الصمود حتى النصر

تعرف كيف يكون “الغرور والثقة بالنفس” هلاك للأنسان في ضوء قرآني ؟

الصمود|ثقافة قرانية 

{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ} (الأنعام: من الآية105)، وبطرق كثيرة، وآيات ما بين آيات قولية، وما بين آيات من واقع الحياة، بشكل يتجلى فيه رحمة الله سبحانه وتعالى، ويتجلى في نفس الوقت قبح موقف الإنسان الذي لا يستجيب لهدى الله، ويتجلى أيضاً شدة البطش الإلهي، وأن الله سبحانه وتعالى لمَّا كان هو الغالب على أمره، والقاهر فوق عباده يأتي بطشه بشكل لا يستطيع الإنسان على الإطلاق أن يحمي نفسه، وكل ما كان يراها تشكل حماية له يراها لا تساوي شيئاً على الإطلاق.

مما تحدثنا حوله بالأمس قضية تعتبر أساسية جداً، يجب أن نفهمها جميعاً،

{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ} (الأنعام: من الآية105)، وبطرق كثيرة، وآيات ما بين آيات قولية، وما بين آيات من واقع الحياة، بشكل يتجلى فيه رحمة الله سبحانه وتعالى، ويتجلى في نفس الوقت قبح موقف الإنسان الذي لا يستجيب لهدى الله، ويتجلى أيضاً شدة البطش الإلهي، وأن الله سبحانه وتعالى لمَّا كان هو الغالب على أمره، والقاهر فوق عباده يأتي بطشه بشكل لا يستطيع الإنسان على الإطلاق أن يحمي نفسه، وكل ما كان يراها تشكل حماية له يراها لا تساوي شيئاً على الإطلاق.

مما تحدثنا حوله بالأمس قضية تعتبر أساسية جداً، يجب أن نفهمها جميعاً، فيما يتعلق بهدى الله سبحانه وتعالى، كيف يكون تعامل الإنسان مع الله، كيف تكون نظرته إلى الله، ونظرته إلى نفسه، برز مثال عجيب جداً من خلال كلام نبي الله موسى، بعد أن أخذته الرجفة هو والسبعين الشخص الذين اختارهم من وجهاء بني إسرائيل لميقات ربه، فقال بعد الحادثة الرهيبة: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ}(الأعراف: من الآية155)، هذه فيها آية عجيبة، ويكتشف الإنسان من خلالها أيضاً بأن في أنبياء الله ـ عندما تقدم أشياء تحكي مشاعرهم، وتصور لنا مشاعرهم ـ أن فيها ما يقتبس الإنسان الهدى فعلاً.

 نبي الله موسى يأتي في آيات كثيرة، يذكر الله له أشياء كثيرة، إنسان إيمانه بالله بشكل كبير، وبشكل متميز يعني إنسان لا يثق بنفسه هو، ليس متكلاً على نفسه؛ لأنه قد صار نبياً! دائماً يعرف بأنه لو يكله الله إلى نفسه طرفة عين لهلك، كان دائماً حذراً، ويفهم تماماً معنى الإيمان، ومقتضى الإيمان، وتؤكد المسألة هذه بغض النظر عن موضوع التفاضل، عندما يأتي خلاف حول: هل الملائكة أفضل من المؤمنين أم المؤمنون أفضل، هذه قضية ثانية، لا حاجة لبحثها أساساً.

يجب أن نعرف بأن الملائكة جنس من خلق الله، عباد مكرمون، لهم دور مخصوص في عبادتهم لله، يقومون به، ولكنهم هم بحاجة إلى هدى الله، أنبياء الله كذلك، أو البشر بشكل عام، بني آدم جنس آخر من مخلوقات الله لهم دور معين في موضوع عبادة الله؛ ليقوموا به، وكلهم بحاجة إلى هدى الله، وفي مقدمتهم من اصطفاهم الله، أنبياؤه، أنهم بحاجة ماسة إلى هداه.

 ملائكة الله كما حكى الله عنهم: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (الانبياء:26 ـ27) ولكن موضوع الإيمان، موضوع الإيمان حتى تترسخ مفاهيمه قضية عملية تأتي في ظل رعاية إلهية، يأتي من الطرف الآخر أن يكون في حالة حذر، حالة ألا يطمئن إلى موقعه: [هو نبي، قد صار نبياً وانتهى الموضوع] لا، يكون دائماً يعرف بأنه يجب أن يثق بالله، لا أن يثق بنفسه هو، لو وثق بنفسه سيهلك.

 العبارة التي جاءت من قبل ملائكة الله، أو قد تكون من عند بعضهم، لكن قد يكون بعض العبارات التي تكون من قبل البعض، وهي في نفس الوقت تعبر عن مشاعر الآخرين، تنسب وكأنها إلى الكل، مثلما حكى الله عن المؤمنين في غزوة حنين: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} (التوبة: من الآية25) ويروى أن البعض منهم قال: لن نهزم اليوم من قلة، هنا تكلم البعض لكن مشاعر الآخرين، الأغلبية قد تكون على هذا النحو.

 بعد أن حكى الله سبحانه وتعالى للملائكة بأنه سيجعل في الأرض خليفة، وذكر لهم كيف سيكون هذا الخليفة، {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} (البقرة: من الآية30)، هذه العبارة تساوي نوعاً ما في لهجتها، في أسلوبها كلمة موسى هنا: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}، هي تساويها، يعني: هي نوع استفسار، ناسي هذا الطرف ما يفترضه إيمانه من تسليم مطلق وبسرعة.

جاء كلام الملائكة بعد العبارة هذه: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}(البقرة: من الآية30)، ونحن، نحن هذه خطيرة جداً {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} برز من خلالها أنهم فعلاً يعرفون مقام أنفسهم، وفي مقام رفيع، فينا الكفاية ونحن كذا .. إلى آخره، ظهر أيضاً نوع من الازدراء نوعاً ما، ولو كان شيئاً لا يلحظه من يقول العبارة هذه بشكل بارز لكن توحي هذه العبارة فيما يتعلق بآدم .

يأتي الموضوع بشكل يصلون فيه إلى ما كان ينبغي أن يقولوه: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (البقرة: من الآية32)، إنك أنت العليم الحكيم، لو كان هناك نوع انتباه، نوع انتباه عندما قالوا هذه العبارة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، فيقولون: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، تنتهي الإشكالية.

 وهنا يأتي من جانب الله سبحانه وتعالى، ثم تلحظ فعلاً في تعامل الله سبحانه وتعالى مع ملائكته، مع أنبيائه، مع البشر، مع أمة من الأمم، في وضعية معينة، وفي وضعية أخرى يختلف التعامل نفسه، مع أن الملائكة يعلم عنهم أنهم مؤمنون، لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، عباد مكرمون، لكن القضية الإيمانية هي قضية عملية، قضية تربوية، لا تأتي شحنة إيمانية هكذا تلقائياً، شحنة إيمانية؛ لأن الإيمان أساساً هو لا ينفصل عن موضوع حركة التدبير الإلهي، عندما نأتي نحن نقيِّم الإيمان ما هو، تجد إنْ ما هناك إيمان هكذا فارغ، الإيمان كله عملي، كل إيمانك متعلق بحركة هذا الكون، بحركة ملك الله ـ إن صحت العبارة ـ ، التدبير الإلهي بملك الله، بحركة تدبيره وملكه .

 فلم يأت من جانب الله سبحانه وتعالى ما يبدو وكأنه مؤاخذة لهم، مؤاخذة على هذه العبارة، جاء عملية تربوية من جهة، وتأديبية نوعاً ما من جهة؛ ليعرف الإنسان، الإنسان، وأنا أعتقد أنه فعلاً الإنسان له دور يهتدي به الملائكة، والملائكة في داخلهم يحصل أشياء مما عرض عنهم؛ ليهتدي به الإنسان؛ يعني القضية متبادلة، عملية متبادلة، يهتدي الملائكة عن طريق حركة الناس، وموقف الناس من هدى الله، وأشياء من هذه كثيرة، يهتدي الإنسان بما يذكره الله عن ملائكته.

هنا يقول لك في هذه المسألة: بأن التسليم، التسليم الإلهي يجب أن يكون هو الشيء المترسخ في ذهنيتك، ومشاعرك، وأقرب شيء في ذهنيتك أمام أي قضية تطرأ، أمام أي قضية تحصل.

نبي الله موسى هنا كيف قال؟ {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} (الأعراف: من الآية155)، بسرعة، هذه الروحية ـ فعلاً ـ هي ماذا؟ روحية، أو قل: منطق من يرسخ في نفسه التسليم المطلق لله، والإيمان بأن الهدى هو من عند الله، وأنه كإنسان يجب أن يكون واثقاً بالله، لا يثق بنفسه، إذا انفرد مع نفسه، إذا وثق بنفسه، وقال نحن.. أو أشياء من هذه، يأتي وراءها أشياء أخرى. فجاء تسليم من عند موسى بسرعة: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} (الأعراف: من الآية156) .

 هذه قضية أساسية بالنسبة للإنسان بشكل عام، سواء الأنبياء، العلماء، الأولياء، كل فرد من الناس يجب أن يكون دائماً يعرف أن أساس أن يهتدي، وأساس أن يحظى بعناية الله، ورعايته، أن يكون مرسخاً في نفسه التسليم لله، والتسليم الواعي، أنت مؤمن بأنه حكيم، إذاً يجب في كل فعل من أفعاله، تسمعه، أو تراه، أن تؤمن بأنه حكمة، أن الله لا يفعل شيئاً إلا وهو حكيم، فتقول: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.

تجد كلما يأتي من أشياء تعرض هنا، من قصص الأمم الماضية،  سواء الأمم التي كفرت، وفي الأخير ضربت، أو الأمم التي آمنت مبدئياً، وحصل داخلها أشياء كثيرة من هذه مثلما كانت عليه وضعية بني إسرائيل، كلها، كلها تركز حول موضوع التسليم، نهايتها، أو تقول: لبها وخلاصتها التسليم، التسليم بمعنى: أن الإنسان يكون معترفاً بأن الله هو إلهه، وربه، ويعرف الله، يعرف نفسه أنه عبد لله مأمور، يجب عليه أن يهتدي بهدى الله، وأن يلتزم بهدى الله، أنه عبد لله بكل ما تعنيه الكلمة، يسلِّم، لا يأتي من جانبه أي خاطرة تساؤل أمام فعل من أفعال الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإنسان قاصر، قاصر في مداركه، لا يستطيع أن يدرك بعض تصرفات البشر أنفسهم، ناهيك عن تدبير الله، وأفعال الله سبحانه وتعالى .

 كما ذكرنا بأنه بالنسبة لنبي الله موسى نفسه في موضوع الخضر، ألم يبد له أفعال استغربها؟ وهو إذاً أمام إنسان، أمام إنسان كمثله، أو قل مخلوق كمثله، سواء كان إنساناً أو شيئاً آخر، مخلوق كمثله، لم يستطع هذا النبي العظيم الذي قال الله فيه: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طـه:41)  أن يدرك تماماً الغاية من تصرفات هذا الرجل الذي أوحي إليه أن يذهب إليه ليتعلم منه، فكيف يحاول الإنسان أن يعرف، أو يقطع، أو يتصرف وكأنه قد أحيط بالله علماً، يحيط بكل تدبير الله، فيأتي من جانبه استفسارات، يأتي من جانبه استفهام على هذا النحو الذي فيه نوع من التساؤل الذي يبدو وكأنه يعرف كل غايات تدبير الله، وأفعاله سبحانه وتعالى!. هذا هو التسليم، التسليم قضية أساسية.

[الله أكبر الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود // النصر للإسلام] دروس من هدي القرآن الكريم

السيد / حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

الدرس التاسع والعشرون من دروس رمضان / ص – 1 – 2 .

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com