الصمود حتى النصر

السيد حسين بدر الدين الحوثي : الإجراءات العسكرية التي اتخذها الرسول لمواجهة الأحزاب؟

 

? – من الذي سعى وحشد الناس لمواجهة الرسول في عزوة الحندق؟
? – ما الإجراءات العسكرية التي اتخذها الرسول لمواجهة الأحزاب؟
? – تحت وطأة الحصار العسكري ما الدور الذي أداه اليهود والمنافقون في هذه الفترة؟ وكيف كان أثر هذا الدور على الرسول والمؤمنين؟
? –ما أثر المبارزة الوحيدة التي حصلت في غزوة الخندق بين عمرو بن عبد ود والإمام علي بن أبي طالب؟
? – ما أبرز الدروس والعبر والعظات التي حملتها لنا غزوة الخندق؟
? – لماذا مثلت حصون اليهود في خيبر تهديدا كبيرا على المدينة المنورة؟ وكيف تعامل الرسول مع هذا التهديد؟
? – متى تسلم الإمام علي بن أبي طالب قيادة الجيش في غزوة خيبر؟
? –ما أبرز الدروس والعبر والعظات التي حمله لنا فتح خيبر؟

???????

??غزوة الخندق(الأحزاب) ??
(في شوال سنة خمس هجرية- 627م)

حصل تآمر يهودي ما بين اليهود وما بين الزعماء العرب في ذلك العصر المتنفذين والمتسلطين تحالف وتكاتف يهدف إلى القضاء على الإسلام عسكريا وكان من ثمرات هذا التحالف ومن نتائجه غزوة الأحزاب.
غزوة الأحزاب حشد فيها المتنفذون المجرمون من العرب وبدعم اليهود بتعاون عربي يهودي حشدوا فيها حشودًا كبيرة من الجنود لهدف حصار النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ومن معه من المؤمنين في المدينة المنورة والعمل على القضاء عليهم نهائيا وتصفيتهم عسكريًا.
ولذلك سُميت هذه الغزوة بغزوة الأحزاب لأن قوى الشرك من العرب مع أحفاد القردة والخنازير اليهود الملعونين في محكم التنزيل تحزبوا مع المشركين وتكالبوا للقضاء على الإسلام واستئصال المسلمين حقدًا منهم على هذا الدين القويم واستكبارًا في الأرض وعلوًا كما أخبر بذلك رب العالمين حيث قال عنهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} (المائدة:82).
فلم يهدأ لليهود لهم بال ولم يستقر لهم قرار منذ بزوغ فجر الإسلام وخصوصًا بعد أن دخل الإسلام إلى يثرب فظلوا يحيكون المؤامرات ويثيرون الحروب ضد المسلمين.
ففي السنة الخامسة من الهجرة ذهب مجموعة من اليهود منهم حيي بن أخطب وسلام بن مشكم إلى قريش لتحريضهم على قتال الرسول محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) فاستقبلهم زعماء قريش بالحفاوة والترحاب ومنهم أبو سفيان بن حرب.
أبو سفيان: مرحبًا بهم وقائلًا لهم: أهلًا أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد.
أبو سفيان مع بعض الزعماء: يا معشر يهود أنتم أهل الكتاب الأول أخبرونا أديننا خير أم دين محمد.
يهود: بل دينكم يا معشر قريش خير من دين محمد.
وقد ذكر الله ذلك في القرآن قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلًا} (النساء:51).
يهود: إنا ندعوكم يا معشر قريش لقتال محمد واستئصال شأفته ونحن سَنَدٌ لكم وعون على حربه وسوف نقوم بتحريض من استطعنا تحريضه من قبائل العرب.
زعماء قريش: نحن أول من يجيب إلى ذلك إذا كنتم صادقين.
يهود: صادقون فيما نقول وسترون ذلك بأم أعينكم.
يهود: ينطلقون إلى قبيلة غطفان ويلتقون بزعمائها.
حيي بن أخطب: يا معشر العرب إن محمدًا قد قويت شوكته واستفحل أمره وإنا ندعوكم إلى حربه والقضاء على دينه وقد أجمعت قريش على حربه معنا وهذه بعض الأموال تعينكم على الحرب.
زعماء غطفان: ما دام الأمر كذلك فإنا مستعدون.
ثم يذهب اليهود إلى قبيلة سُليم وغيرها من القبائل فينجحون في تحريضهم، وتعاهدوا جميعًا على حرب محمد وحددوا موعدًا للخروج ثم بدأوا يتهيؤون للخروج.
ركب من خزاعة: ينطلقون إلى المدينة ويصلون في أربع ليالٍ.
يا رسول الله: إن قريشًا وقبيلة غطفان وبعض القبائل العربية معهم اليهود قد تحالفوا وتعاهدوا على حصاركم وحربكم.
الرسول يجمع المسلمين ويخبرهم خبر الأحزاب الذين تحزبوا على حرب الإسلام، ويندب الناس إلى حربهم والاستعداد لمواجهتهم ويوصيهم دائمًا بالصدق مع الله والثبات على دين الله، وأن المسلم الواعي لا يتزعزع دينه مهما كانت الظروف والأحداث، ويستشيرهم.
بعض الصحابة: يدلون بآرائهم.
سلمان الفارسي من الرجال الأوفياء الذين صدقوا الله ورسوله: يا رسول الله عندي لك رأي.
بعض من حضر: ما هو هذا الرأي يا سلمان.
سلمان: نحفر على المدينة خندقًا يحيط بها فلا يستطيعون عبوره فإنا كنا في بلاد فارس إذا حوصرنا خندقنا.
بعض من حضر: نعم الرأي ما رأيته يا سلمان ويختاره رسول الله وأعجب المسلمون بهذا الرأي.
ثم أخذ الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وسلمان يخططان للخندق وكيف يكون مساره وعمله، فتم التخطيط له ودراسة الموضوع، وبدأت مرحلة التنفيذ فأمر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بحفر الخندق وجعل لكل عشـرة رجال 40 ذراعًا يحفرونه، ووكل بكل جهة قومًا، وأخذ المسلمون يحفرون بجدٍ ونشاط ويرددون الأشعار المحفزة على العمل، وكان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يعمل بنفسه حتى اغبر بطنه، فتم حفره في مدة وجيزة لم يصل العدو إلا وقد تم العمل، وكان سلمان الفارسي ممن يعمل بجد ونشاط فكان يعمل عمل عشـرة رجال فأخذ الصحابة من المهاجرين يقولون سلمان منا، والأنصار يقولون بل منا، فقال (صلوات الله عليه وعلى آله): ((سلمان منا أهل البيت)).
ووصلت جموع الأحزاب وجحافل الشرك والضلال إلى المدينة في جيش عظيم قوامه عشرة آلاف مقاتل بكل عتاده وعدته على رأسهم أبو سفيان بن حرب رئيسًا على الجميع، فتفاجئوا بوجود خندق حول المدينة لا يستطيع أحدٌ تجاوزه كأنه حصن.
فقالوا: هذه مكيدة لم تكن العرب تعملها.
فقال قائلهم: إن عندهم رجلًا من بلاد فارس وهو الذي أشار بذلك فغضبوا غضبًا شديدًا، فحطوا رحالهم حول المدينة محاصرين لها.
فنزلت قريش ومن تبعهم في مجمع الأسيال ونزلت غطفان ومن تبعهم من نجد إلى جانب جبل أُحد.
بينما كان الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قد كان خرج في ثلاثة آلاف وعسكر بهم عند سفح جبل سلع شمال المدينة، فجعل الجبل خلف ظهره والخندق بينه وبين القوم، وجعل مجموعاتٍ يتناوبون للحراسة ليلًا حتى يمنعوا تسلل العدو، وكان يسكن المدينة ثلاثة بطون من اليهود: (بني قينقاع وبني النضير وبني قريضة) أما بطنان فقد نقضوا العهد مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأجلاهم منها، وبقي منهم بطن هم بني قريضة فدس إليهم أبو سفيان حيي بن أخطب اليهودي ليحملهم على نقض العهد والانضمام إلى جموع الأحزاب ولضـرب المسلمين من الداخل.
فتسلل حيي بن أخطب إلى أن وصل بني قريضة فرءاه زعيم بني قريضة كعب بن أسد وصاحب العهد مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فدخل الحصن مسرعًا وأغلق الباب دونه.
حيي: افتح الباب يا كعب.
كعب: لم يجبه.
حيي: يا كعب ويحك افتح لي.
كعب: إنك امرؤ مشؤوم قد عاهدتُ محمدًا ولست بناقضٍ ما بيني وبينه ولم أر منه إلا الصدق والوفاء.
حيي: افتح لي أكلمك.
كعب: ما أنا بفاعل.
حيي: ما أغلقت باب الحصن إلا خوفًا على طعامك فَلَستُ بآكلٍ منه. ففتح له باب الحصن ودخل حيي إلى كعب.
حيي: جئتُك يا كعب بعز الدهر جئتك ببحر طام بقريش على قادتها وسادتها وغطفان على قادتها وسادتها عاهدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدًا ومن معه.
كعب: جِئْتَني والله بذل الدهر فدعني وشأني فإني لم أر من محمد إلا صدقًا ووفاءً.
حيي: لم يزل به حتى نقض العهد على أن يعطيه عهدًا وميثاقًا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدًا أن يدخل معه حيي في الحصن حتى يصيبه ما أصاب بني قريضة.
هكذا دائمًا اليهود لا يفون بعهد أو ميثاق، ما شيمتهم إلا الغدر كما قال الله عنهم: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (البقرة:100).
كعب بن أسد زعيم بني قريضة يقوم بتمزيق الكتاب الذي فيه العهد.
حيي بن أخطب (إبليس اليهود) يرجع إلى أبي سفيان وقد نجح في حمل بني قريضة على نقض العهد.
تصل الأخبار إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عن نقض بني قريضة العهد فيبعث نفرًا لمعرفة الخبر.
النفر يذهبون إلى بني قريضة فيجدونهم على أخبث حال ثم يعودون إلى رسول الله.
النفر: يا رسول الله إن اليهود قد نقضوا العهد.
رسول الله: ((الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين)).
لما حاصر الأحزاب المدينة بجيشهم الكبير ونقض اليهود العهد من داخل المدينة عظم البلاء على المسلمين واشتد الخوف ووضعوا النساء والأطفال في الحصون خوفًا عليهم من اليهود وقد شخص الله سبحانه هذه الحالة بقوله:{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (الأحزاب:11) وظن بعض المؤمنين الظنون كما ذكر القرآن وقص الله علينا حالتهم في سورة الأحزاب قال الله تعالى: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب:10).
وتهيأت أجواءٌ خصبة للمنافقين فظهر النفاق حتى قال قائلهم: كان محمد يَعِدُنا كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط.
فهذه الغزوة غربلت المسلمين وكشفت المنافقين والذين في قلوبهم مرض والذين يتبخر إيمانهم ويتلاشى في وقت وجيز {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا} (الأحزاب:14).
وصدر فيها المؤمنون الواعون أعظم الدروس في الشجاعة والتضحية والثبات في أفعالهم ومواقفهم وأقوالهم فكانوا حقًا مثلًا يحتذى بهم وقال الله عن هذه النوعية العالية: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليمًا}.
كان الأحزاب يحكمون حصارهم على المدينة فلا يدخل إليها طعامٌ مدة الحصار إلا ما كان سرًا فأصاب المسلمون جوعًا بسبب الحصار لكن الله جعل البركة فيما كان موجودًا.
وعانى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله وسلم) والمؤمنون الصادقون معاناة شديدة من المنافقين والذين في قلوبهم مرض؛ لأنهم وجدوا لهم تربة خصبة لبث سمومهم ومؤامراتهم، وكذلك عانى الرسول من أصحاب الوعي الضعيف والناقص والذين يختلقون الأعذار {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا} (الأحزاب:13)، ومن الذين قال الله عنهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} (الحج:11).
وفي أيام الحصار كان المعسكران يتراشقان بالنبل والحجارة، فكان لدى المسلمين من النبل ما يكفيهم لعام إلا أن المشركين كانوا لا يعولون على سلاح النبل كثيرًا فكان همهم الأكبر الذي يتلهفون له هو عبور الخندق واقتحام المدينة واستئصال شأفة المسلمين، فكانوا يتحينون الفرصة طوال الليل والنهار، لكن الله من بيده مقاليد السموات والأرض خيب أملهم.
وفي يوم من أيام الخندق رمى أحد المشركين بنبل فأصاب سعد بن معاذ في أكحله فأخذ الدم ينزف منه.
فقال سعد: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إليَّ أن أجاهدهم من قوم آذوا رسول الله وكذبوه وأخرجوه، وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني إلا وقد أقررت عيني من بني قريضة فاستجاب الله دعوته فتوقف نزيف الدم إلى أن أقر الله عينه في بني قريضة واستشهد رضوان الله تعالى عليه.
بينما الوضع على تلك الحال من حصار وتراشق بالنبل إذا بنفر من أشجع فرسان قريش تجول حول الخندق منهم عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل ونوفل بن المغيرة وهبيرة بن أبي وهب وضرار بن الخطاب حتى وجدوا ثغرة في الخندق فأقحموا خيلهم منها وتقدموا نحو معسكر المسلمين متحدين مستصغرين للمسلمين.
فطلب عمرو المبارزة ثلاث مرات فلم يجبه من المسلمين أحد سوى علي بن أبي طالب $ الذي كان يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم -في كل مرة-: أنا أبارزه يا رسول الله! وَلَمَّا سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عَمْرًا يقول:
وَلَقَدْ بَحِحْتُ مِنَ النِّدَا

 
ءِ لجِمْعِهِمْ هَلْ مِنْ مُبَارِزْ

 

 

 

فَوَقَفْتُ إَذْ جَبُنَ الْـمُشَجْـ
ـجَعُ مَوْقِفَ القِرْنِ الْـمُناجزْ

إِنِّيْ كَذَلِكَ لَمْ أَزَلْ
مُتَسَـرِّعًا نَحْوَ الْهَزَاهِزْ

إِنَّ الشَّجَاعَةَ في الْفَتَى
والْجُودَ مِنْ خَيْرِ الْغَرائِزْ

وأردف قائلًا: أتزعمون أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار؛ فما لكم لا تخرجون إِليّ؟! فَأَذِنَ صلى الله عليه وآله وسلم لعليٍّ $، وعَمَّمَهُ بعمامته، وقَلَّدَهُ سيفه، وقال: اللهم إن هذا أخي وابنُ عمي؛ فلا تَذَرْنِي فَرْدًا وأنت خير الوارثين، فخرج علي يرتجز:
لاَ تَعْجَلَنَّ فَقَدْ أَتَا
كَ مُجِيبُ صَوْتِكَ غَيْرَ عَاجِزْ

ذُو نِيَّةٍ وَبَصِيْرَةٍ
يَرْجُو بِذَاكَ نَجَاةَ فَائِزْ

إني لأَرْجُو أَنْ أُقِيـ
ـمَ عَلَيْكَ نَائِحَةَ الْجَنَائِزْ

مِنْ طَعْنَةٍ نَجْلاَءَ يَبْـــ
ـقَى ذِكْرُهَا عِنْدَ الهَزَاهِزْ
فقال عمرو: مَنْ أنت؟ فَانْتَسَبَ له؛ فقال: يا ابن أخي، كان أبوك نديمي وصديقي؛ فارجع فلا أحب أن أقتلك!
فقال علي: لكني أحب أن أقتلك!
فقال عمرو: إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك فارجع؛
فقال علي: إن قريشًا تُحَدِّثُ عنك أنك لا تُدْعَى إلى ثلاث إلا أجبتَ ولو إلى واحدة منها، قال: أجل.
فقال: أدعوك إلى الإسلام، قال: دَعْ عنك هذه، قال: أدعوك إلى أن ترجع بمن معك،
قال: إذن تتحدث نساء قريش أنَّ غلامًا خدعني!
قال: فإني أدعوك إلى البراز؛ فحمي عَمْرٌو وقال: ما كنت أظن أن أحدًا من العرب يرومها، فَتَرَجَّلَ عن فرسه فَعَقَرَهُ، فتجاولا وحجبهما الغبار عن الناس
فتنازلا وتجاولا، هذا يهتف بسم الله الله أكبر، وهذا يهتف باللات والعزى، والمسلمون ينظرون ويترقبون في دهشة وقلق، والرسول يدعو في محراب العزة والشرف.
فثار الغبار من تحت أقدامهما من شدة المبارزة، فضرب عمرو بن عبد ود عليًا ضربةً شديدة فتلقاها علي بالدرقة فقدها وأثبت سيفه فيها.
فضـربه علي ضربة حيدرية كانت كالصاعقة على عاتقه سقط منها على الأرض.
ثم تقدم إليه علي ليجهز عليه فتفله عمرو فتراجع علي قليلًا حتى هدأ غضبه ليكون قتله لله خالصًا، فلما هدأ غضبه عاد إليه فقتله.
فارتفع هتاف الله أكبر من بين الغبرة فعرف الرسول والمسلمون أن عليًا قد قتله فكبروا وفرحوا بنصر الله.
ولمَّا انجلت الغبرة فإذا بعدو الله قد خر صريعًا على الأرض أفنى عمره في نصـرة اللات والعزى وهبل وختم عمره بالقتل والخزي في سبيل الجبت والطاغوت، فقد كان لدعاة الكفر صمام الأمان ورأس الحربة فقد كان في مقدمة الصفوف وقلب المعارك.
وكانت لعمرو درع من نسج داوود؛ فقال عمر بن الخطاب لعلي $: هلا سلبته درعه؟ فإنه ليس للعرب درع خير منها؟ فقال: استحييت أن أسلب ابن عمي، وأنشد:
نَصَـرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ
ونَصَرْتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوَابِ

فَصَدَدْتُ حِيْنَ تَرَكْتُهُ مُتَجَدِّلًا
كَالْجِذْعِ بَيْنَ دَكَادِكٍ وَرَوَابِي

وعَفَفْتُ عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوَ انَّنِي
كُنْتُ الْـمُقَطَّرَ بَزَّنِي أَثْوَابِي

فتنازلا وتجاولا، هذا يهتف بسم الله الله أكبر، وهذا يهتف باللات والعزى، والمسلمون ينظرون ويترقبون في دهشة وقلق، والرسول يدعو في محراب العزة والشرف.
فثار الغبار من تحت أقدامهما من شدة المبارزة، فضرب عمرو بن عبد ود عليًا ضربةً شديدة فتلقاها علي بالدرقة فقدها وأثبت سيفه فيها.
فضـربه علي ضربة حيدرية كانت كالصاعقة على عاتقه سقط منها على الأرض.
ثم تقدم إليه علي ليجهز عليه فتفله عمرو فتراجع علي قليلًا حتى هدأ غضبه ليكون قتله لله خالصًا، فلما هدأ غضبه عاد إليه فقتله.
فارتفع هتاف الله أكبر من بين الغبرة فعرف الرسول والمسلمون أن عليًا قد قتله فكبروا وفرحوا بنصر الله.
ولمَّا انجلت الغبرة فإذا بعدو الله قد خر صريعًا على الأرض أفنى عمره في نصـرة اللات والعزى وهبل وختم عمره بالقتل والخزي في سبيل الجبت والطاغوت، فقد كان لدعاة الكفر صمام الأمان ورأس الحربة فقد كان في مقدمة الصفوف وقلب المعارك.
وبمقتل عمرو انكسرت شوكة الأحزاب واهتز كيانهم وتصدع وسبب لهم الإرباك والفشل، ووصل إليهم مقتله فكان بمثابة الزلزال المدمر وحل عليهم شبح الخوف والرعب، وكانت هزيمتهم كما أخبر الله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} (الأحزاب:25).
ثم أقبل علي إلى رسول الله ووجهه يتهلل بالفرح والسرور، فعانقه (صلوات الله عليه وعلى آله) وقال: ((لمبارزة علي ابن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من عبادة أمتي إلى يوم القيامة)).
قال جابر بن عبد الله: فما شبهت قتل علي عمرًا إلا بما قص الله من قصة داوود وجالوت حيث يقول الله جل شأنه: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} (البقرة:251).
وبمقتل عمرو ونوفل قال (صلوات الله عليه وآله): ((الآن نغزوهم ولا يغزونا)).
وفي ليالٍ شاتية شديدة البرد بعث الله الريح على الأحزاب في معسكراتهم لم تترك لهم نارًا تشتعل وأزالت خيامهم وتساقطت قدورهم كما ذكر الله ذلك في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} (الأحزاب:9).
عند ذلك نادى أبو سفيان: يا قوم لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريضة ولقينا من هذه الريح ما ترون فالرحيل الرحيل فإني مرتحل فارتحلوا، فارتحلوا يجرون أذيال الخيبة والهزيمة.
فسمعت غطفان بما فعلت قريش فشمروا راجعين إلى بلدانهم.
فلما كان الصبح وقد تأكد الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من رحيلهم رجع بالمسلمين إلى المدينة منتصرين مسرورين.
???
وما أشبه تحالف قوى العدوان اليوم في حربهم وحصارهم للشعب اليمني حيث تتظافر جهود من طواغيت ومنافقي العرب مع اليهود والنصارى مع أمريكا وإسرائيل للقضاء على الإسلام المحمدي الأصيل الذي سطع نوره من اليمن ونحن على يقين أن مصير تحالف قوى الشر سيكون أسوء من مصير من تحالفوا في يوم الأحزاب على رسول الله والمسلمين معه.

?من أهم الدروس والعبر?
أن تظل ثقتنا بالله كبيرة مهما كان حجم التآمر وأن لا نسيء الظن بالله مهما حصل من متغيرات ميدانية المهم أن نأخذ بأسباب النصر.
يقول السيد حسين رضوان الله عليه في [معنى التسبيح]:
من يضعف إيمانهم دائمًا يردون – كما نقول نحن – المَحْق، يردون المَحْق في الله، فيحمِّل الله مسؤولية ما حصل، ثم ينطلق ليسيء الظن في الله {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب: من الآية10) فحصل عند البعض عندما حوصر المسلمون في المدينة مع الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في غزوة الأحزاب: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} حتى انطلق بعضهم يسخرون من النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وهم يحفرون الخندق، عندما ضرب الصخرة فانقدحت فقال: (الله أكبر إني لأرى قصور فارس، إني لأرى قصور صنعاء) فقالوا: يعدنا بأن يصل ديننا، أو أن تفتح هذه المناطق على أيدينا، وها نحن لا يأمن الواحد منا أن يخرج ليبول. ألم يقولوا هكذا؟ انطلق بعض الناس يقول هكذا.
ويقول:
بعض الناس يسيء الظن بالله، وهذا حصل في يوم الأحزاب عند بعض المسلمين: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب: من الآية10) عندما حاصرهم المشركون فحصل لديهم رعب كما حكى الله عنهم في [سورة الأحزاب]: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (الأحزاب:11) كما قال: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب: من الآية10) بدأت الظنون السيئة.
عندما يدخل الناس في أعمال، ونكون قد قرأنا قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحج: من الآية40) فيمر الناس بشدائد إذا لم تكن أنت قد رسخت في قلبك عظمة الله سبحانه وتعالى، وتنـزيه الله أنه لا يمكن أن يخلف وعده فابحث عن الخلل من جانبك: [أنه ربما نحن لم نوفر لدينا ما يجعلنا جديرين بأن يكون الله معنا، أو بأن ينصرنا و يؤيدنا] أو ابحث عن وجه الحكمة إن كان باستطاعتك أن تفهم، ربما أن تلك الشدائد تعتبر مقدمات فتح، تعتبر مفيدة جدًا في آثارها.
وقد حصل مثل هذا في أيام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في الحديبية، عندما اتجه المسلمون وكانوا يظنون بأنهم سيدخلون مكة، ثم التقى بهم المشركون فقاطعوهم فاضطروا أن يتوقفوا في الحديبية، ثم دخل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في مصالحة معهم، وكانت تبدو في تلك المصالحة من بنودها شروط فيها قسوة، لكن حصل في تلك المصالحة هدنة، هدنة لعدة سنوات كأنها لعشر سنوات تقريبًا.
لاحظ ماذا حصل؟ بعد ذلك الصلح الذي دُوِّن وفيه بنود تبدو قاسية، وظهر فيه المسلمون وكأن نفوسهم قد انكسرت، كانوا يظنون بأنهم يدخلون مكة، ثم رأوا أنفسهم لم يتمكنوا من ذلك فرجعوا، بعد هذه الهدنة توافدت الوفود على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من مختلف المناطق في الجزيرة العربية واليمن وغيرها، وفود إلى المدينة ليسلموا، فكان ذلك يعتبر فتحًا، وكان فتحًا حقيقيًا في ما هََيأ من ظروف مناسبة ساعدت على أن يزداد عدد المسلمين، وأن يتوافد الناس من هنا وهناك إلى المدينة المنورة إلى رسول الله(صلوات الله عليه وعلى آله) ليدخلوا في الإسلام، فما جاء عام الفتح في السنة الثامنة إلا ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قد استطاع أن يجند نحو اثني عشر ألفًا، الذين دخلوا مكة.
إذا كان الإنسان ضعيف الإيمان، ضعيف الثقة بالله، ضعيف في إدراكه لتنـزيه الله سبحانه وتعالى قد يهتز عند الشدائد، إما أن يسيء الظن في موقفه: [ربما موقفنا غير صحيح وإلا لكنا انتصرنا، لكنا نجحنا..] تحصل ربما، ربما… إلى آخره، أو يسيء الظن بالله تعالى وكأنه تخلى عنا، وكأنه ما علم أننا نعمل في سبيله، وأننا نبذل أنفسنا وأموالنا في سبيله: [لماذا لم ينصرنا؟ لماذا لم..؟].
الإنسان المؤمن، الإنسان المؤمن يزداد إيمانًا مع الشدائد: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران:173)؛ لأن الحياة كل أحداثها دروس، كل أحداثها آيات تزيدك إيمانًا، كما تزداد إيمانًا بآيات القرآن الكريم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (الأنفال: من الآية2) كذلك المؤمن يزداد إيمانًا من كل الأحداث في الحياة، يزداد بصيرة، كم هو الفارق بين من يسيؤون الظن عندما تحصل أحداث، وبين من يزدادون إيمانًا؟. وهي في نفس الأحداث، أليس الفارق كبيرًا جدًا؟
لماذا هذا ساء ظنه، وضعف إيمانه، وتزلزل وتردد وشك وارتاب؟ وهذا ازداد يقينًا وازداد بصيرة وازداد إيمانًا؟! هذا علاقته بالله قوية، تصديقه بالله سبحانه وتعالى، وثقته بالله قوية، تنزيهه لله تنزيه مترسخ في أعماق نفسه، يسيطر على كامل مشاعره فلا يمكن أن يسيء الظن بالله مهما كانت الأحوال، حتى ولو رأى نفسه في يوم من الأيام وقد جثم على صدره [شمر بن ذي الجوشن] ليحتز رأسه كالإمام الحسين (صلوات الله عليه).

??غزوة خيبر??
(سنة 7 هـ – 628م)
كان يهود خيبر ممن نقضوا عهودهم مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وانضموا إلى التحالف الذي كان يستهدف استئصال المسلمين. وبعد هزيمة الأحزاب كانت يهود خيبر تخرج للتدريب بجيشها وكانوا عشـرة آلاف مقاتل يخرجون صفوفًا ويرفعون حصونهم المتتابعة الممتدة على كل قراهم كما هو دأبهم وكما وصفهم الله في القرآن الكريم: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} (الحشـر:14) ويحفرون الخنادق ويجمعون غذاءً يكفيهم عامًا كاملًا ويجمعون السلاح بجميع أنواعه آنذاك فهم أهل أموال طائلة وكنوزٍ وفيرة.
وبينما هم في التدريب قال أحدهم: إن محمدًا يغزو كل من حاربه مع الأحزاب فتكلم قائدهم: محمد يغزونا؟ هيهات هيهات!
آخر: إن محمدًا لم يقاتل إلا قومًا أغمارًا لا علم لهم بالحرب أما نحن فلن يخرج إلينا فنحن أهل الحرب والقتال.
وكان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قد سلك طريقًا مغايرة لطريق خيبر فأمن أهل خيبر وفي ليلة من الليالي كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ينزل بالجيش في ساحة خيبر ويفرض الحصار عليها بشكل سري وهادئ.
وبعد طلوع الشمس خرج اليهود من حصونهم إلى مزارعهم للعمل ولكنهم رأوا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قد غزاهم فجأة فولوا هاربين إلى الحصون يصيحون: محمدٌ والخميس.. محمدٌ والخميس [أي الجيش].
فقال رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): ((الله أكبر.. خربت خيبر.. إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذَرين)).
وبعد أيامٍ من الحصار والمناورات أرسل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أبا بكر مع مجموعة فلما وصلوا خرجت المجموعة المجهزة لذلك المكان من الحصن وبرز فارسهم فيبرز له فارس من المسلمين وتنازلا فضرب اليهودي بسيفه ضربة قوية فلقيها المسلم بترسه ولكن السيف نزل إلى الأسفل ووصل إلى رِجْل المسلم فقطعها فاستشهد رحمه الله واشتبكت المجموعتان فترة من النهار فكانت الغلبة لليهود فرجع أبو بكر بالمجموعة مهزومًا.
وفي اليوم الثاني أرسل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عمر بن الخطاب بمجموعة فلما قربوا من الحصن أبطأ عمر في السير فقال له جندي من المجموعة: مالك يا أبا حفص لا تتقدم؟
عمر: أسرعوا يا إخوتي وتوكلوا على الله.
فما اقتربوا خرجت مجموعة من الحصن واقتتلوا فترة من النهار فكان محمود بن مسلمة تحت الحصن فألقى عليه يهودي حجرًا فاستشهد رحمه الله وكانت الغلبة لليهود فرجع عمر بالمجموعة مهزومًا فقال عمر للمجموعة: لو كان معي مجموعة غير جبناء لفتحت الحصن.
فأجابه أحدهم: إنك الذي جبنت يا أبا حفص وكأن سيفك عصا.
فتألم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أكثر لما جرى وجمع الناس وقال لهم لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار يفتح الله على يديه.
فتمنى البعض أن يكون هو الذي سيعطيه رسول الله (صلوات الله عليه وآله) الراية وفي الصباح اجتمعوا عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فقال: ((أين علي)) فقالوا إنه أرمد. فقال رسول الله (صلوات الله عليه وآله): ((ائتوني بعلي)) فلما جاءه تفل ومسح عينيه فشفيتا وأعطاه الراية وقال: ((خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله على يديك)) فأخذ علي (عليه السلام) يهرول بالراية مسرعًا حتى ركزها تحت الحصن.
وظهر يهودي من الحصن: من أنت.
فأجابه: أنا علي بن أبي طالب.
فقال اليهودي: علوتم وما أنزل على موسى، وخرجت مجموعة من فرسان اليهود وبرز الحارث فتقدم علي (عليه السلام) لمنازلته وتعاركا فما هي إلا لحظات وإذا الحارث صريع مجندل على الأرض فحمله اليهود.
ويتقدم أخوه (مرحب) أقوى فرسان خيبر كلها وطلب المبارزة وارتجز شعرًا فقال:
قد علمت خيبر أني
مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
 
فتقدم علي (عليه السلام) يرتجز شعرًا فقال:
أنا الذي سمّتني أمي حيدرة
أضرب بسيفي ميمنة وميسرة
أكيلكم بالسيف كيل السندرة

 

وتقدم علي (عليه السلام) وضرب بذي الفقار فوق رأس مرحب ضربة سمع اليهود الذين في الحصن تلك الضـربة حين قطعت المغفر المنحوت من الحجر ووصل السيف بين أسنان مرحب وتوقف الجميع مندهشين لتلك الصورة فقد توقف سيف مرحب في الهواء وأنفلق رأسه نصفين وخر صريعًا فكبر علي (عليه السلام) وكبر بعده من كان قد وصل من المجموعة ويواصل المسلمون هجومهم بينما اليهود يهربون إلى داخل الحصن إلا أن عليًا (عليه السلام) ومن معه استطاعوا اللحاق بهم قبل أن يغلقوا الباب فضـرب يهودي بسيفه عليًا (عليه السلام) فلقيه بالترس وسقط الترس فأخذ علي (عليه السلام) بمقبض الباب وتترس به وقتل ذلك اليهودي، بينما مجاميع من جيش المسلمين لا تزال في الطريق إلى ساحة المعركة وما إن وصلوا حتى اقتحموا مع علي (عليه السلام) الباب ودخلوا الحصن يقتلون ويأسرون فأخذ اليهود يهربون إلى الحصون الخلفية بعد أن سقطت حصون ناعم، فأرسل علي (عليه السلام) بلالًا (رضي الله عنه) بالأسرى والغنائم إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
فتقدمت المجموعة مع علي (عليه السلام) إلى الحصون الخلفية واليهود قد امتلأت قلوبهم رعبًا من هول ما رأوا من تلك الضـربات الحيدرية ولكن أحد فرسانهم تقدم للمبارزة فأهوى بسيفه على علي (عليه السلام) ولكن عليًا (عليه السلام) أوقف حركة هذا المبارز فقد قطع ذو الفقار رأسه وتناوش المسلمون مع اليهود زمنًا يسيرًا كانت الغلبة للمسلمين لتسقط حصونهم ويهرب أكثر اليهود إلى آخر معاقلهم وحصونهم والخوف قد سبقهم إلى تلك الحصون المحاصرة فضـربات علي (عليه السلام) قد شلَّت تفكيرهم القتالي وأصبحوا يطلبون الصلح فقبل رسول الله (صلوات الله عليه السلام) أن يصالحهم على:
ألا يقتلهم وأن يأخذ جميع أموالهم، أن يستأجرهم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) على مزارعهم بنصف ما أثمرت.
وانتشر نبأ سقوط خيبر في يد الرسول فأسرع اليهود الساكنون في فدك والعوالي وتيماء إلى طلب الصلح من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ودفع الجزية إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وكان سقوط خيبر نهاية لليهود ودرسًا لكل المشركين من قبائل العرب فأسلم بعض قبائل العرب وها هي مكة تتهيأ للسقوط في يد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).

?من أهم الدروس والعبر?
?درس مهم نستفيده من خيبر:
درس مهم تركه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) للأمة من بعده من غزوة خيبر حتى تكون على وعي كامل وبصيرة عالية بمن هو الجدير بقيادتها ومن هو الذي يستطيع أن يقودها إلى النصر والعزة ومن يمثل صمام الأمان لهذه الأمة وبالذات في مواجهة اليهود الذين هم العدو التاريخي والمستقبلي لهذه الأمة.
في خيبر كشف الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كيف أن الأمة كما يقول السيد حسين – رضوان الله عليه -: إن الأمة بحاجة إلى علي حتى وإن كان في مقام قد تعتقد أنه لا ينفع فيه.. فنحن نحن بحاجة أن نتولى عليًّا ‹عليه السلام›. وإن كنا نعتقد أن عليًّا لن يخرج بسيفه فيقاتل.
عندما كان أرمد لا يبصر موضع قدميه، ألم يكونوا يرون بأنهم لا يحتاجون إلى علي؟ فعندما قال رسول الله ‹صلوات الله عليه وعلى آله›: «لأعطينّ الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» نفس الآية التي قالت: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ (المائدة: 54) نفس المنطق يضعه رسول الله ‹صلوات الله عليه وعلى آله› على علي: «لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار يفتح الله على يديه»
أنه لن يقف أمام اليهود ويهزمهم إلا رجلًا من أهل بيت رسول الله يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قيادة في هذا المستوى، قيادة يحبها الله ورسوله، وتحب الله ورسوله، وأمة تحب الله ورسوله ويحبها الله ورسوله.

???????

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com