كيف حول عفاش اليمن إلى قاعدة للهيمنة الأمريكية والتبعية السياسية؟
الصمود||تقرير||
لم يكن الخائن علي عبدالله صالح، المعروف بـ“عفاش”، مجرد حاكمٍ مستبدٍّ جلس على كرسي السلطة بالصدفة، بل كان أداةً صُنعت بعناية في دهاليز المخابرات الأمريكية والسعودية لتدمير اليمن من الداخل، وتحويله إلى ساحة مفتوحة للهيمنة الخارجية. فطوال ثلاثةٍ وثلاثين عامًا، ظل اليمن رهينة لصفقات مشبوهة، وحروبٍ داخلية مدفوعة الأجر، ونهبٍ منظمٍ للثروات، حتى تحولت الدولة إلى كيانٍ هشٍّ تديره عائلةٌ فاسدة من قصرٍ جمهوري محصّن، بينما القرار الحقيقي يصدر من السفارة الأمريكية في صنعاء. لكنّ ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 جاءت لتقلب الطاولة، وتعيد لليمن قراره الحر، وتطوي صفحةً سوداء من تاريخ العمالة والخيانة.
عفاش.. وكيل المشروع الأمريكي الصهيوني في اليمن
منذ أن تولى السلطة عام 1978، نسج عفاش علاقاته مع الرياض وواشنطن، ثم مدّ خيوطها سرًّا إلى تل أبيب عبر وسطاء في القرن الإفريقي. فكان همزة الوصل بين أعداء الأمة وبلد الإيمان والحكمة، ينفذ أجنداتهم مقابل البقاء في الحكم وحماية ثرواته المنهوبة في الخارج.
وباسم “مكافحة الإرهاب”، فتح الأجواء اليمنية أمام الطائرات الأمريكية بدون طيار، وسمح بإنشاء قواعد سرية لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وقدّم معلوماتٍ استخبارية عن خصومه السياسيين والوطنيين، لتبرير جرائمه وتثبيت حكمه.
أما العلاقة مع الكيان الصهيوني، فقد اتخذت طابعًا أكثر خطورة، إذ سهّل مرور السفن الإسرائيلية في باب المندب، وقدم تسهيلاتٍ لوجستيةٍ وتقنيةٍ للعدو مقابل دعمٍ استخباري مباشر. وكشفت وثائق لاحقة عن لقاءاتٍ سرّية جمعت ضباطًا من الموساد بمسؤولين في نظامه، ضمن تنسيقٍ يهدف لضمان السيطرة الصهيونية على البحر الأحمر وممراته الاستراتيجية.
نهب الثروات وتجويع الشعب
كانت فلسفة حكم عفاش قائمة على قاعدة “العائلة أولًا والدولة آخرًا”. فقد أحاط نفسه بدائرةٍ ضيقة من الأقارب: ابنه أحمد تولّى الحرس الجمهوري، وأبناء إخوته سيطروا على الأمن القومي والمركزي ومؤسسات المال، حتى تحولت الدولة إلى شركةٍ عائليةٍ تبيع الولاءات وتشتري الصمت.
وفي العقد الأول من الألفية، اختفت أكثر من 50 مليار دولار من إيرادات النفط والغاز، حُوّلت إلى حسابات خارجية أو مشاريع وهمية، فيما أغرقت لوبيات العائلة السوق بالبضائع المستوردة لتدمير الإنتاج الوطني، وجعلت اليمن سوقًا استهلاكية تابعة.
أما الأراضي والمباني الحكومية، فقد جرى توزيعها كهباتٍ وامتيازاتٍ على قيادات الحزب الحاكم، حتى صار الوطن مزرعةً خاصة لعائلةٍ حاكمةٍ لا ترى في الشعب سوى أداةٍ للبقاء والثراء.
تدمير الدفاعات الجوية.. صفقة الخيانة الكبرى
ضمن مشروع السيطرة الأمريكية، وقّع نظام عفاش اتفاقيةً سرية مع واشنطن لتدمير منظومات الدفاع الجوي اليمنية المحمولة على الكتف، بذريعة “مكافحة الإرهاب”.
ففي عام 2004، قاد عمار محمد عبدالله صالح – بإشراف مباشر من عمه – مفاوضاتٍ مع وفدٍ أمريكي لتسليم الصواريخ وتفجيرها. وبتنفيذٍ من شركة “رونكو” الأمريكية، جرى تفجير أكثر من **1263 صاروخ دفاع جوي**، بينها “سام7” و“ستريلا”، في مناطق الجدعان ومأرب، ما حرم اليمن من قدرته على حماية أجوائه.
وقد أكدت وثائق “ويكيليكس” هذه الحقائق، مبينة أن علي عبدالله صالح تعهّد لمساعد وزير الخارجية الأمريكي بعدم شراء أي منظومات جديدة، قائلًا: *“نحن لا نحتاج إليها.”* وهكذا تمكّنت أمريكا من تفريغ الجيش اليمني من قدراته الدفاعية، تمهيدًا لمرحلة العدوان والسيطرة الكاملة.
الهيمنة الأمريكية.. من الوصاية الكاملة إلى الرحيل المذل
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، اتخذت واشنطن من اليمن ساحة اختبار لسياساتها العدوانية تحت شعار “مكافحة الإرهاب”. فأصبح السفير الأمريكي الحاكم الفعلي في صنعاء، يتدخل في قرارات الحكومة والجيش والقضاء، ويوجه الوزراء والأحزاب وفق مصالح بلاده.
كما عملت الولايات المتحدة على تفكيك النسيج الاجتماعي، وإثارة النزعات المذهبية والمناطقية، وتحويل التعليم والإعلام إلى أدواتٍ للتطبيع مع الفكر الأمريكي، وإضعاف الهوية الإيمانية للشعب اليمني.
ووصلت الوصاية حدًّا مهينًا جعل السفير الأمريكي يترأس اجتماعاتٍ رسمية داخل الوزارات والمعسكرات، حتى غدت السفارة الأمريكية أشبه بـ“القيادة المركزية” لليمن المحتل سياسيًا.
لكن هذه السيطرة لم تدم طويلًا؛ فبفضل وعي الشعب اليمني واستبساله، تفجرت ثورة 21 سبتمبر التي أنهت الهيمنة الأمريكية، وأجبرت السفير والبحرية الأمريكية على مغادرة صنعاء في مشهدٍ تاريخيٍّ من الذل والمهانة، بعد أن أحرق المارينز أسلحتهم وغادروا أجواء اليمن مطأطئي الرؤوس.
ثورة 21 سبتمبر.. ميلاد اليمن الحر
جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014 كزلزالٍ سياسيٍّ أطاح بمشروع الوصاية الأمريكية، وأعاد لليمن قراره السيادي وكرامته الوطنية. لم تكن ثورةً عابرة، بل كانت تصحيحًا لمسارٍ تاريخيٍّ طويلٍ من الخضوع، ونقطة تحوّلٍ فارقة في مسيرة الشعب اليمني نحو التحرر والاستقلال.
فقد كشفت الثورة حجم التغلغل الأمريكي في مفاصل الدولة، وفضحت القوى السياسية التي ارتهنت للسفارة الأمريكية وتنازلت عن السيادة الوطنية مقابل فتات المناصب.
وغداة انتصار الثورة، غادر السفير الأمريكي صنعاء مذعورًا، لتبدأ مرحلة جديدة من المواجهة بين الشعب اليمني الحر والعدو الأمريكي الصهيوني وأدواته في المنطقة. ومن يومها، صار اليمن عنوانًا للكرامة والسيادة، ونموذجًا للأمة في مواجهة الطغيان.
من زمن العمالة إلى عهد الحرية
لقد أثبتت الوقائع أن عفاش لم يكن رئيسًا وطنيا، بل وكيلًا مدفوع الأجر في مشروعٍ استعماري هدفه تفكيك اليمن ونهب ثرواته، وأن العدوان الأمريكي السعودي الذي بدأ عام 2015 لم يكن سوى انتقامٍ من ثورة قطعت يد الوصاية إلى الأبد.
أما اليوم، فإن اليمن – بثورته وقيادته وشعبه – يقف في الصفوف الأولى لمحور المقاومة، يبني قوته الدفاعية من الصفر، ويواجه العدوان الأمريكي الصهيوني بثباتٍ وإيمانٍ وكرامة.
وهكذا يسجل التاريخ أن شعب الإيمان والحكمة انتصر على الطغاة، وأن الهيمنة الأمريكية التي استمرت عقودًا انتهت في صنعاء بثورةٍ أطهرت الأرض من رجس العملاء، وفتحت لليمن باب الحرية والسيادة والاستقلال.
نقلاً عن موقع 21 سبتمبر