الصمود حتى النصر

الغماري.. شهيد الإنسانية

الصمود – بقلم/ عبدالرحمن العابد

كنت أشاهد موكب التشييع يتحرك حاملاً جثمان اللواء محمد عبدالكريم الغماري “سلامُ الله على روحه الطاهرة” ورفاقه، بعد أن خلقت روحه واقعاً جديداً، وتبادر إلى ذهني سؤال أمام ذلك المشهد: أيَعي المجرمون أن كل شهيد يسقط هنا يغيّر موازين العالم كله؟

قبل أن تدمع عيون العالم على غزة، كان هناك يمنٌ ينزف منذ عشر سنوات، أعرف هذا جيداً لأنني كغيري عشته يوماً بيوم.

نفس القصف الذي رأيتموه في غزة، عشناه هنا.

لكن اليوم، ونحن نُشيّع اللواء الشهيد محمد الغماري، ندرك أن المعادلة اختلفت.

كان اللواء الغماري الرجل الذي حوّل الجيش اليمني من جيش تقليدي إلى قوة تُغلق بحراً بأكمله، وتطير مسيّراته لتصل إلى “أم الرشراش ويافا” وكافة الأراضي المحتلة.

واستشهاده بطائرات العدو الإسرائيلي كان ختماً لمصداقية مشروع تحرري متكامل.

الطائرة التي اغتالته هي في الحقيقة اعتراف بمدى قوة مشروع التصنيع العسكري الذي كان من بناته، وجعل من اليمن نقطة انطلاق لصواريخ تؤكد أنه لم يعد مسموحاً لأحد أن يهيمن علينا.

الغماري ليس شهيد اليمن فقط، ولا فلسطين فحسب “رغم أن ذلك شرف لا يضاهيه شرف”، لكنه شهيد الإنسانية التي ترفض الخنوع في كل أصقاع الأرض.

شهيد من أجل عالم لا تتعرض فيه غزة لجريمة الإبادة الجماعية وسط صمت مخزٍ،

ولا تكون فيه الدول اللاتينية ضحية لسطوة الولايات المتحدة،

ولا تكون تايوان ورقة ضغط ضد الصين، ولا أوكرانيا مصيدة لروسيا، ولا تُحتل فيه فنزويلا بذريعة المخدرات.

والعالم بأكمله يرقب هذه التجربة ويستلهم منها الدروس.

الغماري.. تجربة إنسانية ملهمة، مبنية على انتماء حقيقي وهوية يمانية إيمانية مأخوذة من أعظم ما سطّره التاريخ الحديث للبشرية.

نعم، لا توجد معركة مصيرية دون خسائر، والشهداء مثل اللواء الغماري لا يموتون، بل يزرعون البذور.

هو بذرة كبرياء في نفوس المظلومين، وبذرة تقنية في التصنيع المحلي، وبذرة عزيمة في قلوب الأحرار.

رحل الغماري سلامُ الله عليه، لكنه ترك لنا إرثاً عظيماً لا يُقهر..

ترك لنا بحراً يمنياً كامل السيادة.. ومصانع من كبرياء.. وجيلاً يعي أن التحرر هو دماء وتضحيات في سبيل الله، وستُزهر في نفوس الأجيال “حرية”.