أخذت علاقة باكستان والسعودية طابعًا خاصًا على مدار العقود الماضية؛ إذ تأسس تحالف من نوع خاص قائم على تقاطع مصالح كليهما؛ فالمملكة تسعى لاستخدام الجيش الباكستاني، السادس عالميًّا على مستوى عدد قواته، من أجل حماية العائلة الحاكمة، مقابل المنح المالية من جانب المملكة لدعم الاقتصاد الباكستاني المتأزّم، ووجود ملايين العمال الباكستانيين على أراضيها، الذين يُشكلون مصدرًا مهمًا للنقد الأجنبي بفعل تحويلاتهم الماليّة لموطنهم الأصلي.

هذا التحالف مر بفترات قوّة وفتور، قبل أن تبدأ مرحلة جديدة منه مع بروز نجم وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان وصعوده إلى السلطة، إذ سعى لاستمالة الجيش الباكستاني بشكل أكبر، وتفعيل الزيارات الثنائية بين البلدين، للوصول لصيغة جديدة لهذا التحالف القديم، في سياق إعادة تشكيل مرحلة جديدة للسياسة السعودية العسكرية والخارجية، تحت ولاية الأمير الشاب.

محمد بن سلمان يستقدم ألف جندي باكستانيّ إلى السعودية.. لماذا؟

في 15 فبراير (شباط)، أعلن الجيش الباكستاني عن إرسال قوة عسكرية إلى المملكة العربيّة السعوديّة لمساعدة القوات السعودية وتدريبها، وسط معلومات ذكرتها الصحافة الباكستانية تُقدر هذه القوة بنحو ألف مدرب ومستشار عسكريّ متواجدين في المملكة.

ووفقًا لبيان الجيش الباكستاني، فإن القوة الجديدة ستعمل داخل حدود المملكة فقط، ولن تشارك في الحرب السعوديّة في اليمن، بينما لم تعلق السلطات السعودية الرسمية أو وسائل الإعلام المملوكة للمملكة حول هذه القوات، أو طبيعة مهامها داخل حدود المملكة، خصوصًا مع استبعاد خيار انخراطها فى حرب اليمن، بعدما أكدت باكستان من قبل رفضها ذلك بشكل علني.

وكان وليّ العهد السعودي قد زار باكستان فى نهاية عام 2016، مع بداية صعوده لسُلم السلطة، كما التقى برئيس الوزراء الباكستاني آنذاك نواز شريف، وتبادلا البرقيات والاتصالات الهاتفيّة مع قادتها، بينما زار رئيس الأركان الباكستاني قمر جاويد باجوا  الرياض مطلع الشهر الجاري لمدة ثلاث أيام، وهي الزيارة الثانية له في غضون شهرين.

وبدأت أواخر العام الماضي مناوراتٌ مشتركة في الرياض بين كُل من القوات الخاصة السعودية ونظيرتها الباكستانية، بحضور قائد «مدرسة العمليات الخاصة» وعدد من ضباط «مجموعة العمليات الخاصة» من الجيش الباكستاني، وكذلك عدد من الضباط السعوديين، على رأسهم نائب قائد «قوات الأمن الخاصة» اللواء عبد الله بن محمد الثمالي.

ويُعزز التقارب الباكستاني السعودي خلال بروز محمد بن سلمان في السلطة أكثرُ من عامل منها: ارتفاع حظوظ حزب الرابطة الإسلامية في الانتخابات المٌقبلة، وهو المؤيد للتقارب مع المملكة، وتحسن العلاقة بين حزب الرابطة مع الجيش الباكستاني، المخول بإدارة ملف السياسات الخارجية، خصوصًا مع ضمانات السعودية بعدم ترحيل العمالة الباكستانية، التي تُشكل مصدرًا مهمًا للاحتياط النقدي لباكستان بفضل تحويلاتهم.

ويبدو أن وليّ العهد محمد بن سلمان ماضٍ في طريقه نحو توطيد تحالفه مع باكستان باعتبارها حليفًا عسكريًّا مهمًّا، بشروط تبدو مخالفة لما كانت عليه في السابق؛ فإسلام آباد ماضية نحو هذا التحالف بشروط لا تجعلها تنخرط في مواجهات إقليمية لصالح المملكة، وهو ما يتّضح في التأكيد الباكستاني الرسمي بعدم تجاوز مهام هذه القوات حدود السعوديّة، فضلًا عن التأكيد الدائم من جانبها لدولة قطر على عدم اضطلاع هذه القوات بمهام خارجية، ورسائل دائمة لإيران التي تتمتع معها بعلاقات جيدة عن حدود أدوار هذه الكتيبة.

بينما ينظر محلّلون لهذه الخطوة من منظور آخر، كحال الكاتب الأمريكي توم روجان الذي ذكر في مقال له على صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أنه «بإرسال قوات إلى السعودية في ظل توترات غير مسبوقة بين الرياض وطهران، فإن الباكستانيين يضعون أنفسهم في الجانب السعودي، وبتعبيرات محددة فإنهم يقبلون تدهور العلاقات مع إيران بهذا الانتشار العسكري».

على خُطَا الأجداد.. فعلها قبله فهد وفيصل  

بعد وقائع الثورة الإيرانية عام 1980، وصعود نظام الخميني المعادي للمملكة للسلطة في إيران، سيطر على الملك فهد شعورٌ متنامٍ بالقلق من الحضور والنفوذ العسكري الإيراني الآخذ في النمو؛ وأخذت محاولاته لمواجهة هذا النمو الإيراني طرقًا متباينة، كان على رأسها الاستعانة بعناصر عسكرية من باكستان تكون مسئولة عن حماية القصر الملكي، والملك فهد شخصيًّا.

وفي عام 1982؛ أرسل الجنرال الباكستانيّ ضياء الحق، كتيبة مدرّعة معزّزة إلى المملكة العربيّة السعوديّة، أطلق عليها الملك فهد اسم «كتيبة خالد بن الوليد»، وانحصرت مهامها في تأمين القصر الملكي، وحماية آل سعود من أيّة مخاطر داخلية وخارجية، مقابل منح مالية سخية تكفلت بها المملكة على مدار 10 أعوام، قبل أن تغادر هذه القوات في أوائل التسعينيات، كما دفع «ضياء الحق» قواته في حرب خارجيّة من أجل معاونة قوات المجاهدين ضد السوفييت في الثمانينيات، ويرجّح أن يكون ذلك امتثالًا للرغبة السعودية مقابل المليارات التي حصل عليها الجنرال العسكري.

وقد ساهمت العلاقة الوثيقة التي جمعت بين الجنرال ضياء الحق مع المملكة في قراره بإرسال القوات الباكستانية لمساندة «المجاهدين» في أفغانستان، وفقًا لوثائق ويكليكس، التي أوضحت كذلك أن المملكة كانت الداعم الرئيسي لفترات الحكم العسكري التي بدأت مع انقلاب الجنرال ضياء الحق عام 1977، والذي قاد حملة «أسلمة» البلاد بدعم مالي من المملكة، إذ موّلت عددًا من البرامج الدينية التي تروج للأفكار الوهابية.

ولم تقتصر هذه السياسة على الملك فهد، فقد سبقه في ذلك شقيقه الأكبر الملك فيصل، وذلك في أوائل السبعينيات، حين استعان بمجموعة من القوات الباكستانية في المملكة، لتأمين القصر الحاكم، بحكم العلاقة القوية التي جمعت الملك فيصل برئيس الوزراء الباكستاني آنذاك ذو الفقار علي بوتو، كما استعانت المملكة بالطيارين الباكستانيين الذين حلقوا بالطائرات السعودية لصد القوات اليمنية في عام 1969.

لا ينفصل الدعم العسكريّ الباكستاني تجاه السعوديّة منذ أيام الملك فهد، عن هبات السعودية الدائمة لباكستان، كشُحنات النفط التي أرسلتها السعودية في العام 1998 لمساعدتها على تحمّل العقوبات الدولية بسبب تجاربها النووية، فضلًا عن مساعدتها ماليًا في تمويل البرنامج النووي الباكستاني، والمساعدات المالية للأحزاب الباكستانية، وإنشاء المدارس والمؤسسات التعليمية الإسلامية الأخرى.

عام 1998، بينما كان رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف يدرس إمكانيّة الردّ على التجربة النووية التي أجرتها الهند بواحدة من جانبه، تعهد الملك عبد الله آنذاك بتوفير 50 ألف برميل من النفط يوميًا لمساعدة إسلام آباد في مواجهة أي عقوبات محتملة.

إسلام آباد والرياض.. تحالف هزّته الإطاحة بنواز شريف رجل المملكة المفضل

لا تقف حدود العلاقة بين المملكة وباكستان عند إرسال قوات عسكرية باكستانية للمملكة؛ بل تنطوي العلاقة بين الجارتين على أواصر تحالف ممتد بينهما ترسم حجم تماسكه مُحددات جغرافية وسياسية واقتصادية، تتقاطع في الكثير من القضايا، وتتباعد في مواقف أخرى.

وقد ميّز هذا التحالف نوع من الفتور في الأعوام الأخيرة؛ فالمملكة حريصة على أن تكون باكستان – صاحبةُ سادس أكبر جيش في العالم – حليفة لها في سياستها الخارجية ومشاركة بقواتها العسكرية معها بشكل أكبر.

باكستان هي الأخرى تجد في المملكة حصنًا ماليًا مهمًا لبلد فقير الموارد مثلها، وحاضنة لملايين العمالة الباكستانية على أراضيها. بالإضافة إلى ذلك، لطالما كانت السعوديّة ملجأً لقادة باكستان حال وقوع أي توترات كما حدث في سنة 2000، حين فتحت المملكة العربية السعودية أبوابها أمام رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، بعد الإطاحة به عن طريق انقلاب عسكري، واستضافته في أراضيها عدة سنوات، وهي المسألة التي ساهمت في توطيد التعاون بين البلدين في العديد من المجالات بعد عودة نواز شريف إلى منصب رئاسة الوزراء في سنة 2013.

على جانب آخر عينت المملكة العربية السعودية رئيس الأركان الباكستانيّ المتقاعد، الجنرال راحيل شريف، قائدًا للتحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنت عنه الرياض في العام 2015.

وبالإضافة إلى العلاقات السياسيّة، فإن الروابط الأسريّة تتداخل في مشهد العلاقات السعودية الباكستانيّة، إذ يجمع بين رئيس الوزراء السابق نواز شريف علاقة النسب التي جمعت ابنته بحفيد الملك فهد، حتى ورد في وثيقة  دبلوماسية أن «شريف» صار بمقتضى هذه العلاقة أحد أعضاء الأسرة المالكة.

وحسب تقرير منشور لمجلّة «فورين أفيرز»، فالعلاقة بين باكستان والمملكة تكون أكثر قربًا عندما يحكم باكستان قائد عسكري (تحت قيادة الجنرالين ضياء ومشرف)، أو الرابطة الإسلامية الباكستانية (بقيادة شريف)، بينما تكون أقل قربًا حال وجود حزب الشعب الباكستاني في الحُكم، والذي قدم ثلاثة حُكام هم: ذو الفقار علي بوتو، وابنته بينظير بوتو، وزوجها آصف علي زرداري، إذ كانت فتراتهم جميعًا فاترة مع المملكة، وأكثر تقاربًا مع إيران.

ظلت هذه المعادلة هي الحاكمة للعلاقة بين البلدين اللذين تتقاطع مصالحهم؛ والتي قد تتباعد فيها المواقف بينهما نتيجة لحسابات سياسية مختلفة تؤدي لقطيعة لا تدوم في الغالب فترات طويلة، كما أنها تحول أيضًا دون التماهي الكامل في العلاقة الثنائية بينهما.

«السعودية مسؤولة عن الإرهاب في باكستان»! ملفات تباعد بين الحليفين

واحد من هذه المواقف التي ابتعدت فيها باكستان عن الخطّ السياسي السعوديّ هو عدم قبولها للانضمام للتحالف العربيالذي تقوده المملكة تجاه اليمن عبر إطلاق عملية عاصفة الحزم، حتى لا تنخرط بشكل مُباشر في مواجهة مع الحوثيين الموالين لإيران، التي تحظى باكستان معها بعلاقة جيدة.

كما شكّل ارتفاع العمليات الإرهابية في باكستان، على مدار العامين الأخيرين، وانتساب عدد من منفذي هذه العمليات إلى الجمعيات الدينية التي تمولها السعودية عاملًا في ارتفاع التوتر بين البلدين، وهو ما ظهر في تصريحات لوزير التنسيق الإقليمي الفيدرالي في باكستان، رياض حسين بيرزادة الذي أكد دون مواربة على مسؤولية السعودية عن الإرهاب في بلاده، إذ انتقد إنفاق السعودية على المعاهد والمدارس الدينية المنتشرة في البلاد، محذرًا من أن الرياض تسعى من خلال منحها المساعدات والقروض لهذه المؤسسات إلى نشر الفكر الوهابي في البلاد.

وساهم في هذا التوتّر في التحالف التاريخي تأرجح سلطات نواز شريف، رجل السعودية المفضل، إذ خرج من السلطة بعد عزله من منصبه على خلفية تهم بالفساد من جانب محكمة باكستان العليا العام الماضي، وخروج باكستان عن الخط الرسمي المتماهي مع مواقف المملكة في عدد من القضايا الإقليمية الهامة، مثل رفضها طلب المملكة مقاطعة الدوحة بعد الأزمة الخليجية، واستمرارها في مشاريعها مع الدوحة كمشروع اتفاق الغاز الموقع بين البلدين، خصوصًا بعدما منحتهاقطر في 2015 شحنة من الغاز الطبيعي القطري المسال في صفقة قدرت قيمتها آنذاك بـ22 مليار دولار.

كما تُشكل علاقة باكستان مع إيران أحد محددات هذا التأرجح بينها وبين السعودية؛ خصوصًا في ظل توسع الاتفاقيات التجارية بين باكستان وإيران، وزيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2021، وزيادة واردات باكستان من الطاقة الكهربائية من إيران وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين، وإحياء مشروع مد خط أنابيب الغاز بينهما، فضلًا عن بلوغ عدد سكان باكستان الشيعة حوالي خمس سكان باكستان (30 إلى 40 مليون نسمة)، وهو ما يضعها في المركز الثاني في عدد السكان الشيعة في العالم خارج إيران.

وتستورد باكستان احتياجاتها من النفط والغاز والطاقة الكهربائية والحديد من إيران، بينما يستورد الإيرانيون الأقمشة والمعدات الجراحية، والتجهيزات الرياضية والمنتجات الزراعية