الصمود حتى النصر

“السيد حسين الحوثي” خطورة المرحلة

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
أما بعد نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل زيارتنا مباركة، وأن نستفيد جميعاً في التعرف على بعضنا بعض، في مجال ما تهمنا معرفته، وما يهمنا عمله.
الزيارات المتبادلة كهذه هي مهمة جداً في ظروف كهذه الظروف التي نعيشها جميعاً، وتعيشها الأمة المسلمة.
طلاب العلم من الضروري أن يكونوا في طليعة من يحملون اهتماماً كبيراً، ويهمهم ما يدور حولهم.
نحن في هذه الفترة الأخيرة – كما نعرف جميعاً – نعيش وضعية خطيرة جداً، وضعية تجلت فيها خطورة بالغة، وتكشفت فيها مخاطر جسيمة، خطورة على الإسلام والمسلمين، على ما تبقى من الإسلام، وما تبقى من المسلمين في الواقع.
وكلنا نسمع، وكلنا نرى ما يدور في هذا العالم، وعلينا أن نسأل أنفسنا – باعتبارنا طلاب علم – هل طالب العلم يعني ماذا؟ هل الذي يحمل علماً؟ يعني علم ماذا؟ كلنا نقول: نحن طلاب علم دين، وعالم دين، ومعلم علوم شرعية دينية، الدين الذي نتشرف بأن نسمي أنفسنا طلاب علمه هو دين الله سبحانه وتعالى؟.
نحن إذاً – باعتبار أن دين الله تعالى هو الإسلام – نحن إذاً مسلمون، فمتى ما سمعنا أن هناك هجمة شرسة، وخطورة بالغة على الإسلام فمن الطبيعي أن نعرف أنه هذا الدين، هذا الدين الذي نحن نتشرف بطلب علومه، ونحمل علومه، هذا الدين الذي ندين به، ونعتقد أنه يتوقف على الإلتزام به، والاهتداء به نجاتنا في الدنيا وفي الآخرة.
ونحن إذاً مسلمون، فعندما نسمع أن هناك خطورة بالغة، هناك هجمة شرسة ضد المسلمين، فإن المسلمين هم أنا وأنت، وأمثالنا في مختلف بقاع البلاد الإسلامية.
أن أكون طالب علم، أن أكون مسلماً، ثم أسمع وأرى الأحداث الكثيرة تدور من حولي ضد الإسلام والمسلمين، ثم لا ألتفت التفاتة جادة، ولا أهتم، ولا أفكر، ولا أستشعر الخطورة، ولا أبحث عن حل، ذلك يعني أن الأشياء بالنسبة لنا مجرد عناوين فقط، سواء ما نسميه إسلاماً ندين به، وما نسمي أنفسنا به كمسلمين، تصبح مجرد عناوين فقط؛ لأنه ليس بإمكان أحد منا أن يتصور – وإن كانت تلك قد تكون حالة نفسية لدينا جميعاً – أنه عندما نسمع حرباً ضد الإسلام والمسلمين أن الإسلام شيء هناك، والمسلمون هم فئات من الناس هناك.
الإسلام هو هذا الدين الذي ندين به، والمسلمون هم نحن، المسلمون هم نحن، لكن يبدو أن هناك شعوراً: أسمع بالحرب على الإسلام، والهجوم على الإسلام، والخطورة على المسلمين، فأتصور أنهم أولئك، أولئك، ليس بالتحديد من أولئك! والإسلام شيء هناك!. لو كنا نستشعر – حقيقة – أن الخطورة هي موجهة لهذا الإسلام، ولنا نحن كمسلمين، ربما تضل المشاعر لدينا حية، لربما تركت أثراً في أن تخلق نوعاً من الوعي، واليقظة أمام ما يحدث.
أول تساؤل: أن هذا الدين الذي ندين به هو دين ليس فيه ما يفرض علينا أن يبدو لنا موقف مما يحدث، لا أحد أعتقد يستطيع أن يجيب: بأن هذا الدين الذي ندين به لا يفرض علينا موقفاً مما يحدث.
إن الله سبحانه وتعالى عندما يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}(آل عمران103) إنه أمرٌ بالتقوى، بالإلتزام، وأمر بالدفاع عن هذا الدين، والعمل على إعلاء كلمته، ليس فقط التزام، ولا يقبل الإلتزام بالأشياء التي في متناولنا، أشياء نجدها سهلة ونحن نمارسها، وأشياء أخرى قد ترسخ المفهوم لدينا أنها صعبة وشاقة، فنحن لا اهتمام لنا بها، ولا تفكير لدينا بشأنها.. الإسلام دين نلتزم به، دين نعمل على إعلاء كلمته ونشره، دين ندافع عنه.
ثم هل يمكن أن نقول أيضاً: بأن الإسلام نفسه قد جاء ليوزع المسؤوليات بين أبناء هذه الساحة؟ فله خطاب خاص معنا، وخطاب خاص مع أولئك، فوزع الرقعة الإسلامية إلى قطاعات، ومناطق، ليس من في هذه المنطقة مسؤول عما يحدث في المنطقة الأخرى، ليس أبناء هذه المنطقة مسؤولون عما يواجه به الإسلام في منطقة أخرى!.
أيضاً لا أعتقد أنه في القرآن الكريم هناك توزيع للعالم الإسلامي، أو للأرض إلى قطاعات، وكل قطاع مسؤوليتها تختص بجهة معينة، أو بمن في داخلها.. خطاب القرآن خطاب واحد: يا أيها الذين آمنوا، يا أيها الناس، هكذا يخاطب.
ثم إذا كنا في واقعنا نعيش حالة من اللامبالاة بما يحدث، وإذا ما كان هناك تفاعل أمام ما يحدث، فليس أكثر من مجرد تألم لا يتحول إلى موقف! هل أن هذه الحالة يمكن أن يكون لها أصل في ديننا؟! أي أنه بتوجيهاته، بتربيته ربانا على هذا النحو، ترك فينا هذا الأثر, فها نحن نعيش حالة اللامبالاة، حالة اللاإهتمام بما يحدث.
أعتقد – أيضاً – أن توجيهات القرآن الكريم، توجيهات الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كلها تخلق روحاً أسمى، وأرقى، وأعلا من هذه الروحية التي نحملها.
إذاً فمن أين أتينا؟ من أين أتينا؟ عندما نرى أنفسنا، ونحن نسمي أنفسنا طلاب علم، ونسمي أنفسنا علماء، ونسمي أنفسنا متعلمين، ونسمي أنفسنا مرشدين، فمِن أين أتينا حتى أصبح واقعنا على هذا النحو؟! الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، باعتباره كتاب حياة، كتاب تربية، كتاب عمل، شهد على أن هذا الكتاب يستطيع أن يخلق روحاً عالية من خلال ما نشاهده من نظرة أولئك العظماء، مثل الأنبياء (صلوات الله عليهم)، كالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وكالإمام علي (عليه السلام)، وكالحسن، وكالحسين، وأمثالهم من العظماء.
وهو هذا القرآن الذي بين أيدينا، هو هذا القرآن الذي بين أيدينا.. هل أن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان لديه كتاب آخر؟ أو أن الإمام علياً (عليه السلام) كان لديه كتاب آخر؟ أنه كان لدى ذلك الجيل من الأشخاص الذين انطلقوا فغيروا مجرى الحياة، ومجرى التاريخ، وأصبحنا نعيش نعمة ما بذلوه، وآثار ما بذلوه من جهود عظيمة في سبيل هذا الدين، هم عظماء، وكانوا يرون أنفسهم في نفس الوقت أن كل ما هم عليه إنما هو من خلال الإهتداء بالقرآن الكريم، وأن تلك الروح العالية التي يحملونها إنما هي تجسيد لروح القرآن الكريم.
القرآن الكريم بين أيدينا، لماذا غابت تلك الروحية بشكل ملموس؟ غياب بشكل ملموس؟ كل هذه تساؤلات تفرض نفسها علينا، باعتبارنا – كما كررت – طلاب علم، وباعتبارنا نحمل ألقاب: أستاذ، وعالم، ونحوها من الألقاب.. كلها تفرض نفسها علينا، هل هناك مسؤولية علينا، أم أنه لا مسؤولية علينا أبداً؟ هل نحن معذورون إذا ما قدمنا على الله سبحانه وتعالى ولم يكن لنا أي عمل في هذه الحياة؟ في مجال نصر هذا الدين، في مجال الدفاع عنه، في مجال تنفيذ تلك التوجيهات التي نقرأها في القرآن الكريم، هل هناك مبرر؟.
وإذا كنا نتفق مع أنفسنا – بناء على قواعد معينة من هنا، أو هناك – فهل فعلاً يمكن أن يكون ذلك مبرراً لنا أمام الله سبحانه وتعالى؟ ونحن نقطع بأن ما نجده مبرراً لنا هو أيضاً مبرراً للأجيال من قبلنا ومن بعدنا، أي أن ما تعتبره أنت مبرراً لك انطلاقاً على قواعد معينة، إذاً أنت تحكم بأنه يعد مبرراً للسابقين وللاحقين، لكن لماذا السابقون كانوا يختلفون عنا؟ ثم إذا افترضنا أن اللاحقين سيكونون على هذه الطريقة، أجيال تأتي على هذا النحو، فمتى سيفترض أن يكون هناك إصلاح؟ متى يفترض أن يكون هناك عمل لإعلاء كلمة الله؟! متى يفترض أن يكون هناك عمل في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، في مواجهة أعداء الله؟ متى يمكن أن يكون هناك عمل في مواجهة هذه الأحداث التي أمامنا؟! سواء في واقعنا نحن، أو امتدت، وبالطبع الفساد لا ينتهي، الفساد يبقى، والباطل يبقى إذا لم يأت من يوقفه.
فلو افترضنا أن هذه الحالة تمتد إلى أجيال، سواء ممن نعلِّمهم، أو ممن يأتون من بعدنا، أي أن هذه الوضعية التي نحن عليها إن كانت مبرراً أمام الله سبحانه وتعالى فيما إذا قدمنا عليه أيضاً نفترضها مبرراً للأجيال من بعدنا، وبالتالي نـرى أن ذلك يحول دون تحقيـق الاستجـابة لله سبحانه وتعالى عندما يقول لعباده المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ}(الصف14) ألسنا نقرأ هذه الآية؟ وقرأها آباؤنا من قبلنا، ونعلِّم أبناءنا, ونعلِّم طلابنا هذه الآية، وآيات أخرى كقوله: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران104)، وكقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج78) ومثل قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}(التوبة29) متى يمكن أن تتحقق استجابة لمثل هذه الآيات؟.
لا أتوقع؛ ما دمنا نعيش حالة كهذه، تمر الأحداث من حولنا، ونحن لا نقرؤها بشكل جيد، ونحن نرى كل ما حولنا إذا ما نظرنا بأنه مطلوب أن يكون هناك عمل فإن العمل في مواجهته يكون عندنا ضمن قائمة المستحيلات!. نرى أن الله سبحانه وتعالى عندما يأمرنا بأن نكون من أنصار دينه، ومن المجاهدين في سبيله، وممن يعملون على الدعوة إلى الخير، على تأهيل أنفسهم كأمة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، هي أشياء نؤمن بها لكنها تبدو أمامنا ضمن قائمة المستحيلات، أليس كذلك؟.
أنا واحد منكم، وأرى ما ترون، أن الساحة التي نعيش فيها – ساحتنا جميعاً، علماء ومتعلمين – هي ساحة تسيطر عليها هذه المشاعر: أننا نعيش وضعية نرى أن كل شيء مستحيل، نرى أنه ليس باستطاعتنا أن نعمل شيئا في الدفاع عن الإسلام، والمسلمين، ومع ذلك ندعي، أو نطلق على أنفسنا ألقاباً كبيرة!.
نحن نقول: أننا زيدية، وأن الزيدية هم الطائفة المحقة، وأن الزيدية هم صفوة الطوائف، وأنهم أهل العقائد الصحيحة.. ومن فينا من أهل البيت نقول: نحن من أهل البيت، ونحن الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ونحن من أوجب محبتهم على الأمة، ونحن من أوجب التمسك بهم، ونحن من جعل التمسك بهم أماناً من الضلال، ونحن.. ونحن… الخ.
هل منطق القرآن الكريم يسمح لك أن تطلق على نفسك ألقاباً كهذه ثم لا تترافق معها مسؤوليات؟ هناك مسؤولية، هناك مسؤولية كبيرة.. من يتأمل في واقع الأمة الآن يجد أننا كعرب، ونحن كزيدية، ونحن باعتبارنا من أهل البيت نعيش تحت أقدام من قد ضرب الله عليهم الذلة، والمسكنة، وباءوا بغضب من الله، نعيش أيضاً تحت رحمة من قد باءوا بغضب من الله!.
أليس هذا هو ما هو حاصل؟. لماذا؟ نسأل أنفسنا أنه إذا كان الله قد ضرب على أولئك الذلة والمسكنة، ونحن نجد أنفسنا نعيش حالة الذلة، والمسكنة تحت أقدامهم، هل أن هذا هو شأن الحياة هكذا؟ وأن أهل الحق – كما يقال – عادة يكونون مستضعفين، ومساكين، وهذه حالة طبع الله الدنيا عليها، بل هي حالة نستشهد بها على أننا محقون، وأنه لولا أننا نعيش حالة كهذه لاضطربنا في معرفة أننا على حق!.
هل أن هذا واقع الدنيا، وواقع الدنيا هكذا؟ أم أن ذلك نتيجة تفريط في مسؤولية، نتيجة إهمال لواجب، نتيجة ابتعاد عن هدي الله فكان عاقبتنا بالشكل الذي يشهد أن تفريطنا أسوأ، أو يعد جريمة أكثر من جريمة أولئك الذين قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة؛ لأنه إذا كان في الواقع أننا أصبحنا تحت أقدام أولئك، يعني: أننا في واقعنا ارتكبنا خطأ كبيراً جداً من حيث أننا فرطنا في مسؤولية كبيرة، فرطنا في مسؤولية كبيرة جداً، فكانت معصيتنا كبيرة، استحقينا بها – فيما أعتقد – أن نعيش حالة من الذلة أسوأ من تلك الحالة التي ضربت على بني إسرائيل.
لكن ما هي المشكلة في هذا؟ المشكلة في هذا هي: أننا أصبحنا نفهم، ما أدري من أين؟ هل من بعض القواعد في كتب علم الكلام، أم من بعض الأشياء التي نسمعها من كتب الترغيب والترهيب، أصبحنا نفهم أن هذا هو حال الدنيا، أن هذا هو حال الدنيا، فكلما اشتدت الوطأة، وكلما عانينا، وكلما أصبحنا نلمس أننا في وضعية سيئة، نعيش حالة من الخزي والذلة والهوان، لا نعرف أن ذلك عقوبة [شأن الدنيا]! أليس هذا هو ما نسمعه من بعضنا بعض؟ [هذا حال الدنيا، وهذا شأن الدنيا، وهذا … إلخ]!، فمتى يمكن أن نصحوا، فنفهم أنما نحن فيه إنما هو نتيجة لتفريط حصل منا كمسلمين، حصل منا كعرب، حصل منا كزيدية، حصل منا كأهل بيت النبوة؟!.
أنا أعتقد – حقيقة من خلال تأملاتي – أننا في وضعية يجب أن نرجع فيها إلى الله سبحانه وتعالى فنتوب توبة صادقة، نتوب إلى الله جميعاً، نتوب إلى الله جميعاً من أننا فرطنا، من أننا قصرنا، من أننا أهملنا، من أننا أضعنا.
وحتى نعرف الموضوع أكثر، الله سبحانه وتعالى ألم يبعث محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) رسولاً للعالمين؟ رسولاًً للعالمين، وأنزل القرآن الكريم كتاباً للناس جميعاً، هدى للعالمين؟.
أين بعث رسول الله؟ ألم يبعث في البلاد العربية في مكة؟ ألم ينزل القرآن بلغة العرب؟ ألم يكن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) عربياً؟ إذاً بالتأكيد أن من يقع على عاتقهم مسؤولية أن يكون الرسول للعالمين جميعاً فتصل دعوته إلى أقصى الدنيا، هم من يقع على عاتقهم مسؤولية أن يصل نور القرآن الكريم، وهديه إلى مختلف بقاع الدنيا، هم العرب، هم العرب في البداية أليس كذلك؟.
ثم نجد أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) جعل قيادة لهذه الأمة، تهديها، وتقودها نحو هذه الحركة، تتمثل في أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أليست هذه عقيدتنا؟ فمعنى ذلك ماذا؟ أن مسؤولية أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ومسؤولية العرب جميعاً هي: أن يتحركوا بنور الإسلام، برسالة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى الدنيا كلها؛ لأنه بعد أن فسد بنو إسرائيل، وبعد أن انطلقوا يحرفون كتب الله، وبعد أن انطلقوا يسعون في الأرض فساداً، ألم ينزع الله ذلك الدور المهم من أيديهم ليضعه في يد العرب، في يد محمد وآل محمد، وبيد العرب؟.
{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} (النساء54) وهو يتحدث عن اليهود بأنهم حسدوا العرب بعد أن نزع منهم الملك، والكتاب، والحكم، والنبوة، ووراثة الكتاب، ومنحها للعرب، وجعلها في محمد وآل محمد، أو تحت قيادة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وآل محمد.
ماذا يعني هذا؟ إنه يقول في القرآن الكريم إن اليهود مفسدون، وسيسعون في الأرض فساداً، وتحدث كثيراً عنهم. إذاً فواجبكم أنتم، من جعلكم الله بدلاً عن بني إسرائيل هو: أن تتحركوا حتى تحولوا دون أن ينتشر فساد بني إسرائيل في الأرض كلها، أن تسبقوهم أنتم، أن نسبقهم نحن إلى البشرية؛ لنوصل هذا الدين، ونوصل هذا النور، ونوصل هذا الهدى إلى البشرية كلها؛ لنحول دون أن نفسح المجال لليهود الذين حكى عنهم أنهم يسعون في الأرض فساداً، فيكونون هم من يسبقونا إلى البشرية فيملأوا الأرض فساداً.
ما الذي حصل؟ أليس هذا شرف عظيم للعرب؟ ألم يُمنح العرب أكثر، وأعظم مما مُنح بنو إسرائيل؟ منحهم في لحظة واحدة أكثر مما مَنح بني إسرائيل, كتاباً هو مهيمن على الكتب كلها، بين أيديهم، وبلغتهم، يحملون رسالته، ونبي هو سيد الرسل، وخاتم الرسل، ودينه أعظم الديانات، للدنيا إلى نهاية أيامها، وإلى آخر أيامها، أليس هذا أعظم مما آتى بني إسرائيل؟.
إنه شرف عظيم، شرف عظيم للعرب، شرف عظيم لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) شرف عظيم لآل محمد، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}(الزخرف44) شرف عظيم أن كان الإسلام بكتابه، ونبيه نزل بلغتنا، وبعث بين أظهرنا، ومن أنفسنا، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}(آل عمران110) كنتم أيها العرب – وإن كان البعض يفسرها بالنسبة للمهاجرين، عندما انطلقوا إلى المدينة – هي جاءت بعد الحديث عن آيات حول بني إسرائيل وهو يتحدث عن تأهيل المؤمنين ليكونوا في مستوى المواجهة، يذكِّرهم بمسؤوليتهم أنها مسؤولية عالمية: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أخرجت للناس جميعاً.
فنحن عندما فرطنا كعرب في هذا الشرف العظيم، عندما فرطنا كعرب في هذا الرسالة العظيمة التي كان المراد أن نكون نحن من نحمل شرف حملها إلى الآخرين في مختلف بقاع الدنيا، وعندما فرطنا نحن من نسمي أنفسنا صفوة هذه الأمة، الزيدية، وعندما فرطنا نحن من نسمي أنفسنا نحن عترة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، نحن فرطنا في مسؤولية كبيرة، أتاحت الفرصة لليهود أن يتحركوا هم، وبمختلف الفئات الضالة والمضلة في هذه الدنيا، أن تتحرك هي فتمتلئ الدنيا فساداً، وظلماً، ويكون الباطل هو الذي يسود، ويكون الفساد هو الذي يحكم، وهو الذي ينتشر، وهو الذي يمتلك القوة، ويمتلك الهيمنة.
أنا أعتقد أنه لولا أن هناك مسؤولية جسيمة جداً علينا أدى التفريط فيها إلى أن يصبح التفريط ذلك جريمة أعظم مما عليه الآخرون لما استحقينا أن نكون تحت أقدام من قد ضربت عليهم الذلة والمسكنة. أليس العرب الآن أذل من اليهود؟ أليس العرب الآن أذل من النصارى؟ أولسنا نحن الزيدية، ونحن أهل البيت أذل العرب؟ حقيقة.
عندما نتأمل نجد أنفسنا في وضعية سيئة ومخزية لماذا؟ لأننا فرطنا في مسؤولية كبيرة، فرطنا في شرف عظيم، أعرضنا، أهملنا، اعتمدنا على قواعد معينة أبعدتنا عن كتاب الله سبحانه وتعالى فبدا كل شيء أمامنا مستحيلاً، أصبحت نظرتنا إلى الله سبحانه وتعالى نظرة قاصرة، ونحن نسمي أنفسنا طلاب علم، ونقول نحن عندما نتجه لطلب العلم فهناك فنون معينة، فن أصول الدين؛ لنعرف من خلاله الله، أليس كذلك؟ فن أصول الفقه، وفن العربية؛ لنعرف من خلالها القرآن الكريم!.
من يعرف الله سبحانه وتعالى – من خلال القرآن الكريم – لن يجد أن هناك شيئاً مستحيلاً، يجد أن الله سبحانه وتعالى يهيئ، أن الله وعد وعوداً صادقة، أن الله منح نعمة عظيمة هي نعمة الهداية، أن الله منح شرفاً عظيماً نحن ضيعناه، ألسنا ننظر إلى أي عمل نريد أن نعمله بأنه من ضمن المستحيلات؟ لأننا لم نعرف الله سبحانه وتعالى.
نحن نقرأ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} في أول كل سورة، ألسنا نقرأها؟ نحن نقرأ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} في كل سورة، وكل سورة داخلها الكثير، الكثير من التوجيهات والأحكام، والأوامر، والنواهي، إنها تقول لنا: إن الهدي من الله سبحانه وتعالى، وهو يوجهنا إلى ما فيه هدايتنا، إن تلك الأحكام، إن تلك التي نسميها تكاليف، إنها كلها منطلقة منه سبحانه وتعالى باعتباره الرحمن الرحيم.
نقرأ سورة [الفاتحة]، نقرأ فيها الرحمن الرحيم مكرراً مرتين، مع أنها السورة التي تبدو وكأنها خلاصة القرآن الكريم، وكأنها خلاصة للأسس المهمة في القرآن الكريم، {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}(الفاتحة!-3) ألم تتكرر مرتين في هذه السورة؛ لأننا لا نعرف، لا نفهم، أو لا نحاول أن نفهم أن كلما طلب الله سبحانه وتعالى منا، أو كلما أمرنا به أنه منطلق من كونه رحيم، ومن كونه رحمن رحيم بنا، وأن من شأن الرحيم إذا ما كلف بشيء، إذا ما أمر بشيء فإنه يعمل كل ما يمكن من أجل أن نصل إليه بسهولة.
{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} إن ربوبية الله سبحانه وتعالى كلها تقوم على أساس أنه رحمن رحيم، ومن ربوبيته تدبيره لشؤوننا، ومن ربوبيته سبحانه وتعالى تشريعه لنا، كلها منطلقة من أنه رحمن رحيم.
فمن يتأمل القرآن الكريم لا يجد أن هناك أي تشريع من تشريعات الله سبحانه وتعالى على هذا النحو الذي ننظر إليه، ضمن قائمة المستحيلات، وسنجـد أيضـاً أنـه كـم يهيـئ الله سبحانه وتعالى من أشياء كثيرة تدفعنا – باعتباره رحيم – إلى أن نصل إلى تنفيذ ما طلب منا أن ننطلق فيه، إلى أن نقوم بأداء ما كلفنا أن نؤديه.
أليس الجهاد في سبيل الله عندنا في قائمة المستحيلات؟ أليست الوحدة في قائمة المستحيلات؟ لماذا؟ هل يجوز على الله سبحانه وتعالى، إذا كنا طلاب علم، ومن قواعدنا، من قواعد أصولنا: أن الله لا يكلف ما لا يطاق، أليست هذه من قواعدنا؟ لا يكلف ما لا يطاق، وأنه قال في القرآن الكريم: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة286) كيف يجوز لنا أن نصبح في واقعنا نرى شيئاً، أو نرى أمراً من أهم مبادئ دينه، ضمن قائمة المستحيلات!.
هل أنه في واقعه هكذا؟ أم أننا نحن الذين لا نفهم، لا نفهم منهجية تشريع الله سبحانه وتعالى، – إن صحت هذه العبارة – أو لا نفهم أن تشريعه كله يقوم على أساس أنه رحمن رحيم، بحيث نقول: هو عند ما يكلفنا بأمر كهذا فلا بد أنه قد أحاطه بمجموعة من الأشياء في عالم التشريع تهيئ تلقائياً إلى الوصول إليه، وأنه أيضاً من جانبه سبحانه وتعالى سيتكفل بتهيئة الأجواء من أجل أن يصل الناس إليه، وأنه سبحانه وتعالى أيضاً سيقف من جانبه مع من ينطلق في هذا الميدان.
إن كل هـذه الثلاثة الأشياء من خلال القرآن الكريم، من يتأمل القرآن الكريم كلها متوفرة، كلها متوفرة، {إِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}(هود123) {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}(آل عمران109) جاءت هذه الآية بعد آية التوحد، والتي جاءت في إطار الحديث عن أهل الكتاب، قال الله سبحانه وتعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ}(آل عمران108) آيات الله معناها حقائق، لا ينبغي أن تتذكر أن معنى الآية هو ما بين الدائرتين، أو الرقمين، آيات معناها حقائق، حقائق واقعية، ما وعد به هو حقيقة لا تتخلف، ما أخبر عنه أنه سيحدث من جانب أعدائك، أو أن أعداءك عليه، أو أنك ستصبح عليه هو حقيقة لا تتخلف.
{تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} ألم تأت هذه بعد أن أمر بالتوحد، بعد أن أمر بالإعتصام بحبله جميعاً، بعد أن نهى عن التفرق؟ بعد أن جاء هذا كله في إطار التخويف من أهل الكتاب؟.
مناسب أن نقرأ الآيات من أولها عندما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران100) أليست هذه واحدة؟ أي أنكم في حالة مواجهة مع أعداء هم أهل الكتاب، وأعداء يعملون بكل جد واجتهاد على أن يطوعوكم، حتى تكفروا طوعاً، تكفرون طوعاً، من حيث تشعرون أو لا تشعرون.
{يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} أليس هذا إنذار عن خطورة بالغة يمكن أن يصل إليها المؤمن، أن يرتد بعد إيمانه كافراً.. من يفهم أن قضية الكفر قضية خطيرة سيرى أن الله حذر من شيء خطير جداً، من يدرك أن الإيمان والهداية من الله هي أعظم النعم على الإنسان سيرى أن الله سبحانه وتعالى حذر من أنك قد تتعرض، وعلى يد هؤلاء لفوات الإيمان، فترتد بعد إيمانك.
الذي يشعر بأن هذه خسارة عظيمة هو من يعرف قيمة الإيمان، هو من يعرف نعمة الإيمان، من يعرف أن الإرتداد إلى حالة الكفر خسارة كبيرة، هو من يعرف فضاعة الكفر في هذه الحياة، وفضاعة المصير في الآخرة.
{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (آل عمران101) لاحظوا {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} أليس القرآن الكريم في أوساط المسلمين؟ أوليس المسلمون الآن بما فيهم زعماؤهم في حالة طاعة مطلقة لليهود والنصارى؟ في حالة طاعة مطلقة، كيف أصبحتم على هذا النحو وأنتم تتلى عليكم آيات الله؟ هم كمثلنا نتلوا آيات الله، وتتلى علينا آيات الله، ولكنها تمر مرور الكرام على مسامعنا، لا نهتدي بها بالشكل المطلوب، فنتعرض نحن إلى حالة، أنا أعتقد أننا في حالة ذلة، وخزي أعظم مما عليه بنو إسرائيل.
وقد قلت في محاضرة سابقة: أننا نحن, خاصة من يقولون أنهم آل محمد عليهم أن يرجعوا إلى القرآن الكريم؛ ليفهموا أن الله بعد أن فضل بني إسرائيل، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين، وقال عنهم: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(الدخان32).
كم نملك نحن في القرآن؟ نملك آية المودة، أليس كذلك؟ نملك آية التطهير.. لقد جاء الحديث عن بني إسرائيل أكثر مما جاء عن آل محمد، ولولا أنها سنة إلهية أن يكون آل محمد ورثة لكتاب الله لقلنا: أن آل محمد لم يمتلكوا ما امتلكه بنو إسرائيل؛ ولهذا نحن ندعو لآل محمد أن يُمنحوا ما منحه الله آل إبراهيم، أليس كذلك؟ عندما نقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، ثم نرى هؤلاء الذين قال عنهم: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} نراهم يقول عنهم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ}(آل عمران112).
هل كفر بنو إسرائيل بالتوراة أنها ليست من الله؟ هل كفروا بكلمة واحدة أنها ليست من الله؟ أم أن كفرهم إنما كان بشكل رفض؟ بشكل رفض، وتمرد على أوامر معينة، توجيهات معينة يبيعونها بثمن قليل! كما قال عنهم في آيات أخرى: {وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} تلك الذلة، ذلك الخزي، تلك المسكنة، ذلك الغضب {بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}، وإن كانوا قد اختارهم على العالمين.
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}(البقرة47) ألم يأت هذا كثيراً في القرآن الكريم، ثم يقول: إن ذلك الذي جاء نسفاً لذلك التفضيل الذي هم عليه إنما كان بسبب عصيانهم، واعتدائهم، تمردوا على أوامر الله، فرطوا في مسؤوليتهم، أليست مسؤولية؟ أليس التفضيل مسؤولية؟ تفضيل بني إسرائيل كان مقترناً بمسؤولية، مسؤولية وراثة الكتاب {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً}(آل عمران187).
عندما فرطوا في المسؤولية استحقوا أن يضرب عليهم الذلة والمسكنة، وأن يكون كل فساد في هذه الدنيا هم وراءه؛ لأنهم فرطوا في المسؤولية.. كذلك آل محمد.. كذلك الزيدية.. كذلك العرب.. عندما نفرط في المسؤولية، وعندما فرطوا في المسؤولية فعلاً أصبحنا في حالة ذلة وخزي ومسكنة أعظم مما فيه بنو إسرائيل، بدليل أننا نجدهم في هذه الدنيا، نجد أنفسنا تحت رحمتهم، ونجد أنفسنا أذلاء مساكين أمامهم! أليس هذا شيء ملموس؟ هذا شيء ملموس.
عندما يقول: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}(آل عمران112) من عصى واعتدى، عندما يعصي العرب – ومن أكبر العصيان: التفريط في المسؤولية التي يتوقف عليها نجاة البشرية – لا بد أن يُذلوا.
ولاحظ أليس كل زعيم عربي ترتعد فرائصه؟ ألم يسارعوا كلهم إلى الإستجابة لأمريكا؟ ويمنحونها الموافقة على أن تقود التحالف الدولي ضد الإرهاب؟! ألم يصبح كل زعيم عربي مستعداً أن يجند نفسه لما تطلب منه أمريكا؟ أن يسلِّم هذا، أو هذا من أبناء وطنه؟!. ما هذه؟ أليست هذه حالة ذلة وخزي؟ حالة استضعاف؟ مع أنهم يمتلكون العدد والعدة، ويمتلكون الثروات الهائلة! لكن إذا ما كانت الأشياء على هذا النحو لا تنفع لا عدد، ولا عدة، إذا ما كان هناك ذلة، إذا ما كان هناك خزي، إذا ما كانت هناك مسكنة قد ضربت على الناس، فإنهم سيكونون على هذا النحو.
نكمل الآيات: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (آل عمران101) تعتصم بالله، نحن نفقد مصداقية الإعتصام بالله؛ لأن ثقتنا بالله ضعيفة، ثقتنا بالله ضعيفة بدليل أن كل ما ضربه من أمثلة في أنه يرعى أولياءه، في أنه لا يضيع أولياءه، في أنه يفي بوعده، كلما وعد به أولياءه من النصر، لا نثق بذلك! عندما يقول سبحانه وتعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد7) {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج40).
أليست هذه وعوداً؟ ألم يقل عن اليهود والنصارى بعد أن تحدث في هذه الآيات فيما هو تأهيل للأمة، للعرب، تأهيل ليكونوا بمستوى مواجهتهم، قال بعد، أخبرنا عن واقع أولئك كيف سيكون: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}(آل عمران111).
هل هناك أعظم هداية من هذه الهداية؟ أن يؤهلك، ويعدك بالوقوف معك، يعدك بالنصر، وهو الذي قال: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفتح4) ثم يخبرك عن واقع عدوك كيف سيكون، لا أحد يمتلك، أمريكا نفسها لا تمتلك شيئاً من هذا.. أليست المخابرات الأمريكية واسعة؟ لكن من هو ذلك الخبير داخل هذا الجهاز يستطيع أن يتنبأ عن العدو الفلاني لأمريكا لن يضرها إلا أذى، وإن يقاتلها سيولي الأدبار ثم لا ينصرون، هل أحد يستطيع؟ لا أحد يستطيع، ومع ذلك نراهم ينطلقون وراء الإحتمالات، لكننا نحن نضيع الوعود القاطعة، هو يقول: أيها المسلمون، أو أيها العرب، أو أنتم يا من تنطلقون على هذا النحو الذي رسمه لمن يريدون أن يؤهلوا أنفسهم؛ ليكونوا بمستوى المواجهة فإن أولئك سيكونون على هذا النحو: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}.
مصداق هذه تحقق في لبنان على يد حزب الله، على يد مجموعة قليلة من المسلمين، من الشيعة، آمنوا بمثل هذه الوعود، فرأوا فعلاً مصاديقها في حياتهم، رأوا مصاديقها في مواجهتهم لذلك العدو، لليهود {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} واستعرضوا أنتم عمليات حزب الله في مواجهة إسرائيل، وما لمسوه هم من أشياء عجيبة، كلها تشهد بصدق وعد الله سبحانه وتعالى لمن يعتصم به فيصدق وعوده، ويثق به.
نحن نقرأ الآيات الكثيرة التي فيها جهاد ولكن كأن الله طلب منا أن نجاهد ثم لم يعمل شيئاً ليجعلنا بمستوى أن نجاهد، ولم يعدنا بشيء! هو وعد – كما قلنا من خلال هذه الآيات – وعد بأن ينصر، ووعد بأن يهيئ الأجواء أيضاً، ومتغيرات، متغيرات أمور، ووعد أيضاً بأن يكون العدو على هذه الحالة التي يصبح فيها غير قادر أن يمسك إلا بما هو أذى {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}.
نحن نقرأ هذه الأشياء لكن في واقعنا كأنها مسؤولية الآخرين! هذه الآيات التي نقرأها في سورة [آل عمران] هل تعنينا أو لا تعنينا؟ عندما يقول بعدها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}(آل عمران102) جاءت بعد هذه الآية: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(آل عمران101).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوْتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُوْنَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران103) يبين لكم هذه الحقائق: أن الأشياء لا بد أن تتوفر لديكم لتهتدوا فتكونوا بمستوى أن تواجهوا أعداءكم، أولئك الذين يعملون جاهدين على أن يردوكم بعد إيمانكم كافرين.. إذا كنتم يهمكم هذا الأمر، ويؤلمكم ويحزنكم أن ترتدوا بعد إيمانكم كافرين فهنا الهداية {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى ما يجعلكم بمستوى مواجهتهم.
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(آل عمران104- 105) ثم قال بعد: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (آل عمران106- 107)، ثم قال ماذا؟ {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ}(آل عمران108) لأنه يهمنا أمركم، لا نريد أن تُظلموا، لا نريد أن ترتدوا بعد إيمانكم كافرين، لا أريد أن تضطهدوا؛ لأنه قال: {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} نحن نستخدمها في مجال الاستدلال على جانب العدل.
{تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} الذي لا يتخلف ولا ريب فيه {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} فلذلك يهدي، يهدي هذه الفئة لتنطلق لأن لا تظلم، وهي عندما تهتدي، وتنهض بمسؤوليتها ستحقق للعالم العدل؛ لأن الله لا يريد ظلماً للعالمين جميعاً.
فعندما فرطنا ظُلمنا، وظُلم العالم كله بسبب تفريطنا؛ لأنه عندما تمكن بنو إسرائيل، وتمكنت الفئات الأخرى، ألم يسد الظلم؟ ألم يسد الفساد؟ عندما يقول لك في القرآن الكريم: أنه يريد أن يظهر دينه على الدين كله، وأنه دين للناس جميعاً، أليس يعني أن ذلك من الطبيعي أن يكون بواسطة العرب أنفسهم؟.
فنحن أضعنا مسؤولية ظُلمنا بسببها على الرغم من أن الله لا يريد ظلمنا، وظلم العالم كله بسبب تفريطنا، مع أن الله لا يريد ظلماً للعالمين، فإذا كان لا يريد ظلماً للعالمين، أي: هو يريد العدل، يريد لكم الأمن، يريد لكم السلام، لكن إنما كان ذلك سيتحقق إذا ما نهض العرب بمسؤوليتهم.
هذا مظهر من مظاهر رحمته: أنه يهدينا؛ لأنه لا يريد ظلماً للعالمين، ثم قال بعد؛ ليفهم الناس أنه عندما يأمرهم ليكونوا بمستوى المواجهة، عندما يجعلوا من أنفسهم أمة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر هو مجال واسع جداً. يقول: {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}(آل عمران109) أليس هذا يبعث الأمل؟ أنا عندما آمركم، عندما أهديكم، كأنه يقول لنا هكذا: أنا من بيدي ملك السموات والأرض، وبيدي الأمور كلها، أستطيع أن أصنع المتغيرات، أستطيع أن أهيئ الأجواء، أستطيع أن أجند كلما هو من جندي في ماذا؟ في تأييدكم، وفي الوقوف معكم.
{وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم}(آل عمران110) ألم يذكِّرنا بالمسؤولية؟ لأن أهل الكتاب فرطوا {مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}، {لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم} فأنتم إذاً الأمة البديلة لبني إسرائيل، لأهل الكتاب، أخرجتم لتكونوا أمة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر في أوساط الناس جميعاً {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.
ما العلاقة بين أن يقول: {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} وبين ما قبلها، وبين ما بعدها؟ أليس هذا إشارة إلى أنه سبحانه وتعالى يهيئ؟ لكننا أصبحنا لا ننظر إلى موضوع جهاد، أو موضوع أمر بمعروف، أو نهي عن منكر إلا باعتبارها مفردات تشريع ليس حولها أي شيء، وننسى أن التشريع من الله سبحانه وتعالى يقوم على أساس أنه رحمن رحيم، وأنه حكيم، وأنه ملك بيده السموات والأرض، ومن الطبيعي أن رحمته تقتضي أنه متى ما كلفنا بشيء وإن بدا شاقاً أمامنا فإنه يحيطه بكل الأشياء التي تجعله سهلاً، وتجعله ممكناً.
فنحن إذاً – كما قلت سابقاً – إذا ما رجعنا إلى كتاب الله الكريم، وهذا ما أريده منا جميعاً في هذه الجلسة، وهو ما كنت أريد أن يكون هو موضوع هذه الجلسة هو: أن يكون هناك عودة صادقة من جانبنا إلى القرآن الكريم، نتأمله جيداً، ونتدبر آياته، نتدبر آياته، نتأملها، ونقرأ الأحداث من خلالها، ونقرأها ونحن نحمل الأحداث لنعرضها على القرآن الكريم، من أجل أن نهتدي بالقرآن الكريم، وسنعرف في الأخير، نعرف وضعنا الذي نحن فيه، ذلك الوضع الذي نجعله أمراً طبيعياً بالنسبة للدنيا نقول: [هذا حال الدنيا]! ليست هذه حال الدنيا، هذا هو حال المقصرين، هذا هو حال المفرطين، هذا هو حال العاصين.
ألسنا نعيش حالة من الخزي؟! لاحظوا نحن الزيدية حتى تعرفوا بأننا… العرب تحت أقدام اليهود والنصارى، أوليست العرب سنية؟ ونحن الزيدية أذل العرب! أليس كذلك؟ لماذا؟ لأننا من نقول – وفعلاً وهو قول صحيح – : أننا أهل الحق. إذاً فأنت، أنت من أنت في واقعك مؤهل لأن تحظى بنصر الله، وتأييده, فتكون أنت من تنهض بالحق والمسؤولية عليك أكبر، المسؤولية عليك أكبر، فتفريطنا كان أسوأ من تفريط العرب جميعاً.
ألسنا نرى الوهابيين هنا أقوياء علينا؟ وكلنا نرى أنفسنا ضعافاً، وأذلاء في مساجدنا، ومدارسنا! هذا شيء ملموس، شيء ملموس حتى بعد الوحدة، بعد أن جاءت الديمقراطية، وبعد أن قيل حرية تعبير، وبعد أن قيل حرية رأي، وبعد أن قيل حرية تحزب.
كلنا نرى الشيء هذا ملحوظاً؟ وقد ربما يكون الكثير منكم يلاحظ هذا، كلنا نرى الوهابي الذي هو غريب فيما يطرحه، وقد يكون غريباً حتى بالنسبة للبلد، قد يكون جاء من أفغانستان، أو من مصر، فنراه عزيزاً علينا، وقوياً علينا، يتكلم بملء فمه في محاريبنا، يهاجموننا، يهاجمون أئمتنا، يهاجمون معتقداتنا بكل جرأة، ونحن نلمس أننا نعيش حالة من الضعف كلنا جميعاً، علماؤنا، وجهاؤنا، متعلمون، طلاب نعيش حالة من الضعف!.
أليس هذا الوضع ملموسا؟ ملموس هذا في معظم مناطق الزيدية، ما هذا؟ قالوا: هناك حرية تعبير، قالوا: هناك حرية تحزب؟ هناك… لكننا لم نستطع أن نرتقي! هل نحن ارتقينا، أم نحن لا نزال على الوضعية السابقة؟ لم نرتق! هناك شيء.. يجب علينا أن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى، ونتوب إليه، ونطلب منه أن يغفر ماضينا، ونقطع معه عهداً أن نفي بما عهد إلينا به من خلال القرآن الكريم.
ثم الشيء الخطير هو: أننا على الرغم من هذه الحالة السيئة، الكثير منا وهو يتعبد، ونظن أننا كلنا نسير على طريق الجنة، [وهذه دنيا، وهذا حال الدنيا، وبلاوي، ومصايب، وأهل الحق يكونون هكذا! وأننا سائرون في طريق الجنة!] فننتظر بعد هذه الحالة رفيع الدرجات في الجنة، والنعيم المقيم في الجنة! ليس هذا صحيحاً فيما أعتقد.
وعودوا أنتم إلى القرآن الكريم بتأمل وهو يتحدث عن بني إسرائيل، وهم مثل أعلى بالنسبة لنا، مثل في كل المجالات، يصدق علينا ما صدق عليهم، وما عُرض من أحوالهم هو عبرة لنا كان يقول كثيرا: {لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ}(المائدة33) نعيم مقيم وِالاّ ماذا؟ {عَذَابٌ عَظِيمٌ} في أكثر من آية.
يربط بين الخزي والشقاء في الدنيا وبين الشقاء والعذاب في الآخرة، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ – أين؟ مع المتقين أو أين؟! – وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}(طه126) نحن ننسى آيات الله، نحن ننسى آيات الله، تلك الآيات التي فيها وعود عظيمة، تلك الآيات التي فيها وعود بأن الله يقف مع من ينصره، وينصر دينه، وعود بأنه يهيئ الأجواء، وعود بأنه سيضرب العدو قبل أن تضربه أنت: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}(الأنفال17) هدايات واسعة جداً في القرآن الكريم تؤهل الناس بالشكل الذي ترى كل شيء أمامك يسيراً، بالشكل الذي يرى الناس أن كل مستحيل يسير لو نعود إلى القرآن الكريم.
لكننا ننسى آيات الله، ونتعلم علوماً، وننشغل بقواعد تؤثر على فطرتنا، وتبعدنا عن الإهتداء بالقرآن الكريم! فهل يتوقع الناس، هل نتوقع بعد هذا الخزي، بعد هذه الذلة، بعد هذه الضعة، بعد هذه المعيشة الضنكا، أوليس الناس في معيشة ضنكا؟ هل نتوقع نعيم مقيم, ودرجات العالية؟! نستعرض هذه الحالة على القرآن الكريم، كلنا نجد أنه يربط بين العزة هنا وبين العزة في الآخرة، بين الكرامة هنا وبين الكرامة في الآخرة، بين العلو على أساس دينه هنا وبين العلو في الآخرة، ويربط بين الشقاء والذلة والخزي هنا وبين الذلة والخزي في الآخرة.
لكننا نحن نقول بالمقلوب: [هذا حال الدنيا، وأهل الحق يكونون هكذا، والدنيا هكذا]! ما كلنا نقول هذه؟ وأطيبنا هو من يحمِّل الدنيا هذه الوضعية السيئة، أكثرنا تقوى هو من يتجه ليحمِّل الدنيا المسؤولية! هو يحمِّل الله المسؤولية أنه طبع الدنيا على هذا النحو!.
نرجع إلى القرآن الكريم، هل فعلاً هذه حقيقة، أنه طبع الدنيا على هذا النحو، أم أنه قال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم41) {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}(الشورى30)؟ ألم يتحدث بأن الدنيا، كل ما يحدث فيها مما هو ليس طبيعي: فساد، منكر، إذلال، خزي، هو من عمل الناس، من عمل المجرمين ضد الآخرين، ومن عمل المؤمنين هم بتقصيرهم، في تقصيرهم، تقصير يؤدي إلى هذه الحالة: {لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(البقرة114).
فنحن عندما نكون طلاب علم يجب أن نهتم اهتماماً كبيراً بالقرآن الكريم، وننظر إليه نظرة من تهمه هذه الأوضاع التي نعيش فيها، وأن نعرض هذه المشاعر التي لدينا مشاعر مغلوطة [بأن هذا حال الدنيا]، مما قد يوحي للبعض، أو قد يكون ممن يرى نفسه مؤمناً، يوحي له بأنه [أيام معدودة، نصبر عليها، ثم في الآخرة – إن شاء الله – ننتقل إلى العزة والكرامة والرفعة والنعيم المقيم في الجنة]! كلنا نظن هذا جميعا، وكلنا نقول هذه جميعاً!.
وعندما يتأمل الإنسان القرآن الكريم بشكل حقيقي يرى أن هذه ليست حقيقة: أنك تكون في الدنيا تعيش حالة خزي، وذلة، وتنتظر في الآخرة رفعة، وعلواً، ونعيماً مقيماً. ثم هل ما يصيب المؤمنين وهم في حال المواجهة، هل هو يعد من الخزي، والذلة؟ لا يعد أبداً؛ لأنك عندما تنطلق في ميدان المواجهة في سبيل الله، وضد أعداء الله، تعيش حالة من الارتياح فيما أنت عليه، وما يصيبك من عناء، ما يصيبك من تعب ليس معدوداً في قائمة الذلة، وليس معدوداً في قائمة الخزي في القرآن الكريم أبداً، معدودة كلها أعمال صالحة، تعد كلها أعمال صالحة، ويكون من هو منطلق في هذا الميدان في سبيل الله، ومن أجل الله يعدها كلها أعمال صالحة، لا يشعر أنها خزي، ولا يشعر أنها ذلة.
لكن عندما يكون الناس قاعدين، لا يقفون أي موقف، ويرون أنفسهم في وضعية كهذه فإن هذه هي الخزي، وهذه هي الذلة، لا مخرج لنا فيما أعتقد، فيما أعتقد، لا مخرج لنا إلا بأن نعود إلى الله سبحانه وتعالى، وأن ينهض الناس بمسؤوليتهم في مواجهة اليهود والنصارى، ينهض الناس لمواجهة اليهود والنصارى، وأولياء اليهود والنصارى، وكل من يقف معهم، ولنجرب الله سبحانه وتعالى، على أساس ما وعد في كتابه، وإلا فلنفهم أننا سنعيش أخزى العرب، نحن الزيدية، ونحن أهل البيت، في هذا البلد سنعيش حالة هي أشد مما يعيشه بقية العرب.
أولسنا الآن عندما نقيِّم واقعنا، نحن حتى فيما يتعلق بالوسائل لا نمتلك أي شيء من الوسائل، أليس السنة يمتلكون أشياء كثيرة؟ الزيدية هي الطائفة التي لا تمتلك شيئاً، ليس لدينا إذاعة، ولا قناة فضائية، ولا مطبعة، ولا مراكز علمية، ولا جامعات، ولا دور نشر، ولا شيء.. هل نمتلك شيئاً؟ لا نمتلك أي شيء من الإمكانيات! بينما الآخرون من يمتلكون أشياء أخرى.
إذا لم ننتبه لأنفسنا – أيها الإخوة – إذا لم ننتبه لأنفسنا فيحتمل أن نكون من أشد الناس معاناة في المستقبل، في هذه الأحداث بالذات، وقد رأينا بأم أعيننا كيف أن الأمريكيين دخلوا اليمن، وسمعنا جميعاً أن الأمريكيين دخلوا اليمن، وأن هناك حملة إعلامية ضد اليمن، تهيئ الرأي العام لتقبل أن يفد إلى اليمن الأمريكيون بشكل جنود، وقد دخلوا فعلاً اليمن.
عندما يدخلون اليمن ماذا نتوقع؟ هم يقولون بأنه من أجل مساعدة الحكومة في مكافحة الإرهابيين! كم يوجد في اليمن إرهابيين؟ ألم يدخل اليمن في حرب في عام 94؟ هل احتاج اليمنيون إلى مدربين؟ أو احتاجوا إلى مساعدين من أطراف أخرى؟ أما الآن فلماذا بعد أن قال الرئيس: هناك ثلاثة إرهابيين فقط عند بعض القبائل نحتاج إلى مساعدة من أمريكا، وتدخل فرق من الجيش الأمريكي إلى اليمن لمساعدتنا في مكافحة الإرهابيين؟! كلها تبريرات.
ثم نحن قد نقول، نحن الزيدية رأينا أن الإرهابيين يقال عنهم هم الوهابيون! الإرهابيون الحقيقيون لدى أمريكا، ولدى اليهود هم الزيود، وليس الوهابيون، هم الشيعة، إن العدو الحقيقي لليهود هم الشيعة، هم أهل البيت وشيعتهم، وليس الآخرون، فما جرى على أولئك سيجري علينا، وإن كنا ساكتين نغمض أعيننا.
أولم تسمعوا أنتم أن العبارة التي رددت عندما جاءت زيارة لوفد أمريكي من وزارة الدفاع، حوار حول التعاون، ومساعدة أمريكا لليمن في مكافحة الإرهاب، ومنابع الإرهاب، وجذور الإرهاب! هذه العبارات هل هي عبارات عادية عند الأمريكيين؟ هي عبارات عندنا أيضاً عادية، لا تثيرنا، ولا تثير مشاعرنا، ولا تثير اهتمامنا عندما نسمع منهم: منابع الإرهاب، وجذور الإرهاب؟!.
الفكر الزيدي في قائمة منابع الإرهاب، القرآن الكريم في قائمة منابع الإرهاب، رسول الله إرهابي، أهل بيته هم أهل بيت الإرهاب، قرناء القرآن هم قرناء لكتاب إرهابي، مراكزنا إذاً تكون إرهابية، مدارسنا إرهابية، حلقات الدرس في بيوتنا، ومساجدنا إرهابية، كتبنا إرهابية لديهم.. هذه العبارة ليست عادية. إذا ما سمحنا بأن تمر الأشياء على هذا النحو فسنكون أكثر من يعاني، سنكون أكثر من يتضرر حقيقة.
متى سنعمل بعد عندما نقصر في وقت يمكننا أن نصرخ فيه بما يعبر عن موقف قوي ضدهم، كما هو الآن يُرفع الشعار في مناطق أخرى، عندما نسكت عن مثل هذا، عندما نسكت عن أن يكون لنا موقف من هؤلاء في ظروف كهذه ربما في المستقبل لا نستطيع أن نعمل شيئاً؛ لأنهم الآن يحاولون أن يعمموا في اليمن أن تكون كلمة مقبولة، وأن تكون شرعية مطلقة مقبولة.
أي شخص تحت عنوان أنه إرهابي يُمسك، أي مدرسة تحت عنوان أنها إرهابية تُغلق، أي كتب تحت عنوان أنها من منابع الإرهاب تُحرق، يكون مقبولاً لدى الشعب، أوليسوا يعممون هذه لتكون مقبولة لدى الشعب كشرعية؟. قالوا إرهابي أمسِكوه؛ لأنه إرهابي، قلنا: يستاهل، قالوا: هناك إرهاب.. يعممونها، ويرددونها على أذهاننا، كما هي عادة اليهود أن يروضونا على الشيء حتى يصبح لدينا شرعياً ومقبولاً، حينها سيحصل ما يحصل، وفي الأخير لا أحد يتحرك، ولا أحد يعمل شيئاً، وحينئذٍ ربما – وهو الشيء المخيف – أنه متى ما قصر الناس فإن الله سبحانه وتعالى من جهته أيضاً يتخلى عنهم، بل يضربهم هو، وهذا الشيء المخيف، أن الناس عندما يعملون يعدهم الله بأن يقف معهم، وينصرهم، وعندما يقصرون يضربهم هو، عندما يقصرون يضربهم هو، ويضربهم العدو أيضاً فتكون في مواجهة جهتين تضربك.
لكن إذا ما عملنا، وعندما نتحدث بهذا المنطق قد نراه عملاً مستبعداً، أو نراه شيئاً لا يهمنا، لو كنا نتحدث في الماضي أن من مسؤوليتنا هذا الشيء، والأمريكيون لا يزالون في بلدانهم، وليس هناك من وجود لإسرائيل في العالم العربي لكان هو المنطق الإسلامي الصحيح، لو كنا نتحدث بهذا المنطق: أن واجبنا نحن الزيدية أن نعمل في سبيل الله، وأن ننهض بالإسلام، وإن كان الأمريكيون هناك، وأن نعمل على أن نكون نحن بدل أولئك، أوليس الأمريكيون الآن، والألمان، والفرنسيون, والبريطانيون هم المجاهدون في البحار؟ هم من يحملون السلاح، ويتحركون في هذا العالم؟!.
ألم يكن هذا هو الدور المطلوب من العرب؟ ألم يكن هذا هو الدور المطلوب من آل محمد، ومن شيعة آل محمد؟ إنه الخزي أن نكون – وهذا هو مظهر من مظاهر الخزي – أن نكون هنا في اليمن لا يحركنا شيء، ونحن نسمع أن الألمان، والفرنسيين، والبريطانيين، والأمريكيين، يخرجون كما كان يخرج أوائل المسلمين، فرق في البحار، يحملون أسلحتهم في مختلف بقاع الدنيا.
هل كان هذا هو الدور المطلوب من المسلمين؟ هل هو الدور المطلوب من العرب؟ أم أنه قد انعكست الموازين فهم في البحر الأحمر، سفن أمريكية، فرق من الجيش، وفي اليمن، وكم في مناطق أخرى في البلاد العربية!.
لو لم يكن شيء من ذلك كله لكان ما نقوله الآن هي المسؤولية الإسلامية، أن يصل الناس بالإسلام إلى هناك، أما إذا أصبحنا على هذا النحو، نرى أن حديثاً كهذا لا معنى له، ولا قيمة له، ولا هناك أي موجب أن يكون هناك تغيير في موقفنا، وأن نعمل، أن نعمل على أن نكون أصحاب موقف، ولو بأن نرفع شعاراً، ونحن قد رأيناهم غزونا إلى عقر دورنا، ونحن قد رأيناهم في سواحلنا، ونحن قد رأيناهم فرقاً تجوب البحار من مختلف المناطق، فإن ذلك هو مظهر من مظاهر الذلة، والمسكنة، فلنقر بذلك، فلنقر بذلك، وأنه التيه الذي عاشه بنو إسرائيل: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ}(المائدة26) حالة تيه، تيه نفسي, تيه فكري، مشاعرنا كلها تاهت، الخطر على أبوابنا، ونحن لا نحس بشيء، ولا نصدق ما يقال، ولا نهتم، ولا نكترث! أليس هذا هو التيه؟ هذا هو التيه.
بعد أن قال موسى لقومه: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ}(المائدة21) قالوا نفس المنطق الذي نقوله الآن، وكنا نقوله أيام حزب الحق، {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا}(المائدة24) ألم يقولوا هكذا؟ ماذا حصل؟ {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}(المائدة23) قال رجلان، ألم يعتد الله سبحانه وتعالى بقول رجلين من تلك الأمة؟ وهناك – أيضاً – في تلك الأمة عبادها، وعلماؤها، ووجهاؤها؛ لكنهم كانوا في الصف الآخر الذي يقول: {لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا}(المائدة24).
كلام رجلين وضعوا خطة لدخول تلك الأرض المقدسة التي قد كتبت لهم، وقد كتب الله للعرب في القرآن الكريم، وكتب لمحمد وآل محمد، وشيعة آل محمد في القرآن الكريم أكثر مما كتبه لبني إسرائيل.
{قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أليست هذه خطة حكيمة في الواقع العملي، وفي الواقع النفسي؟ إن كنتم مؤمنين فتوكلوا على الله، وانطلقوا في هذا العمل، رجلان قالا هذا الكلام الذي هو إيقاظ لأمة. أوليس من المفترض أن في ذلك الصف الآخر علماؤها، وفيهم عبادها، وفيهم قراؤها، في الجانب الآخر؟.
رجلان.. لم يقل: عالمان، ولم يقل: شيخان، أو وجيهان.. رجلان، لكن الرجلين لما جاءوا بخطة حكيمة، وانطلقوا ليوقظوا أولئك إلى أنه يجب عليهم أن ينطلقوا في مسؤوليتهم، وإذا كانوا مؤمنين فعليهم أن يتوكلوا على الله، هو منطق القرآن الكريم لنا، إن كنتم مؤمنين فلتتوكلوا على الله. أليس منطق القرآن بالنسبة للمؤمنين أن يتوكلوا على الله؟ وتكرر في القرآن كثيراً.
{قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} أليست هذه حالة سيئة من الرفض؟ كنا نسمع مثيلها أيام [حزب الحق] من بعض علمائنا، كنا نقول: نتحزب، هذه فرصة لنا نحن، نحن أحوج الناس إلى أن يكون لنا حزب، نحن من نحن ضائعون، وتراثنا ضائع، ومذهبنا محارب، نحن مَن مسؤوليتنا كبيرة، نحن كذا… قالوا: [ما هم راضين لنا] كانوا يقولون هكذا: [ما هم راضين لنا نتحزب] أي: ليرضوا لنا أولاً، وليمنحونا تصريحاً، وليمنحونا ضمانة بأنه لن يمسنا من جانبهم سوء، ولن يعملوا أي تحرك ضدنا، ونحن إذاً سنتحزب!.
{لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} {إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} جبارين {وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة22).
هكذا واقعنا أيضاً، الحالة التي نحن عليها هي حالة من ليس مستعداً أن يعمل شيئاً أبداً وإن كان يتعلم هذا الدين الذي كله عمل، هذا القرآن الكريم الذي كله عمل، وكله هداية، وكله وعود إلهية عظيمة، لن نعمل شيئاً إلا بعد أن ينتهي كل شر من هذه الساحة، من هذه الدنيا، فلا يكون هناك أمريكا، ولا يكون هناك إسرائيل، ولا يكون هناك أي دولة نخافها، ولا يكون هناك أي حزب نخافه، حينئذ سنعمل!.
أليس هذا منطق بني إسرائيل؟ ماذا حصل على بني إسرائيل؟ بعد أن طُلب منهم أن يدخلوا بأمر من موسى، وبعد أن عُرضت عليهم خطة حكيمة، ووعدوا بالنصر، باعتبارها قد كتبت لهم {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة262) تيه أربعين سنة.
نحن الآن ألم يكن من المفترض أن العرب هم من يكونون دخلوا سواحل أمريكا وأوربا؟ أليس هذا كان هو المفروض؟ الآن الأمريكيون هم من دخلوا سواحل اليمن، ودخلوا جبال اليمن، وفي مواقع عسكرية في اليمن.
ثم من يأتي يتحدث مع الناس أن هذا موقف خطير.. يقولون: [نحن مشغولون بطلب العلم، نحن نتعلم] إن العلم إذا لم يكن علماً يدفع إلى العمل بالقرآن الكريم فأنت لا تتعلم دين الله، وإنما تتعلم كيف تموِّت القرآن، وفق قواعد معينة، وتبحث عن مبررات، وتبحث عن حِيَل، لكن لنفترض….، الوضعية التي نحن عليها الآن ليست وضعية أن يبحث الإنسان عن مبررات إطلاقاً حتى ولو كان هناك مبررات شرعية، وضعية خطيرة، ليست وضعية أن يبحث الناس عن المبررات، ولا أن يقولوا: [نحن منشغلون بكذا أو كذا] هي وضعية يجب أن نتجه فيها لأن نتحدث دائماً مع الناس جميعاً عن خطورة المرحلة، وعن خطورة اليهود والنصارى، وعن أضرارهم ومفاسدهم، وعن كيف يجب أن نواجههم، وعن موقف نتبناه، أدناه وأقله أن نصرخ في وجوههم، ونرفع الشعار الذي قد جربوا هم مرارته.
ثم لاحظوا نحن نقول أحياناً: نحن طلاب علم، ونحن نبحث عن الهداية، نريد أن نهتدي… من يتأمل القرآن الكريم، مهما عملت من برامج روحية، مهما عملت من برامج على أساس أن تهتدي وتهدي الآخرين، إذا لم تسر على السنة الإلهية التي تحقق لك الهداية، ويمنحك الله العلم، فإنك لن تهتدي، {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}(القصص14) المحسنون قمتهم المجاهدون، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(العنكبوت69).
إذا كنا نريد العلم، ونريد الهداية، فليس ميدانها الكتب وحدها، ليس طريقها كتاب بعد كتاب، ومجلد بعد مجلد، وعام بعد عام، لا بد أن نرجع إلى القرآن؛ لنعرف أسباب العلم، وأسباب الهداية، وأسباب العلم، وأسباب الهداية مرتبطة بالعمل، هذا هو من علمنا، وثقافتنا، وهذا هو من هدانا.
أوليس من هدانا أيضاً، ومن ثقافتنا أيضا أننا نقول: نحن لا نستطيع أن نعمل شيئاً، نحن مستضعفون، ونحن مساكين… أليست هذه العبارة [هي العبارة التي نسمعها؟! مع أن الله سبحانه وتعالى يقول كما في]؟ تلك الآية التي قرأناها: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}(القصص5) وتلك الآية الأخرى التي كانت تحكي واقع صدر هذه الأمة: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ}(الأنفال26) إنه يؤكد أن المستضعفين هم محط تأييد الله ونصره إذا ما وعوا، إذا ما كانوا من ذلك النوع الذي يعرف واقعه، ذلك النوع الذي أمر الآخرين أن يجاهدوا عنهم عندما قال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ}(النساء75).
هم يفهمون واقعهم، يفهمون وضعيتهم، يرجعون إلى الله، يبحثون عن ولي من أولياء الله يعملون تحت لوائه، {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}.
هذا النوع من المستضعفين لا يضيعهم الله أبداً، وعلى أيديهم تقوم الرسالات، وعلى أيديهم يتم تغيير الدنيا، هل جاء في واقع الرسالات أن تغير الدنيا نحو الأفضل على يد المستكبرين والجبابرة، أم على يد المستضعفين؟ لكن أما إذا كان الناس المستضعفون من ذلك النوع الآخر: {قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ}(النساء97)، هؤلاء مستضعفين من نوعيتنا لا نعي شيئاً، ولا نفهم واقعنا، ولا نفهم مسؤوليتنا، ولا نفهم من أين أوتينا، مما هو مرتبط بأعدائنا، ومما هو مرتبط بثقافتنا، من هذا النوع ماذا يقال لهم؟ {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً} ألم يقل: {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}؟ وهم مستضعفون؟.
هكذا نحن متى ما قلنا: نريد أن نعمل شيئاً، نواجه بأشياء تدل على أننا لا نهتدي بالقرآن، ولا يجوز لي ولا لك أن تسمي نفسك عالماً، أو أسمي نفسي عالماً وأنا بعد لم أهتد بالقرآن، ولم أعرف كيف أهتدي بالقرآن، في أوضح الأمور وأبسطها، فيما هو متعلق بواقع الحياة، الواقع الذي أعيشه أنا، ليس أعماق القرآن، وأسرار القرآن، وغوامض القرآن.
من أين أوتينا؟ لأننا نرى أن العلم والهداية كلها تأتي من صنعنا نحن، ووفق برامج معينة، وركام من الكتب، كتاب بعد كتاب [يالله.. بطِّل.. لا تنشغل بشيء، اقرأ.. اقرأ] اقرأ واعمل برامج لكن ليكن ضمن قراءتك، وضمن برامجك هو ماذا؟ هو أن تسلك تلك الأسباب التي يمنحك الله من خلالها الحكمة، والعلم، والهدى، والنور، والفرقان بين الحق والباطل.
هذا ما يجب علينا أن نسير عليه، وما هو المطلوب منا جميعاً في ظروف كهذه هو أن نحمل روح القرآن، واهتمام القرآن، ونهتدي بالقرآن، وسنرى كيف أن باستطاعتنا أن نعمل الكثير، الكثير، وأن كل شيء يبدو أمام كل واحد منا سهلاً وممكناً.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما فيه رضاه، وأن يبصرنا، وأن يرشدنا، وأن يجعلنا من أنصار دينه، ومن الهادين إلى صراطه المستقيم، إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أيضاً نحب أن ننبه أنه في محاضرة واحدة لا يستطيع الإنسان أن يتحدث كثيراً عما يجب أن نتحدث عنه، قد تكلمنا كثيراً في أشرطة سجلت حول هذا الموضوع بالذات، من المناسب أن نطلِّع على تلك الأشرطة؛ لنعرف هل ما نريد أن نعمله هناك حاجة إليه، وهو وسيلة صحيحة، وهو وسيلة أيضاً وحيدة، وهو أيضاً أقل ما يمكن أن نعمل، أشرطة كثيرة في محاضرات في اجتماعات كبيرة في مدرسة الإمام الهادي في مران، وفي مقامات أخرى أيضاً، كدروس من خلال المراجعة للآيات التي تحدثت عن اليهود والنصارى.
مطلوب إذا كان هناك اهتمام، ولو لنستعرضها لمجرد الفضول، كما هي عادتنا أن نعرف أي شيء، ربما تفيدنا هذه، أو ربما تفيدوني أنتم، وتكشفوا لي بأن ما نتبناه خطأ، وأنه ليس عملاً صحيحاً، وأنه ليس هناك ما يوجب أن ننطلق في هذا الذي أنت تدعو إليه، أو ما تريد منا جميعاً أن نتحرك فيه، باعتبار القضية تهمنا جميعاً، وإذا ما انطلقنا على هذا النحو، أتكلم، أو أذكِّر بشيء، أو أنبه على شيء، فلا يحظى باهتمام الآخرين، ولفت نظرهم، ستبقى هذه الحالة معي ومعك أنت أيضاً.
عندما تنطلق أنت في موقف تراه مهماً، لنتذكر جميعاً، فلا نهتم، ثم الثالث هكذا فنصبح مجتمعاً لا يستطيع أحد أن يوقظنا إطلاقاً، ولا أحد أن ينبهنا، أو يلفت نظرنا إطلاقاً؛ وكل من يعمل معنا شيء يواجه بأنه [ليس هناك…، نحن مشغولون] فما يمكن أن نفترضه مع أي واحد منا هو في الأخير يعني حالة نكون عليها ونحن نحمل علماً، ونقول: نحن طلاب علم، تترسخ فينا حالة تحول بيننا وبين أن يثيرنا أحد.
ثم يكون واقعنا على هذا النحو الذي نحن عليه، نعجب بالآخرين، عندما نرى مثلاً حزب الله سنقول: أولئك رجال، عندما نرى الإيرانيين، عندما نسمع الفلسطينيين، عندما نرى مواقفاً للآخرين نقول: هؤلاء..، وننسى أننا مستهدفون كأولئك، وننسى أن بإمكاننا أن نكون رجالاً كأولئك، فيكون كل ما حولنا إما أن نعجب به مكانه فقط هناك، لا نستلهم منه أيضاً ما يحركنا، وإذا ما أحد جاء من داخلنا يحركنا أيضاً لا نتحرك، فحينئذ يكون واقعنا كما قال تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}(الجاثية6).
إذا لم يكن ما يأتي من خارج يحركك، إذا لم تكن تؤمن بأنك أنت مستهدف كما يستهدف أولئك.. أنا أقطع بأن الوهابيين في اليمن ليسوا هم المستهدفين؛ ووجدنا كبارهم لم يمسسهم سوء، هل مس كبارهم شيء؟ لم نعلم بحرب تركز على الصغار وتترك الكبار، هل وقع هذا في الدنيا؟ أم أنه عادة في الحروب إذا كانت هناك عداوات حقيقية يتجه العدو ليضرب رأس الهيكل، هيكل خصمه، أليس كذلك؟ لكن لا، الكبار لم نسمع أنه مسهم سوء، [الزنداني، وعبد الوهاب الآنسي، وصعتر، وفلان، وفلان، وفلان] هل سمعتم أنتم أنهم تعرضوا لشيء؟ ولو هناك كلام كثير حول الإرهابيين… وجدنا صغاراً خافوا واتجهوا ليحلقوا دقونهم من الوهابيين أليس كذلك؟ ورأينا الكبار في مأمن!.
ما هذه العداوة! هذه من الأشياء الغريبة، كما حصل في أفغانستان حرب لم يقتل فيها أحد من قادة طالبان، لم يقتل فيها أحد! وانكمشت طالبان، كما قلنا في حديث سابق: عند من يتأمل ربما طالبان تتحرك لتنكمش، رأينا في التلفزيون جَرْف يلاحقون فيه قيادة القاعدة، وطالبان كلهم في جَرْف، رأينا في التلفزيون؛ لتمتد طالبان في وقت آخر، وكما نسمع أن القاعدة هذه يقولون عنها أن أفرادها ينتشرون في نحو مائة وخمسين دولة، وكأنه لم تكن ضدهم حرب!.
القاعدة ما تزال أعداداً هائلة، وطالبان ما تزال أعداداً هائلة، المستهدفون هم الشيعة، ويمكن أن نستوحي ذلك من خلال القرآن الكريم، ومن خلال عمل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ومن يتأمل أيضاً في الواقع، في واقع الحرب هناك شواهد على هذه، ومن يتأمل أيضاً سيعرف أن اليهود باعتبارهم أهل دين، لديهم خبرة بالسنن الإلهية، ولديهم معرفة بالقرآن الكريم؛ لأنهم ليسوا منكرين للقرآن الكريم ألم يخبر الله عنهم بأنهم يعرفون محمداً كما يعرفون أبناءهم بأنه نبي؟.
لديهم المعرفة بأن محمداً نبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، المعرفة التي قد لا تكون عند الكثير من المسلمين وإلى هذه الدرجة العجيبة: يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، والقرآن يعرفون أنه كتاب الله؛ ولهذا قال الله عنهم ماذا؟: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}(البقرة109) فهم يعرفون الحق أين هو، ويعرفون مع من يمكن أن يقف الله سبحانه وتعالى، ويعرفون من هو الذي يمكن أن يشكل خطورة عليهم.
والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ضرب مثلاً لذلك، تحدثنا بهذا في كلام كثير في خيبر، ألم يعط الراية أبا بكر فعاد منهزماً، في فترة حصار خيبر، أعطى الراية أبا بكر فعاد منهزماً، هزمه اليهود، ثم أعطى عمر الراية فعاد منهزماً هزمه اليهود، ولم يكن أبو بكر، ولا عمر معروفين بالفروسية، لا توكل إليهم قيادة كتائب من الجيش وإنما ذلك إذا تأمل الإنسان ربما – حسب فهمي القاصر – إشارة إلى أن هذه الأمة قد تدخل في مواجهة، وأن أعداءها الحقيقيين التاريخيين هم هؤلاء، هم اليهود، وأن هؤلاء من ارتبط بهم سيهزم كما هزموا في مواجهة اليهود، والواقع يشهد بذلك.
لكن علياًً الذي دُعي وهو أرمد؛ ليقال أن الأمة ستحتاج إلى علي، وحتى وإن رأت نفسها بأنه في حالة لا يمكن أن يكون له موقف.. يدعوه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو أرمد ويتفل في عينيه، وتنفتح عيناه، ثم يعطيه الراية بعد أن قال: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار يفتح الله على يديه)) ألم يفتح خيبر؟.
إنه يوحي بذلك أن اليهود، إن من يستطيع أن يواجههم في خبثهم، في مكرهم، في خططهم الماكرة، هم علي وأولياء علي، وأبناء علي، علي وأبناء علي، وشيعة علي.. وآية المائدة – ويمكن أن ترجعوا إلى ما قلناه في محاضرة سابقة حول هذا الموضوع في أشرطة، آية المائدة – تشهد على ذلك.
آية المائدة، آية الولاية، جاءت أيضاً في إطار الحديث عن بني إسرائيل، هكذا جاءت آية الولاية في إطار الحديث عن بني إسرائيل، آية الوحدة والإعتصام بحبل الله جميعاً في إطار الحديث عن بني إسرائيل، آية البلاغ، البلاغ بولاية علي (عليه السلام) في سورة [المائدة] جاءت أيضاً في إطار الحديث عن بني إسرائيل.
كل ذلك ليفهم الإنسان من خلاله: أن بني إسرائيل هم الأعداء التاريخيون، والخطيرون للأمة، وأنه لن يستطيع أن يقف في مواجهتهم، ويتغلب على مكرهم، وخبثهم وخططهم، وإفسادهم، إلا من فتح خيبر، أبناؤه وشيعته.. أوليس شيعته الآن هم أقوى طوائف الدنيا في مواجهة اليهود والنصارى؟ حزب الله، وإيران، أليس العرب يمتلكون أكثر مما يمتلك حزب الله؟ يمتلكون أكثر مما تمتلكه إيران، ومع هذا وهم عشرات الملايين مهزومون نفسياً.
وفي محاضرات كثيرة أكدنا – على أساس فهمنا – بأنه فعلاً من يرتبط بأولئك سيظل مهزوماً، وأن الأمة لن ترتفع كلمتها، ولن ترفع رأسها إلا إذا عادت من جديد لترفع يد علي ومحمد كما رُفعت يوم الغدير، وأن تلك اليدين التي امتدت أحداهما للأخرى هي من مددت الأمة ليطأ اليهود أعناقها، وظهرها يوم قال عمر: [أمدد يدك أبايعك] مدد الأمة فعلاً.
متى ما رفعت الأمة اليد التي رفعها رسول الله، يد محمد وعلي، ومن الذي يمكن أن يرفع هاتين اليدين؟ هم الشيعة؛ لأنه ليس لديهم عوائق في العقيدة، من عقيدتهم. الآخرون متى ما جاؤوا إلى آية الولاية قفزوا عليها؛ لأنها تؤدي إلى أن يكون علي أفضل من أبي بكر، وهذا مبدأُهم مع أي آية أو حديث، يدفعونه بأيديهم، أو يركلونه بأقدامهم؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون علي أفضل من أبي بكر.
لديهم عوائق لذلك سيعيشون مهزومين، سيعيشون مهزومين حسب فهمي، أنا واحد ممن يقطع بأن أولئك سيعيشون مهزومين دائماً، ونحن نرى الواقع يشهد على ذلك، حزب الله أليس عند رأس إسرائيل؟، هو أشد خطراً على إسرائيل، وهو أشد عداوة لإسرائيل، إعلامه أشد فتكاً بإسرائيل. هل استطاعوا أن يمسوه بسوء؟. الفلسطينيون يضربونهم، والزعماء الآخرين كلهم يرتبكون، وكل الشعوب من أولياء أبي بكر وعمر كلهم يرتعدون خوفاً، كلهم مهزومون.
لكن أولئك من أبناء علي وشيعة علي، ونحن أيضاً من نقول بأننا في واقعنا بالنسبة للتشيع ولاؤنا هو أفضل وأنقى من ولاء أولئك، ألسنا نقول هكذا؟ أولئك ببركة ولائهم لعلي، حتى وإن كنا لم نرض بأن ولاءهم هو على الشكل المطلوب، نرى ولاءنا هو الولاء الحقيقي لأهل البيت ولعلي، لكن أولئك بولائهم لعلي اهتدوا بالقرآن فاستطاعوا أن يقفوا في مواجهة اليهود على النحو الذي نراه ويشهد بأنه لن يقف في مواجهة اليهود وينتصر عليهم إلا من كان في خط ذلك الذي فتح باب خيبر.
أولسنا أبناء علي؟ أولسنا شيعة علي؟ أوليس من العيب على أبناء محمد، على آل محمد أن يكونوا أغبياء في مواجهة بني إسرائيل، وهم من سُلموا الدور، هم من أُعطوا تلك الفضائل، وذلك المقام الرفيع الذي كان عليه بنو إسرائيل؟ ألم يعط لآل محمد؟ هل يجوز لآل محمد أن يعيشوا أغبياء إلى درجة أن لا يفهموا ما يعمل اليهود داخل بلادهم؟.
ماذا يُتوقع؟ نتوقع أن يتمكنوا، ثم يأخذوا علماءنا فيعذبونهم، عندما يتمكن اليهود في بلد عادة هم من يحاول أن يسيطر على السجون، وأن يكونوا هم خبراء التعذيب في السجون، إقرأوا الكتب التي تتحدث عن جرائم اليهود، هذا من الأشياء التي يركزون عليها، إذا ما تمكنوا يستطيعون أن يهيمنوا على السجون ويتغلغلوا داخل الأمن السياسي كخبراء، ونحن نتعود الآن، ويعودنا الآخرون على أن نقبل خبراء، سيكون هناك خبراء، أليست قضية يتعود عليها الناس جميعاً، يقبلونها من حكوماتهم؟.
سيكون هناك خبراء للتعذيب يهود، وأولئك الساكتون جميعاً سيعمل اليهود – وهذا الشيء المحتمل – يعمل اليهود أشياء كثيرة، تبرر مسك هذا، وسجن هذا، ثم يذيقونهم أشد العذاب، واقرأوا، إقرأوا ما كتب عن جرائم اليهود في مختلف بقاع الدنيا، وآل محمد هم من يكرههم اليهود أكثر من غيرهم، وشيعة آل محمد هم من يكرههم اليهود أكثر من غيرهم حقيقة، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ}(المائدة82) اليهود يعرفون فعلاًً من يمكن أن يكونوا هم المؤمنين.
لو لم يكن لديهم خبرة دينية كما هي لدى إبليس خبرة يعرف من هو الذي يمكن أن يكون محقاً، من هو الذي لديه عقائد هي حق، ومن هو الذي لديه عقائد هي باطلة، أوليسوا هم الآن يساعدوننا في بناء مدارس، ولدينا مناهج دراسية، هم يعرفون أن تلك المناهج الدراسية التي تدرس لو فيها ما يمس بمصالحهم، أو ما يرسخ عداوة عليهم، لو فيها ما يعيد المسلمين إلى دينهم، لو فيها ما يربيهم تربية إسلامية لما صرفوا دولاراً واحداً في بناء مدرسة.
كما نراهم لا يصرفون دولاراً واحداً في دعم الزراعة، الزراعة في بلادنا لا يصرفون ولا دولاراً واحداً لدعمها؛ لأنهم يعرفون فيما يتعلق بالمناهج الدراسية أنها مناهج بقاؤها على هذا النحو – ولتكن هي ما يتعلمه الناس جميعاً، أبناؤنا جميعاً، رجالاً، ونساء – هي في الواقع بالشكل الذي يخدمهم من حيث نشعر أو لا نشعر، وإن لم يكن إلا من الجانب السلبي باعتبارها مناهج لا تؤهل أحداً لأن يقف في مواجهة اليهود والنصارى، ولا ترسخ في نفوس أبنائنا عداوة لليهود والنصارى، ولا تفهم أبناءنا، ولا تبصرهم بما يعمل اليهود والنصارى.. وهذا في حد ذاته مكسب كبير؛ فلذلك تراهم يبنون المدارس هكذا؛ لأنه ليس فيها ما يضرهم.
لا يجوز أن نكون مصداقاً لذلك الشعار الذي كان يرفعه اليهود يوم دخلوا القدس [يا لثارات خيبر، محمد مات وخلف بنات] ألم يقولوا هكذا؟ سيكون اليمنيون بنات فعلاً مصداقا لهذا إذا ما وجدناهم يتحركون، ويدخلون اليمن، ووجدناهم جادين في أن يعملوا كل شيء في اليمن، [مطاردة لجذور الإرهاب، ومنابع الإرهاب] الذي يعني كل شيء بالنسبة لنا.
أليس كل آية تتحدث في القرآن الكريم عن بني إسرائيل، وعن الجهاد، أليست آية إرهاب؟ أليست كل آية تشد المسلمين إلى دينهم سيرون بأنها آية إرهاب؟ القرآن الكريم إرهاب، آل محمد إرهاب، النبي إرهابي، كل شيء إرهابي.
هم يقولون: [محمد مات وخلف بنات] فإما أن يكون الناس فعلاً كما قالوا، أو أن يتحرك الناس ويصرخوا في وجوههم، ويروهم بأنهم رجال، وأن محمداً مات وخلف رجالاً ولم يخلف بنات.
هذا الشعار رفعوه فعلاً، وعندما دخلوا القدس رفعوا هذا الشعار: أن محمد مات وخلف بنات لم يخلف رجالاً لا عرباً، ولم يترك من بنيه من يسمون رجالاً.. أوليس واقع العرب على هذا النحو؟ كما كان يقول الإمام علي لأهل العراق، ألم يكن الإمام علي يصفهم بأنهم أشبه شيء بالنساء؟.
هكذا واقع العرب أصبح على هذا النحو، وإن كان شيئاً مؤسفاً، وقد يكون فيه نوع من قلة الأدب أن نتحدث بهذا لكنه هو الواقع، وقالها قبلنا الإمام علي لأهل العراق، كيف قال؟ ألم يقل: [يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال] يعني شبههم بالنساء، هكذا اليهود شبهوا العرب، وشبهوا أبناء محمد بالبنات: [محمد مات وخلف بنات].
أكرر: نحاول أن نستعرض من جديد تلك الأشرطة، وفعلاً لا أقول: أن هذا شيء ينبغي أن يختص به فلان ليتحدث عنه فأنا أعتقد أن فيكم من إذا اتجه إلى هذا الشيء، وآمن بهذا الشيء: بأن علينا أن يكون لنا موقف من قد يكون أكثر تأثيراً منا، وأكثر قدرة على الحديث مع الآخرين، وأكثر إقناعاً للآخرين في أن ينطلقوا هذا المنطلق؛ لأن دوري هو دور من يذِّكر بما فهم، وبما يرى فقط.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا، وأن يبصرنا إنه على كل شيء قدير، واسمحوا إذا أطلنا عليكم، واسمحوا أيضاً إذا لم يكن الكلام معكم بالشكل المطلوب؛ لأننا في الواقع لم نأت بجديد، ونتحدث معكم كأناس واعين ويفهمون يكفي معهم التذكير، لا نحتاج إلى أن ننمق الكلام معكم، ولا نحتاج إلى أن نرتب العبارات معكم.
وأيضاً لسنا من أهل هذا، لا يهمنا الألفاظ بقدر ما تهمنا القضايا التي يجب أن نتحرك فيها، بقدر ما يهمنا الأشياء التي يجب أن نتبناها، والشيء الذي نقول دائماً نعمل على توسيعه هو أن ينتشر هذا الشعار على أوسع نطاق في البلاد الزيدية، وكل من يظن أو يقدِّر بأنه قد يكون هناك خطورة، أو يكون هناك كذا، يعود إلى الأشرطة التي تحدثنا فيها حول هذا الموضوع، وقبل ذلك كله يعود إلى القرآن الكريم الذي يذكِّرنا بأن علينا أن نخاف الله قبل أن نخاف أي شيء من الآخرين.
ونحن في هذا [المنتدى] نقول: أن من أهدافنا بناء الشخصية الرسالية، الله يقول عن الرساليين والرسل: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}(الأحزاب39) إذا لم يكن عملنا هو لتعزيز محبة الله في نفوسنا فنكون كمن قال عنهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة54)، إذا لم تكن مراكزنا لبناء هذا النوع من الناس… أما إذا نشأنا على حالة نكون معها جديرين بأن يستبدل الله بنا غيرنا نكون معها نخشى من ظلنا، ونخاف من ظلنا، ونخاف من كل شيء دون الله مهما كان صغيراً، ولا نخاف من سخط الله وبطشه وعذابه.
أولسنا من نقول: الله أكبر في صلاتنا؟ أولسنا من نردد الله أكبر في أذاننا؟ ونردد الله أكبر على ألسنتنا؟ ونردد الله أكبر أيضاً ضمن شعارات هذا العمل الذي نحن فيه، فعندما يكون في الواقع أن كل شيء من جانب الآخرين يبدو كبيراً، كل ما يخوفوننا به يبدو أكبر عندنا مما يخوفنا الله به! فهذا ليس شأن الرساليين، وليست نفسية الرساليين {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}.
إذا لم يكن هذا هو ما نريد بناءه في هذه المجاميع التي نعلِّمها، نعلم أنفسنا ذلك، وكل من يتعلم هو أن يكون على هذا النحو فلا قيمة لحلقات العلم، لا في مساجدنا، ولا في بيوتنا، ولا في مراكزنا، وسنكون كلنا إنما نؤهل أنفسنا لأن نعرضها لسخط الله، وإنما نؤهل أنفسنا لأن نعيش في ظل الخزي الذي يضربه الله على من يحمل اسم دينه ولا يكون بمستواه، ويقصر فيه.
إذا لم نكن على هذا النحو فسنعرِّض أنفسنا لماذا؟ لأن نعيش أسوأ مما عاش بنو إسرائيل، تضرب علينا الذلة والمسكنة، ولا فائدة من مراكزنا، ولا فائدة من مدارسنا، إلا إذا كان بالإمكان أن نقول: أنه يمكن أن نمسح ما هو يبدو مثيراً للآخرين، ما يبدو مخيفاً لنا من الآخرين، نمسحه من قائمة الدين، ونتجه نحو الأشياء الأخرى، نرفع سبعة شعارات، ونرددها؛ لأنها ليست تثير الآخرين، لكن شعاراً واحداً قد يثير الآخرين لا نردده.
إذاً لسنا رساليين، وإن رددنا عشرين شعاراً من هذا النوع، ولا نردد شعاراً واحداً نحن نعرف أن أولئك يعتبرونه حرباً ضدهم، يعتبرونه حرباً ضدهم لا نردده؛ لأنه قد يخيفنا، قد يثير الآخرين علينا.
إذاً فنحن ممن يخشى الناس أشد من خشية الله، ممن يخاف من عذاب الناس أشد من عذاب الله {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}(العنكبوت10) لا يجوز أن نكون على هذا النحو، ويجب أن نرفع هذا الشعار في مراكزنا، إذا كنا نريد أن نحافظ حتى عليها.
أوليس البعض قد يقول: إن هذا الشعار لو رفعناه سيؤثر على المنتدى؟ من المحتمل جداً أن يصدروا قراراً بإلغاء هذه ومنعها، لكن إذا ما عرفوا بأننا سنهتف بهذا الشعار، ونحن نسخط، ونعبِّر عن سخطنا، واستنكارنا، وغضبنا لدخول الأمريكيين، ولما يعمله اليهود ضد المسلمين، وضدنا بالذات، ثم ليفهموا أنه ليس بالإمكان أن يقفلوا مراكزنا.
أو نحن مستعدون متى ما قالوا: هي إرهابية نقفلها أن يقفلها؟ إذاً فأنت مستعد أن تقفل المصحف عندما يقال لك: المصحف إرهابي. اهتف بهذا الشعار من قبل حتى يعرفوا أنه ليس بالإمكان أن يوقفوك عند الحد الذي يريدون أن تقف عنده. إذا سكتنا الآن فسيقفلون المراكز. أريد أن أقول هذا الكلام لأولئك الذين يقولون: هذا قد يضر بالمراكز!.
هذا المفهوم يدل على أننا لا نحمل وعياً، لا ندري من أين جاء هذا المفهوم: أنه في الإسلام السكوت هو الذي يؤدي إلى حفظ الإسلام، ونحن نرى أن من أعظم مبادئ الإسلام هو الجهاد والعمل، باعتبار أنه هو الذي يحافظ على الإسلام، وبيضة الإسلام، وعزة المسلمين، أوليس كذلك؟ إذاً فمتى ابتكرنا أن السكوت هو الوسيلة لحفظ الإسلام، والمسلمين، ومشاريع إسلامية؟ هذه ثقافة مغلوطة فيما أعتقد.. إن كنا نريد أن تبقى مراكزنا..
الأمريكيون عندما جاءوا وسألوا عن مركز بدر، وعن مدارس تحفيظ القرآن، ونشرت ذلك بعض الصحف، ومن الطبيعي أن هذه المراكز في قائمة المشاريع الإرهابية، فإذا كنا من النوع الذي يقال لنا: بطلوا وبطلنا فالكوريون هم الزيود، أولئك الذين خرجوا يتظاهرون ضد بوش! والفيتناميون هم الزيود أيضاً الذين خرجوا مظاهرات ضد الأمريكيين عندما دخلوا فيتنام، ونحن لا يصح أن نسمي أنفسنا شيئاً، نحن لا شيء في الأخير إذا كنا على هذا النحو.
هناك شعارات للمنتدى يجب أن نضيف إليها هذا الشعار، إذا لم نضف إليها هذا الشعار سيلومنا الناس كلهم بعد لوم الله سبحانه وتعالى لنا فيما أعتقد، وليعلم أولئك أنه متى ما قالوا: أن المنتدى إرهابي لن نتوقف، المراكز إرهابية لن نوقفها، سندرِّس فيها، وسنهتف فيها بهذا الشعار.
في قاعة الإمام الهادي أكثر من شهر يتردد فيها هذا الشعار، يُهتف به فيها، في مدرسة الإمام الهادي في مران، وفي الغدير هُتف بهذا الشعار، وفي العيد، وبعد صلاة كل جمعة في مران، وفي مناطق أخرى، وفي مناطق في همدان.
إذا كنا نثقف أنفسنا ثقافة تقوم على اعتماد أن الحكمة هي: أن السكوت من ذهب، سيذهب ديننا، وتذهب عزتنا، وتذهب مراكزنا.. لا أعلم من أين يمكن أن نقول: أن السكوت هو الإيجابي والقرآن ملئ بالآيات التي كلها عمل، وجهاد، وحركة، بالمال وبالنفس!. لو كان السكوت حكمة، ولو كان السكوت من ذهب، ولو كان السكوت هو الذي يحفظ للمسلمين كرامتهم… سكت ياسر عرفات، سكت، سكت حتى غلَّقوا عليه غرفته. السكوت لا يمكن أن يكون مبرراً، إلا إذا كان في إطار عملي، لا أدري، لا أرى أن هناك مقام للسكوت الآن.
نحن – أيضاً – نعوِّد أنفسنا بشيء لم يبق له أثر عند الآخرين، مثلاً في بلدان أوروبا متى ما جاء من رئيس، أو جاء من وزير، من رئيس وزراء كلام يرون أنه يضر بمصلحة الشعب، تصريح أو شيء معين يبثونه، أليسوا يتظاهرون، ويقولون: لا، نحن هنا نريد أن نعوِّد زعماءنا على أنه يقول ما يريد، ويتخذ أي موقف يريد حتى وإن كان على هذا النحو من الخطورة، ولا أحد يقول: لا، ولا يسمع أحد يقول: لا، سنعودهم على هذه، وليس هناك أخطر من هذه الحالة.
مع أن دستورنا – أيضاً – يسمح بأن تعارض، يسمح بأن تتبنى حزباً وتعارض، يسمح بأن تتبنى حزباً وتسير على تلك الطرق الديمقراطية لتأخذ السلطة، وتتكلم في الحزب الآخر، فيما يتعلق بسياسته، فيما يتعلق بسياسته في المجال الإقتصادي، في مجال آخر، أليس هذا مما هو في دستورنا؟.
لكنا يبدو أننا نريد أن نقول: لسنا مستعدين أن نعارض الأمريكيين عندما يدخلون بلدنا، مع أن دستورنا يسمح بأن نعارض الرئيس، والمؤتمر بكله، أن يكون لنا حزب يعارضه، ويمكن أن يأخذ السلطة، على أساس أن الدستور يسمح بهذا، فلماذا لا نسمح لأنفسنا بأن نعارض الأمريكيين بالأولى؟! أليس من طريق الأولى؟ ونحن أصحاب أصول الفقه، أنه إذا كان الدستور – من طريقه يكون بالأولى – إذا كان الدستور ينص على أن لك حق أن تعارض المؤتمر ورئيس الدولة، وتعمل حزباً، وتعارض سياسته، فمن باب الأولى لك الحق أن تعارض سياسة أمريكا التي تقوم على ضرب دينك، وكرامتك، وعزتك، وقد بدأوا تطأ أقدامهم تراب وطنك، وغزوك إلى عقر دارك، أليس هذا من باب الأولى؟.
نعمل بأصول الفقه هنا، لا نعود لنعمل بأصول الفقه وقواعده فيما يتعلق بالوضوء، وما يتعلق بالأشياء التي قد [دَبَغَها] المجتهدون من قبلنا، كل ما قام مجتهد رجع إلى تلك الأشياء التي هي سهلة! قلنا لنجتهد ولكن في هذه الميادين، في هذه الميادين العملية، كل من يقرأ يريد أن يجتهد ويعمل بأصول الفقه يرجع إلى تفاصيل الصلاة والصيام والوضوء، والأشياء هذه [ندبغها]، واحد بعد واحد، اجتهادات؛ لأنها سهلة!.
اجتهد هنا، ولك حق أن تجتهد، فتبذل جهدك، وتبحث، تشحذ همتك، وتفكر، وتنظِّر، وتَنظُر؛ لتصل إلى أحسن الوسائل لمحاربة أعداء الله، هذا هو الإجتهاد الحقيقي، ومنه سمي الجهاد جهاداً، لكننا نبحث عن الإجتهاد نشغِّله في غير مواضعه، ومتى ما حذفت التاء ألغينا الكل، الجهاد.. جهاد واجتهاد أليس جذرها واحد؟ مادة واحدة جذرها واحد، الإجتهاد نشتغل به في غير موضعه، لكن متى ما حذفت التاء، وأصبح جهاداً أغمضنا أعيننا، وقلنا: لا، الجهاد جهاد النفس! متى ما رجعنا قلنا: [جهاد النفس هو الجهاد الأكبر].
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما فيه رضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

عندما يقول بعض الإخوان – عندما نتحدث عن هذا الشيء – : [إنها تخزينة]؛ لأن عندنا [قات]في مران جيِّد، [تخزينة]! إذاً أقول للإخوان: سيكون ذلك [القات] أحسن من مراكزنا، لنشتري من هذا القات،
ونخزن منه، إذا كان يستطيع هذا القات أن يدفعنا
إلى هذا النحو من الاهتمام بالقضايا الكبيرة،
ونعدُّ أنفسنا لمواجهة ما هو خطير علينا
فهو إذاً أفضل من مراكزنا،
خزنوا إذا!!!ً.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

اليمن – صعدة

دروس من هدي القرآن الكريم

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 3 محرم 1422هـ
الموافق: 16/3/2002م
اليمن – صعدة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com