الصمود حتى النصر

دعم الانقلابات والتدخل المباشر لقمع الثورات واحتلال الدول.. التاريخ الأسود لأمريكا “تقرير”

كتب / أحمد داود

خلال القرن الماضي وحتى يومنا هذا، لا تمر سنة دون أن تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في الشؤون الداخلية لدول العالم وتتحرك عسكرياً ضد الحركات أو الثورات المناوئة لها.

وتكرس التدخل الأمريكي في دول العالم كله تحت شعارات مختلفة، فتارة ترفع أمريكا شعار “الدفاع عن الديمقراطية”، وأحيانا شعار “صد الخطر الشيوعي”، كما رفعت أميركا شعار “إمبراطورية الشر” في بداية الثمانينيات ضد ثوار الساندنيستا في نيكاراغوا، و”الحرب على الإرهاب” بعد هجمات سبتمبر/ أيلول 2001، ثم شعار مواجهة “محور الشر” ويعني العراق وإيران وكوريا الشمالية، ثم اخيرا وليس اخر شعار نشر وتوطين الديمقراطية أو ما يسمى بمشروع الشرق الاوسط الكبير.

والمتتبع لمسار السياسية الخارجية الأمريكية يستنتج الحقيقة الدامغة وهي أن التدخل في السياسة الداخلية للدول الأخرى هو نموذج أصيل في السياسة الأمريكية.

وعقب كل ثورة في العالم لا يتبنى أحرارها السياسة الأمريكية تسارع واشنطن للتدخل مباشرة في قمعها، ومن أبرز هذه الثورات التي وقفت واشنطن حائط صد ضدها الثورة في الهندوراس عام 1905، وتدخل القوات الأمريكية في الثورة في جمهورية الدومينيكان عام 1907، وقمع الثورة المناهضة للولايات المتحدة في الفلبين عام 1911.

وهذه فقط نماذج للتدخل في قمع الثورات في العالم خلال القرن العشرين، مع أن القرن الماضي كان قرن احتلال وغزو أمريكي لمعظم دول العالم، بما فيه الصين وروسيا والفلبين وبنما وغيرها من دول العالم.

وللولايات المتحدة الأمريكية أساليب متعددة في التدخل في شؤون الدول الأخرى، فتارة تلجأ لدعم الانقلاب العسكري، وتارة تعمد إلى التدخل المباشر عسكرياً.

ومن أمثلة الانقلاب العسكري: سوهارتو في إندونيسيا عام 1965 الذي وصل للحكم بعد انقلاب دموي شهد مصرع ما يقارب المليونين من الفلاحين الفقراء في إندونيسيا.
أيضًا من أهم أمثلة الانقلاب العسكري نجد انقلاب الجنرال أوجستوبينوشيه ضد الرئيس الشيلي سلفادور إييندي عام 1973، الذي أدى إلى مصرع الرئيس ومقتل الآلاف من المواطنين الشيليين والأوروبيين وحتى الأمريكيين في “إستاد الموت”. وكان ذلك من أجل تغيير الحكومة اليسارية في شيلي.
والأمثلة على الانقلابات العسكرية التي دبرتها المخابرات الأمريكية في كل قارات العالم لا تعدّ ولا تحصى، بل إن المنطقة العربية شهِدت العديد من تلك الانقلابات ومحاولات الانقلاب على الأنظمة التي كانت تعتبر في هذا الوقت أنظمة معادية، وفقًا لمبدأ فوستر دالاس “من ليس معنا فهو ضدنا”!!. واشهرها كما يعرف العراقيين انقلاب 8 شباط 1963 الذى اعترف فيه قادة البعث انهم جاءوا للحكم بقطار امريكي ضد توجهات الجنرال عبد الكريم قاسم الوطنية.
أما النموذج الآخر لواشنطن وهو نموذج التدخل العسكري المباشر، نجده في العديد من الدول وعلى امتداد قارات العالم كذلك.

ومن أشهر أمثلته الدومينكان.. تلك الجمهورية الصغيرة في أمريكا الوسطى التي تشتهر بإنتاج الموز والنفط، التي حاولت في نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي اتباع نموذج مستقل في التنمية، متأثرة بعض الشيء بالنموذج الكوبي الذي بدأ مع ثورة كاسترو في 1959.
وبالطبع لم تسمح الإدارة الأمريكية بأن يكون فضاؤها الخلفي مثار الاضطرابات وموطن القلاقل، وإذا كان التدخل العسكري ضد كوبا قد فشِل في خليج الخنازير 1961 وتصاعدت الأزمة مع الاتحاد السوفيتي وقتها، فإن الدومينكان لم تكن تحظى بالتأييد السوفيتي نفسه، كما كانت المصالح الأمريكية فيها أكبر. ولذا تدخلت قوات مشاة البحرية الأمريكية في الدومينكان، واحتلت سان دومنيجو العاصمة، وأطاحت بالحكومة الوطنية.
وتستحق كوبا منا وقفة.. فعلى الرغم من فشل الغزو العسكري المباشر وفشل الانقلابات المدبرة المتكررة – بل وربما بسبب هذا الفشل – وضعت الخارجية الأمريكية بالمشاركة مع وزارة الدفاع خطة تهدف إلى غزو ساحق لكوبا.

وكانت المشكلة في مبررات الغزو؛ وكانت المبررات هي محور الخطة؟! ولم يكشف عن هذه المبررات إلا مؤخرًا بعد 40 سنة من وضع الخطة ذاتها.
كانت المبررات هي إثارة الذعر وسط الشعب الأمريكي عن طريق موجة من الانفجارات المزيفة والمدبّرة لكي يتم إلصاقها بكوبا، ولكي يتم تصوير كوبا في وضع من يريد غزو أمريكا!! وتكشف الوثائق السرية التي خرجت للنور مؤخرًا، عن أن واضعي الخطة توقعوا خسائر بشرية في صفوف الشعب الأمريكي تصل إلى عدة آلاف نسمة، لكنهم رأوا أن هذا ثمن بخس من أجل تطهير القارة الأمريكية من فيروس الشيوعية اللعين!

لم تنفذ تلك الخطة لأن كيندي الرئيس الأمريكي وقتها اعترض عليها بشكل شخصي، وهاله ما فيها من إرهاب وفظاعة.

إلا أن نموذج التدخل لم يقتصر فقط على التدخل العسكري؛ فهناك أيضًا التدخل السياسي والدبلوماسي والضغط المادي، وهو ما حدث مع إيطاليا عام 1976، فبعد أن سجلت استطلاعات الرأي أن الحزب الشيوعي الإيطالي في سبيله لإحراز نصر مدوٍّ في الانتخابات، وبعد أن خطَت سياسة الحل الوسط التاريخي – التي اقترحها زعيمه الشهير إنريكوبرلنجر المسمى بأبي الشيوعية الأوروبية – خطوات واسعة نحو إنجاز مذهل، أعلنت الخارجية الأمريكية صراحة أنها لن تسمح بوصول الشيوعيين للحكم، سواء في شكل ائتلاف أو في شكل حكومة يسارية، بل قيل وقتها إن ثمة انقلابا عسكريا كان يدبّر في إيطاليا لو حدث ونجح الشيوعيون، وفشِل التدخل الدبلوماسي والمالي الأمريكي.
ملك آل سعود.. خادم أمريكا في اليمن

وكما سارعت واشنطن في التدخل لقمع الثورات المناوئة لها في معظم دول العالم خلال القرن الماضي، تدخلت لإحباط ثورة 21 سبتمبر في بلادنا والتي قادها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وفقدت فيها أمريكا مصالح كبيرة داخل بلادنا.

ومن خلال متابعة التصريحات للمسؤولين الأمريكيين يتضح جلياَ الحرص الأمريكي على إفشال ثورة 21 سبتمبر والقضاء عليها في مهدها، لكن واشنطن تركت المجال للسعودية لقيادة التحالف وإيهام العالم بأن العدوان على اليمن هو سعودي خليجي لا علاقة لأمريكا به سوى في الجوانب اللوجستية.
وكحال جميع التدخلات العسكرية، صدرت عدة تبريرات من قبل المسؤولين الأمريكيين، والتي كانت متناقضة أحيانا في دعم العدوان على بلادنا، فقد زعم مجلس الأمن القومي أن الغرض كان “الدفاع عن الحدود السعودية وحماية الحكومة الشرعية باليمن”، بينما أشارت وزارة الخارجية إلى أن الهدف هو “تعزيز التحول السياسي السلمي ومشاركة مخاوفهم بشأن الأعمال العدوانية للحوثيين”، حيث قالت في بيان يوم 27 مارس أن الولايات المتحدة دعمت مجلس التعاون الخليجي لأنه “يستجيب لطلب من الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو الرئيس الشرعي لليمن”. إلا أنه من المفترض أن إدارة أوباما لن تدعم تدخلا في مصر لتعيد رئيسها المنتخب ديمقراطيا، محمد مرسي.

ثم تدخل البيت الأبيض بثقله، حيث وضع المتحدث باسم البيت الأبيض إريك شولتز إطارا عاما لهدف الحملة وهو “الدفاع عن الحدود السعودية”، ومنع تأسيس فرع للقاعدة في الملاذ الآمن بشبه الجزيرة العربية.

لاحقا، غير السكرتير الإعلامي الأول، جوش إيرنست، الرسالة، حيث زعم أن الهدف كان “محاولة جمع كل الأطراف، الذين وقع بينهم خلاف شديد للغاية في اليمن، حول مائدة المفاوضات لمحاولة تعزيز استقرار الوضع في البلاد”.

وفي غضون ذلك، حاول المشرعون في الكونجرس وضع إطار للمشكلة كتصنيفها كمشكلة صديق ضد عدو، حيث صرح السيناتور الجمهوري ريتشارد بور بأن التدخل كان ضروريا لأن الدول العربية “لا يمكنها السماح لإيران بتوسيع نفوذها في اليمن… نحن نطلق عليهم الحوثيين، ولكنهم يمثلون إيران”.

ويزداد التأكيد على أن العدوان أمريكي بامتياز هو ما صرح به المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيف راثكي قبل أشهر حين قال : “لا نريد لذلك أن يكون حملة عسكرية مفتوحة النهاية”، فكلمة “لا نريد” لها دلالة على أن أمريكا هي رأس الحرب في هذا العدوان.

قيادة الثورة.. التعرف على العدو مبكراً

وقبل التأكيدات الأخيرة للأمريكان واعترافهم بالمشاركة المباشرة في العدوان على بلادنا، كان السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قائد ثورة 21 سبتمبر قد أشار إلى ذلك في أكثر من خطاب، موضحاً أن أمريكا تحارب في اليمن ويدفع لها المال مقابل ذلك.

وقال قائد الثورة في خطاب المولد النبوي الشريف لهذا العام إن أمريكا تحارب في اليمن مقابل أن تكسب ولو مالاً وحتى لو لم تكسب إلا قيمة سلاحها الذي يقتل به أبناء الشعب اليمني ..مبيناً أن السعودي والإماراتي وغيرهم من داخل الأمة يتحركون جنوداً مجندة لأمريكا وإسرائيل خداماً طيعين مذعنين ويتفانون ويبذلون كل جهودهم ويسخرون كل امكاناتهم لتنفيذ مؤامرات امريكا وإسرائيل في المنطقة .

وأضاف السيد عبد الملك أن المأساة أيضاً أن هؤلاء الخدام يقدمون لأمريكا وإسرائيل المال حتى لاتخسر شيئاً ولا تقدم ولا تخسر دولاراً واحداً وهي تقتل وتشارك معهم في قتل ابناء الامة في اليمن وغير اليمن ..مشيراً إلى ان ما تقدمه أمريكا وإسرائيل هم يحصلون على مقابله مكاسب مادية أوسياسية من هنا أو هناك .

وأمام كل هذه المؤشرات لم يعد خافياً على أحد التدخل الأمريكي المباشر في بلادنا وقيادته للعدوان مع عدم التبرير لملوك السعودية والخليج أو العفو عن خطاياهم، فهم اليد التي تبطش بها أمريكا والأداة التي تستخدمها في إطار ترسيخ هيمنتها وضمان مصالحها في المنطقة والعالم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com