العمل الإنساني بين البراءة والاستغلال
الصمود – بقلم/ شاهر أحمد عمير
كشفت الحرب الصهيونية على غزة، وما رافقها من مواقف مشرفة للقوات المسلحة اليمنية في دعم الشعب الفلسطيني، عن حقيقة غائبة عن كثيرين: أن بعض العاملين في المجال الإنساني والإغاثي الدولي لا يقتصر دورهم على تقديم المساعدات، بل يعملون أحيانًا كجواسيس وعناصر استخباراتية، مستخدمين ستارَ الخير والإغاثة لتحقيق أهداف سياسية وخدمة مشاريع قوى الاستكبار.
لقد أصبح واضحًا أنّ العمل الإنساني لم يعد بريئًا كما يُصوّر، وأن الشعارات الراقية التي ترفعُها بعضُ المنظمات الدولية تُستغل لتسهيل تدخلات سياسية وعسكرية وجمع المعلومات الحساسة، وربما تمهيد الطريق لمزيد من العدوان.
ففي بعض الحالات، تغيثُك هذه المنظماتُ بالمواد الغذائية، وفي الوقت نفسه تحدّدُ المواقعَ والإحداثياتِ ليقصفَ الطيرانُ السعوديّ والإماراتي والأمريكي والإسرائيلي والبريطاني أهدافًا في اليمن وفلسطين.
في زمن تتداخل فيه الحروب الميدانية مع الحروب الخفية، لم يعد السلاح وحده هو الفيصل، بل أصبح ما يُسمّى بـ”العمل الإنساني” أحيانًا ساحة أُخرى للصراع، تُستغل فيها حاجة الإنسان لتحقيق أهداف استخباراتية وسياسية، ولخدمة أجندات القوى الاستعمارية والاحتلالية.
اليمن اليوم، بعد استشهاد رئيس الوزراء ورفاقه، والمجاهد الكبير الفريق الركن محمد عبدالكريم الغماري –رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة اليمنية سلام الله عليهم– يواجه حقيقة مؤلمة: أن بعض المنظمات الإنسانية الدولية لم تعد بريئة، بل تحولت إلى أدوات للتجسس، مستغلة حاجات الإنسان اليمني وآلامه لتسهيل أهداف أعداء الأُمَّــة.
إن هذه الأعمال القذرة لا تمس فقط الأمن الميداني، بل تهدّد سيادة الدولة واستقلال القرار الوطني، وتشكل تهديدًا مباشرًا لحياة القيادات والمجاهدين في الصفوف الأمامية.
وفي هذا السياق، جاء خطاب الرئيس مهدي المشاط -حفظه الله- ليضع النقاط على الحروف، موضحًا حجم الخطر الذي تسبب في استشهاد القادة اليمنيين: “الذي حصل هو أن الأمريكي وظّف العمل الإنساني الأممي لخدمة العدوّ الصهيوني، ولم نتوقع هذا التوظيف السيء والقبيح والإجرامي، وقد عالجنا هذا الخلل وأغلقنا هذه الثغرة بشكل نهائي”.
وَأَضَـافَ الرئيس المشاط، مشيدًا بالجهود الأمنية اليمنية: “أتقدم بالشكر لأجهزتنا الأمنية التي تمكّنت بعون الله من معالجة الخلل وإغلاق الثغرة في وقت قياسي”.
هذا الموقف الرسمي ليس مُجَـرّد بيان، بل رسالة استراتيجية تؤكّـد أن اليمن دولة واعية، حامية لسيادتها، ومستعدة لمواجهة أي اختراق تحت أي غطاء، وأنها لن تسمح بتحويل المساعدات الإنسانية إلى أدَاة ضغط أَو وسيلة استهداف للمجاهدين والشعب.
الحوادث الأخيرة تُظهر أن ما يُسمّى بالعمل الإنساني أصبح أحيانًا واجهة للاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية، لاستهداف المقاومة وجمع المعلومات حول البنية التحتية الحيوية والطرق والموانئ، سواء في اليمن أَو فلسطين.
ومن هنا يظهر حجم المخاطر المترتبة على غياب الوعي الوطني؛ فقد تصبح الشعوب، دون إدراك، أدوات في معركة ليست من صنعها، وميدانيًّا أَو فكريًّا فريسة لمن يريد استغلال حاجتها الإنسانية.
لذلك يصبح الوعي الوطني والمجتمعي السلاح الأول والدرع الأقوى لمواجهة هذا النوع من الحروب الحديثة.
الشعوب الواعية وحدها القادرة على حماية نفسها من الاختراق والمرتزِقة، على المستوى الميداني والفكري والسياسي، ومواجهة أية محاولة لاستغلال حاجتها للخير باسم الإنسانية.
المعركة اليوم لم تعد فقط ضد العدوان المباشر، بل ضد أدواته الخفية، المستترة خلف شعارات الرحمة والمساعدات.
إن تعزيز هذا الوعي ليس مُجَـرّد خيار فكري، بل ضرورة استراتيجية لضمان وحدة الشعب وتماسك الجبهة الداخلية، ولحماية القرارات الوطنية من أي تأثير خارجي.
المجتمعات الواعية تستطيع التمييز بين الفعل الإنساني الصادق وما يُستغل باسم الإنسانية لأغراض خبيثة، وبين من يمدّ اليد للمساعدة ومن يمدّها للتجسس والخيانة.
اليمن، كما التاريخ يشهد، استطاع أن يكون حصنًا صُــلبًا في مواجهة كُـلّ المحاولات الاستعمارية والخبيثة، وأن يحمي قراره وسيادته بوعي وإيمان راسخ، محافظًا على كرامته وحقوقه في تقرير مصيره بحرية.
وفي نهاية المطاف، يتضح أن الوعي الوطني هو الدرع الذي لا يُخترق، والسلاح الاستراتيجي الذي يحمي الشعوب الحرة من استغلال الإنسانية المزيفة، ويضمن قدرتها على الصمود والانتصار في كُـلّ المعارك، سواء كانت ميدانية، فكرية، أَو اجتماعية.
فما دامت البصيرة حاضرة، لن تُخدع الأمم بشعارات زائفة، ولن تُستغل حاجتها باسم “إنسانية ملوّثة” تخدم مصالح المحتلّين والطغاة.