صمود وانتصار

بطاقة تهنئة، … أرسلتها حكومة صنعاء فأثارت حفيظة واشنطن !

الصمود /  26 سبتمبر، علي الشراعي .. (… فالله جعل لليمن حدودا طبيعية لا يدخلها لبس ولا يعتريها غموض إذ احاطه بالبحر من غربه وجنوبه وشرقه . وكل ما شملته هذه الحدود إلى اطراف الحجاز الجنوبية مهد اليمن …)

لقد أظهر التاريخ الحديث اهمية الموقع الجغرافي والاستراتيجي المتميز لليمن لذلك فقد كانت عرضة للحملات الاستعمارية التوسعية المختلفة الرامية إلى السيطرة على شواطئها المطلة على المحيط الهندي والبحر الأحمر .

 

وجاءت الحرب العالمية الأولى لتؤكد تلك الأهمية في إطار سعى الحلفاء لتحطيم التواجد العثماني في البلاد العربية وتوسيع رقعة النفوذ الاوروبي والإنجليزي على وجه الخصوص انطلاقا من احتلالها لعدن سابقا ومن ثم تحويلها إلى قاعدة عسكرية لحماية طرق التجارة نحو الهند والشرق الأقصى ولاحقا لحماية منابع نفط الخليج العربي .

 

حدود طبيعية:

 

اختلف المؤرخين في تسمية اليمن وتحديدها فكتب عنه سعيد عوض باوزير الحضرمي في كتابه (معالم تاريخ الجزيرة العربية ) حيث قال : (إن المؤرخين من قدماء اليونان عندما يذكرون اسم اليمن او العربية السعيدة يعنون بها البلاد الواقعة بين خليج العجم من الشرق وبحر العرب من الجنوب والبحر الأحمر من الغرب وبادية الشام والعراق من الشمال فيدخلون في بلاد اليمن معظم الجزيرة العربية ) كما حددها العلامة المؤرخ الحسن بن أحمد الهمداني صاحب كتاب (صفة جزيرة العرب والذي عاش في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي بقوله : إن حدود اليمن من وادي تثليث ووادي الدواسر في الشمال إلى الليث على ساحل البحر الأحمر وشرقا إلى عمان وجنوبا إلى عدن وألحق بها الجزر المحاذية في البحر الأحمر كجزر فرسان الواقعة بالغرب من جيزان وجزيرة كمران الواقعة بالغرب من الصليف وجزر دهلك الواقعة في الجنوب من البحر الأحمر وجزر زقر بغرب زبيد وجزيرة بريم – ميون- وجزر فاطمة المحاذية لها من الغرب عند باب المندب , كما ألحق بها جزر سقطرى وكوريا موريا الواقعة بجنوب المهرة وجزيرة مصيرة التابعة لسلطنة عمان .

 

فاليمن هي الواقعة عن يمين الكعبة وان اسمها مشتق من اليُمن وهي البركة وقد سبق إلى هذا القول المسعودي في كتابه (مروج الذهب) وادخل في اليمن قبيلة طي بغرب نجد وقيل سميت اليمن باسم أيمن بن يعرب بن قحطان .

 

فيما اشار المؤرخ حسين الويسي في كتابة (اليمن الكبري) أن تحديد الهمداني هو الذي يؤدي هذا الغرض وتلك هي اليمن الطبيعية غير ناظرين إلى النفوذ الإداري او التحديد السياسي لأن الموضوعية التي نريدها هو بيان هذا القسم من جزيرة العرب المعروف باليمن .

 

لذلك فإن حدود اليمن الطبيعية شمالا الحجاز ونجد وقطر والخليج العربي وجنوبا خليج عدن وشرقا خليج عمان وغربا البحر الأحمر وتشمل هذه المنطقة الربع الخالي المحدد شمالا الدهناء والأحساء وجنوبا الأحقاف وحضرموت وشرقا عمان وغربا منطقة عسير ورملة دهم وبلاد سبأ .

 

وتبلغ مساحة اليمن الطبيعية مليون وستمائة ألف كيلو متر مربع .

 

– رفض صنعاء:

 

في سنة 1914م تم التصديق على الاتفاقية الانجليزية – العثمانية التي عينت الحدود بينهما في اليمن ومنذ ذلك التاريخ اقر التقسيم السياسي لليمن الى شمال وجنوب والذي ظل الى عام 1990م ابان تحقيق الوحدة اليمنية .

 

ومع نهاية الحرب العالمية الاولي وتقسيم الامبراطورية العثمانية اصبح اليمن الشمالي مستقلا وظل الامام يحيى رافضا للمعاهدة الانفة الذكر ومتابعة دعوته التقليدية في امتلاك كل اليمن بما فيها عدن والمحميات وقد اجتاحت جيوشه اثر ذلك عددا من المحميات وانتزعت من محمياتها أربعة مناطق العامري والصبيحة ويافع العليا والعواذل .

 

وفي سنة 1923م اصدر الإمام يحيى إعلانا لرؤساء واهالي محميات حضرموت وعدن مؤكدا وحدة اليمن كإقليم له شعب واحد ودين واحد ولغة واحدة ودعاهم إلى العودة والانضواء تحت ظلال وطنهم الأم .

 

وفي السنة التالية طلب من الحكومة البريطانية اعطاءه اعترافا عاما بدعواه في أرض اسلافه في عدن والمحميات على ان يمنحهم تنازلا محدودا فيما يتعلق بالطريقة الادارية التي سوف تخضع لها هذه المناطق الجنوبية مع حماية للمصالح البريطانية في عدن ولكنه بعد ذلك ظل يطالب بالسيادة النهائية على جنوب اليمن .

 

تلك المنطقة الدفاعية الملاصقة لعدن مباشرة . وفي عام 1921م اقترح مؤتمر خبراء الشرق الاوسط الذي عقد في القاهرة منح الامام يحيى معاهدة تعترف بدعواه عند هذا الحد وكان الهدف هو ادخال الامام في الفلك الانجليزي عبر جعل عدن المنفذ الاساسي له .

 

وبعد معارضة المقيم البريطاني في عدن لذلك كانت النتيجة مواجهات مستمرة وصدامات عسكرية الى ان تم توقيع معاهدة صنعاء فبراير 1934م والتي اتفق فيها الطرفان على تجميد والابقاء على الوضع للحدود لمدة 40 عاما قادمة مع اعتراف بريطانيا بالإمام كحاكم شرعي لليمن الشمالي مقابل اعتراف الامام بالتواجد الانجليزي في عدن .

 

– سياسة التقدم :

 

حينما اصبحت عدن عام 1937م تتبع وزارة المستعمرات مباشرة اصبحت من ناحية عسكرية تابعة لسلاح الطيران الملكي مباشرة وبذلك صارت مستعمرة للتاج البريطاني وقسمت المحميات الى قسمين المحميات الشرقية والمحميات الغربية وتم تعيين معتمد بريطاني مستقل لكل منهما وقد اراد الإنجليز من هذا التقسيم ان يقوا من قبضتهم على المحميات واستبدلوا نظام الحماية بنظام الاستشارة وهذه السياسة اصبحت تعرف بسياسة ( التقدم نحو الأمام) وقد اختير ضباط انجليز ليقوموا بتنفيذ هذه السياسة الجديدة في المحميات فعين انجرامز للمحمية الشرقية وسيجر وهاملتون للمحميات الغربية وبدا الإنجليز بمقتضي هذه السياسة الجديدة ان يفكروا بإنشاء قوات امن مسلحة محلية لتنفيذ سياستهم هذه .

 

ونتيجة لهذه السياسة التوسعية قام الإنجليز سنة 1938م بواسطة الطائرات والجيش القبلي البيحاني باحتلال شبوة عنوة واخرجوا منها الجيش الأمامي .

 

وقد تميزت هذه الفترة بإنشاء الجيوش المحلية في الارياف والسلطنات لدعم سلطة الإنجليز والسلاطين .

 

– معارك شبوة:

 

واعتبر الامام يحيى هذه السياسة الانجليزية التوسعية مخالفة واضحة لمواد اتفاقية 1934م .

 

وكان أول صدام عسكري يحدث بينه والانجليز حول هذه السياسة الجديدة سياسة التقدم نحو الامام في عام 1939م ففي اواخر صيف 1938م كان الامام يحيى قد اوكل الي الشيخ علي ناصر القردعي صاحب حريب ان يمد سلطة صنعاء الى منطقة شبوة وهي التي لم تكن داخلة ضمن الاراضي المحمية وقد استطاع القردعي ان يجمع قوة مكونة من خمس مائة مقاتل وقد جاء معظم المقاتلين من قبيلة عبيدة في حريب وتم لهم السيطرة على شبوة .

 

ولكن الانجليز وشريف بيحان نشطوا كثيرا لإخراج قوات الامام من شبوة بأي ثمن على الرغم من ان المنطقة لم تكن تحت الحماية ولكن لأسباب خوفهم من ان وجود جيش صنعاء هناك ربما يؤدي الى قطع المواصلات بين المحميات الشرقية والغربية وانه ضمن شبوة ستتمكن صنعاء من السيطرة على مناطق استراتيجية وسيصبح خط المواصلات بين حضرموت وشمال اليمن بيد صنعاء بالإضافة الى هذه الاعتبارات العسكرية والاستراتيجية فقد كان الانجليز يعتبرون ان منطقة شبوة غنية بالبترول .

 

فكان من الطبيعي ان يثور الإمام يحيى ضد سياسة المحتل الإنجليزي في توسعه نحو شبوة وحضرموت ولقد استمرت مطالبته بجنوب اليمن دون انقطاع ففي مذكرة اعدت لوزير الدولة من اجل مباحثاته مع الامير سيف الاسلام عبدالله الذي كان في لندن مطلع يناير 1948م حول قضية الحدود فإن وكيل الوزارة البريطاني اخبر وزيره بأن موقف الامام كان صلبا وانه مازال يعتبر أن كل المنطقة الجنوبية جزء لا يتجزأ من اليمن .

 

وخلال كل الاجتماعات فإن الامير ظل يسمي المنطقة محل النزاع ( بالجهة الجنوبية من اليمن ) وفي مذكرة اخرى كتبت لوزير الدولة بعد شهر من ثورة 1948م كان قد طلبها بشأن الوضع في شمال اليمن فإن الفقرة الاخيرة منها ( أن اهمية اليمن لنا مستمدة اساسا من القيمة المزعجة للادعاءات اليمنية في محمية عدن وفي عدن نفسها ).

 

الوعي الوطني أن الوعي المتزايد بين المثقفين اليمنيين عن وحدة اليمن هو تقريبا رجع للصدى لذلك التعريف عن اليمن الذي قال به الهمداني المؤرخ والجغرافي الكبير والذي كتبه منذ ألف عام تقريبا عن اليمن .

 

فعندما اندلع النزاع في نهاية الثلاثينيات بين الإمام يحيى والمحتل الإنجليزي حول (شبوة ) كتب رئيس تحرير مجلة (الحكمة اليمانية ) احمد الوريث في (العدد 8 يوليو – اغسطس 1940) قائلا : ( من السفه الواضح أن يسأل كاتب غيره أو يتساءل اشبوة من اليمن ام من حضرموت وان يظن اليمن شيء وحضرموت شيء آخر ) ثم ذهب إلى القول ( فالله جعل لليمن حدودا طبيعية لا يدخلها لبس ولا يعتريها غموض إذ احاطه بالبحر من غربه وجنوبه وشرقه وكل ما شملته هذه الحدود إلى اطراف الحجاز الجنوبية مهد اليمن , فهل رأى حضرموت جزيرة من قطعة في اوساط بحر الهند حتى يسوغ له أن يقول شبوة من حضرموت لا من اليمن ) .

 

وفي عام 1951م كتب عبدالله الحكيمي رئيس حزب الاتحاد اليمني ان الجزب يؤمن ايمانا قاطعا بان قضايا عدن وسلطنات وامارات هذا الجنوب هي قضاياه وأن عدن وهذا الجنوب كله هو اليمن واليمن و عدن وهذه السلطنات والامارات كلها الوطن اليمني الكبير .

 

وتجسدت افكاره بصورة افضل واكثر وضوحا في المادتين 1 و2 من الميثاق الوطني والذي نشر في 1956م وفيهما التأكيد على عدم قابلية الوطن اليمني للانقسام وعدم السماح بالتنازل عن اي جزء منه .

 

اليمن الكبرى وعندما خلف الامام احمد ابيه الإمام يحيى بعد فشل ثورة 1948م وتخليدا لذكرى والده المتوكل على الله فقد سمى اليمن رسميا ( المملكة المتوكلية اليمنية ) وفي يناير 1951م ابرمت انجلترا مع الإمام أحمد أتفاقا تم بموجبه تحديد خط الحدود في المناطق المختلف عليها كما قدمت لليمن بعض المساعدات الاقتصادية وكذلك المساعدات في مجالات التعليم والصحة .

 

ولكم العلاقات السلمية بين بريطانيا والإمام أحمد لم تستمر طويلا ففي يناير 1954م بدأت انجلترا بوضع مخططها بشأن إقامة إتحاد الجنوب العربي الذي يضم محميات عدن الشرقية والغربية وكذا مستعمرة عدن وادت هذه الأعمال إلى اعتراض الإمام احمد ففي فبراير من نفس العام وجه الامام احمد مذكرة إلى جامعة الدول العربية أشار فيها الى أن إقدام انجلترا على انشاء مثل هذا الاتحاد يعتبر خرقا للاتفاقيات المبرمة عام 1934م و1951م اذا أن هذا الإتحاد سوف يؤدى إلى تغيير الوضع القائم في المنطقة .

 

واشار المؤرخ سلطان ناجي في دراسة حملت عنوان ( نشوء الدعوة إلى الوحدة اليمنية ) والتي قدمت باللغة الانجليزية إلى الندوة الدولية لليمن المعاصر التي عقدت في مركز دراسات الخليج العربي – جامعة اكستر- في الفترة 15- 18 يوليو 1983م .

 

أن الإمام أحمد لم يتردد في اتخاذ نهج اكثر فعالية وعنادا وعند نهاية حياته فإن حدود الادعاءات اليمنية – عاطفيا على الأقل – قد وصلت الى مدى لا نظير له حيث امتدت تقريبا الى تلك المناطق التي يعيش فيها سلالة قحطان (خلال شتاء 1959م فاجأت مفوضية المملكة المتوكلية اليمنية في واشنطن موظفي وزارة الخارجية المهتمين بالشؤون العربية بإرسالها لهم بطاقة تهنئة فاخرة وغير عادية بها خريطة كبيرة للجزيرة العربية تمثلت فيها العاصمة اليمنية صنعاء بجوهرة صغيرة تحيطها منطقة مظللة تحدد المدى الذي تشمله اقاليم المملكة اليمنية المفترضة وقد شملت هذه مناطق بالإضافة إلى اليمن – كما توضحها الخرائط المعروفة في ذلك الوقت – عدن وكل محمية وظفار ومسقط وعمان وشاطئ الامارات المتصالحة وجزاء كبيرا من الربع الخالي ونجران وعسير ).

 

-مسميات استعمارية:

 

وقد استخدم انجرامز الضابط البريطاني المسؤول عن المحمية الشرقية (حضرموت ) في كتابه (اليمن) والذي نشره في 1963م تعبير اليمن للدلالة على الأجزاء الثلاثة – اليمن الشمالي ومحمية عدن الشرقية والغربية وعدن – ثم اضاف (انني استخدم ذلك التعبير مثلما استخدمه الجغرافيون العرب والمؤرخون لتمييز تلك المقاطعة المعروفة بهذا الاسم في الجزيرة العربية .

 

وفي الحقيقة فإن الانجليز هم الذين اوجدوا تلك التقسيمات السياسة الثلاثة ) .

 

وفي عام 1966م علق انجرامز على اتحاد الجنوب العربي التي اوجده الإنجليز في جنوب اليمن بعام 1959م لمجابهة تنامي الحركة الوطنية بأنه اتحاد هجين وهذه السياسة الانجليزية المعتمدة في فرض مثل هذه الافكار الغربية للحكم على السكان قد اصبحت في الحقيقة عملية خداع ذاتي لا واعية من خلال تحريف التاريخ .