نظر الكيان. فالكيان يدرك أن القوات المسلحة اليمنية أصبحت “قوة لا تقهر”، كما أن التدخلات العسكرية الأمريكية والغربية السابقة في اليمن فشلت فشلاً ذريعاً في القضاء على قدرات القوات المسلحة اليمنية. وتعتبر تحليلات إسرائيلية أن شن حرب واسعة النطاق في اليمن سيمثل استنزافًا كبيرًا للكيان، الذي يواجه بالفعل تحديات اقتصادية داخلية عميقة، وتحذيرات من عجز في الميزانية العامة بسبب استمرار العدوان على غزة. وفي هذا الصدد، وفيما يعكس محاولة الكيان الصهيوني الالتفاف على الحصار البحري اليمني، أشار مجرم الحرب نتنياهو لـ “فوكس بيزنس” في 9 يوليو 2025، إلى سعيه لفتح طرق تجارية تربط آسيا وأوروبا مرورًا بالجزيرة العربية والأراضي الفلسطينية المحتلة.
تزامنت العمليات البحرية مع عمليات نوعية نفذتها القوات المسلحة اليمنية حيث استخدمت مجموعة من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطيران المسيّر، ودكت بالفعل العديد من الأهداف داخل العمق الذي يحتله الكيان الصهيوني. توسعت تلك الأهداف لتشمل أهدافًا عسكرية ومدنية، أبرزها محطة كهرباء عسقلان، ومطار اللد الذي توقفت حركة الملاحة الجوية فيه وكذلك مناطق في “إيلات”. تأتي هذه العمليات في سياق إسناد المقاومة في غزة، وانتصارًا لمظلومية الشعب الفلسطيني، ورفضًا لحرب الكيان الصهيوني المتواصلة على قطاع غزة، التي أسفرت عن عشرات آلاف الشهداء والجرحى، معظمهم من الأطفال والنساء.
استهداف السفن جاء بعد توقف ليس بقصير لآخر استهداف يمني للسفن المتوجهة إلى موانئ العدو في الأراضي المحتلة. هذا يدل على الدقة في التعاطي مع المعطيات والمعلومات، ويؤكد القدرة الاستخباراتية والقدرة على المتابعة فيما يتعلق بتحديد السفينة كهدف لتطبيق الحصار، والأهم هو الحرفية التي تم التعامل بها مع قبطان السفينتين، ودلت بشكل واضح على أن القوات البحرية اليمنية تعرف ماذا تفعل، وتتقيد بكافة المعايير الدولية في هذا الشأن. وجهت ما يلزم من إنذارات لطاقم السفينتين، الذين لم يستجيبوا، وبعد ذلك تم استهداف السفينتين، ثم اقتحامهما وإغراقهما.
من الناحية التقنية، فالعمليتين هما الأهم لأنهما مرتبطتان بقوة القرار اليمني، وتؤكد أن اليمنيين ليسوا من دعاة الكلام ، بل ينفذون تهديداتهم وأقوالهم، ويترجمون القرارات التي تصدر عن القيادة العليا السياسية والعسكرية بشكل واقعي وعملي.
أكد فخامة المشير الركن مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، الالتزام بحرية الملاحة للجميع باستثناء الكيان الصهيوني ومن يدعمه في العدوان على غزة. وقال الرئيس المشاط في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ): “ليست لدينا أي رغبة في استهداف أحد لا علاقة له بدعم الكيان الصهيوني، وقد أنشأنا مركز عمليات إنساني للتنسيق مع شركات الملاحة، حرصًا منا على تجنب الضرر ما أمكن”. وأضاف: “على جميع شركات الملاحة الالتزام بتعليمات وقرارات قواتنا المسلحة، ومن يتجاهلها يتحمّل مسؤولية ذلك”.
ونصح الرئيس المشاط الجميع بالابتعاد عن التعامل مع أصول الكيان الصهيوني، محذرًا من أن “قواتنا المتعاظمة والمنضبطة ستواصل عملياتها بهدف وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة، وفقًا للمواثيق الدولية”.
إن العمليات اليمنية الأخيرة تؤكد أن البحرية الأمريكية والكيان الصهيوني وحتى القوات الغربية فشلت في حماية ملاحة الكيان، رغم كل ما سخرته من إمكانات وضغطت به عسكريًا، حتى أن الطائرات الصهيونية التي اعتدت على اليمن مؤخرًا أجبرت على التراجع بفعل الدفاعات اليمنية المتطورة. العمليتان البحريتان الأخيرتان أظهرتا من جديد قدرة اليمن على تعطيل ملاحة الكيان في البحر الأحمر بالاستناد إلى بيانات وقواعد استهداف دقيقة وواضحة، ما يشكل ضغطًا متزايدًا على كل من يتعامل مع الكيان الصهيوني، ويدعم الإبادة في غزة.
نقلاً عن موقع أنصار