الصمود حتى النصر

وانتصرت غزة

الصمود – بقلم/ محمد عباد المرقب

في لحظةٍ فارقة من التاريخ، تتبدّل الموازين، وتنكسر الغطرسة التي طالما ظنّ أصحابها أنها لا تُقهر، هناك، على أرضٍ ضيّقة محاصرة، كتب الشعب الفلسطيني ملحمةً جديدة في دفتر الكرامة الإنسانية، وأثبت للعالم أن الإرادة إذا تماهت مع الإيمان، فالمستحيل يصبح واقعًا. غزة انتصرت.

لم يكن النصر مجرّد اتفاق أو هدنة، بل تحوّل استراتيجي عميق في معادلات القوة والسياسة، فبعد عامين من جرائم الإبادة الجماعية التي أراد كيان العدو الصهيوني أن يجعلها نهاية لغزة، خرجت من تحت الركام أشدّ صلابة، وأقوى حضورًا، وأكثر تأثيرًا في وعي العالم.

من بين الدمار، خرجت المقاومة لتقول كلمتها الأخيرة: لا يمكن سحق إرادة الحرية، فرضت غزة معادلة جديدة، لا مكان فيها لهيمنة السلاح دون إرادة، ولا وزن فيها لطائراتٍ أمام صمود طفلٍ يحمل علم فلسطين ويهتف للقدس.

لقد أجبرت غزة المجرم نتنياهو وحكومته على الجلوس إلى طاولة الشروط الفلسطينية، بعد أن عجز عن تحقيق أيٍّ من أهدافه، تحوّلت المقاومة من موقع الدفاع إلى موقع الفرض، ومن دائرة الحصار إلى مركز التأثير العالمي، واستطاعت غزة والمقاومة فرض معادلات انهاء العدوان وتبادل الأسرى، وأخضعتا الاحتلال بعد عامين من حرب الإبادة.

لكن النصر لم يكن عسكريًا فحسب؛ كان أخلاقيًا وإنسانيًا قبل كل شيء، لقد نجحت غزة في تعرية الكيان الصهيوني أمام العالم، وكشفت زيف ديمقراطيته المزعومة، وحوّلته إلى كيان منبوذ، بعدما رأى الناس في كل القارات كيف تُقصف المستشفيات والمدارس، وتُقتلع الطفولة من أحضان أمهاتها.

من رحم الألم وركام البيوت، وُلد وعيٌ عالمي جديد، ملايين الأحرار خرجوا في العواصم الكبرى يهتفون لفلسطين، بعد أن وحّدتهم صور غزة الصامدة، التي أصبحت رمزًا للإنسانية كلها.

انتصار غزة اليوم ليس نهاية معركة، بل بداية مرحلة جديدة من الوعي والكرامة، إنه انتصار لقيم المقاومة، ولحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، ولصوت الإنسان الحرّ في مواجهة الظلم، أياً كان شكله أو اسمه.

غزة التي قاومت الجوع والحصار والنار، لا تبحث عن نصرٍ ماديٍّ، بل عن حياةٍ بكرامة، انتصرت لأنها لم تركع، لأنها علّمت العالم أن الأوطان تُصان بالصبر، وأن الدم حين يمتزج بالأرض يصنع مجدًا لا يُشترى.

وانتصرت غزة… لأنها كانت وما زالت مدرسةً في معنى الحرية.