مشكلةُ السعودية معنا لا مشكلة اليمن معها
الصمود – بقلم/ رهيب التبعي
تتعامل مع اليمن كحديقةٍ خلفية، وحين قرّر اليمنيون كسرَ القيد ورفض الوصاية، أشعلت عدوانًا ظالمة ودمّـرت الحجر والبشر ونهبت الموارد.. وتحتل السعوديّة محافظاتٍ يمنية وتبني مليشيات مناطقية لتمزيق النسيج الوطني.
ليست مشكلتنا مع السعوديّة مسألة نهب مرتبات وإيرادات أَو خلافات سياسيّة عابرة.
بل مشكلة السعودية معنا أنها منذ عقودٍ تتعامل مع اليمن كحديقةٍ خلفية، وحين قرّر اليمنيون كسرَ القيد ورفض الوصاية، أشعلت السعوديّة عدوانًا ظالمة ودمّـرت الحجر والبشر؛ أي انتزاءٌ على هُويةٍ وحقّ الوجود.
إنها قصة شعبٍ يريد أن يكون سيّد قراره.. في وجه مملكةٍ لا تريد له أن يكون.
ليست مشكلتنا مع السعوديّة مسألة راتبٍ مقطوع أَو منحةٍ مفقودة، فالقضية أعمق بكثير من حسابات المال والمساعدات.
إن مشكلة السعودية معنا هي قضية وجودٍ وكرامةٍ وسيادةٍ لشعبٍ أراد أن يكون حُرًّا في وجه جارٍ لم يحتمل أن يرى اليمن واقفًا على قدميه، مستقلًّا بقراره، سيّدًا على أرضه.
منذ تأسيس كيان آل سعود، كانت نظرتهم إلى اليمن نظرة الوصيّ إلى القاصر، لا نظرة الندّ إلى الندّ.
لم يريدوا لنا أن نكون أغنياء مستقلين ولا فقراء شرفاء، بل أرادونا تابعين، أن نبقى في الهامش، وأن يكون اليمن مُجَـرّد “حديقة خلفية” تتحَرّك بأمرهم وتُقاد بعصا نفوذهم.
على مدى عقودٍ طويلة، سخّرت السعوديّة المال والنفوذ والدين والإعلام، وحوّلت اليمن إلى ساحة عبثٍ سياسيٍّ وماليٍّ، اشترت فيها الولاءات من أعلى رأسٍ في السلطة إلى أدنى صوتٍ في المعارضة.
تحوّل المشايخ والدعاة والإعلاميون إلى أدوات في شبكةٍ واسعةٍ تمتد من الرياض إلى كُـلّ قريةٍ يمنية.
لم يسلم من هذا النفوذ مسجدٌ ولا جامعةٌ ولا منبر إعلامي.
قبل ثورة 21 سبتمبر، كانت المعونات والمنح أدوات هيمنة ناعمة تُكبّل اليمن وتشلّ قراره.
وحين قال اليمنيون كلمتهم الواضحة:
لا للوصاية.. لا لأمريكا.. لا للسعوديّة، أعلنت الرياض حربَها المفتوحة منذ مارس 2015م، وفتحت سماء اليمن لصواريخها وطائراتها.
منذ ذلك اليوم، دخل اليمن في حرب تدميرية شاملة.
قصفت السعوديّة المدارس والمستشفيات والموانئ والمعالم الأثرية والمدن التاريخية.
بلغ عدد الشهداء والجرحى أكثر من 53 ألفًا و264 مدنيًّا، بينهم 19 ألفًا و282 شهيدًا و33 ألفًا و982 جريحًا.
أطفال تحت الركام، وأُمهات يودعن أبناءهن، ومدنٌ تُحرق لتُروى شجرة الطغيان بالنفط والدم.
ولم تكتفِ السعوديّة بالقصف، بل خاضت حربًا اقتصادية خانقة ضد اليمنيين.
نقلت البنك المركزي إلى عدن، وسيطرت على القرار المالي، وفرضت حصارًا على الغذاء والدواء والمشتقات النفطية.
نهبت الثروات النفطية والغازية من شبوة وحضرموت والمهرة، واستباحت المياه الإقليمية والحقول النفطية، وحاربت حتى الصيادين والمزارعين.
كانت تستهدف منظومة طاقة شمسية قيمتها مليون ريال بصاروخ قيمته خمسون ألف دولار، فقط لتمنع مزارعًا من أن يقتات بكرامة من أرضه.
كُـلّ ذلك لأنها لا تريد لنا أن نكون مستقلين، ولا تحتمل أن ترى شعبًا يختار الحرية على التبعية.
واليوم، بينما تحتل السعوديّة محافظاتٍ يمنية وتبني مليشيات مناطقية لتمزيق النسيج الوطني، تظن أنها قادرة على ضم حضرموت والمهرة كما ضمّت نجران وجيزان.
لكنها تتناسى أن اليمن ليس أرضًا تُشترى بالنفط ولا شعبًا يُباع في سوق السياسة؛ اليمن هويةٌ وتاريخٌ وموقفٌ عصيٌّ على الكسر.
مشكلة السعودية معنا ليست في السياسة ولا في الاقتصاد فحسب، إنها معركة على حقّ الوجود نفسه.
فقيام يمنٍ قويٍّ ومستقلٍّ يعني سقوط وصايتها ونهاية هيمنتها في الجزيرة العربية.
ولذلك نقولها بوضوحٍ لا لبس فيه: مشكلة السعودية معنا أنها لا تعترف بحقنا في الوجود، لكننا وُجدنا وسنبقى.
لن يُطفئ مالها نور هذا الشعب، ولن تُرهبنا صواريخها ولا مرتزِقتها، فالشعب الذي صمد تحت القصف ثماني سنوات لن يركع لوصايةٍ ولا لريالٍ ملوّثٍ بالنفط والدم.
“أترى حين أفقأ عينَيْك ثم أثبِّتُ جوهرتين مكانَهما..
هل ترى؟
هي أشياء لا تُشترى”.