يمن الإيمان… المكافحُ الأول لفيروس الطغيان
الصمود – بقلم/ طوفان الجنيد
اليمن وما أدراك ما اليمن؟ ومن ذا الذي لا يعرف اليوم اليمن؟ يمنُ الأنصار اليوم أصبح أشهرَ من نار على علم، وقبلةً لكل الأحرار، وكهفًا وأملًا لكل ملهوف ومستضعف، وقوةً إقليميةً وعالميةً عظمى.
وهو المناعة الحقيقية لكل الجغرافيا والتاريخ والاستراتيجية والروح التي تصنع التاريخ، والإرادَة التي تُحدّد مصير الأمم.
وعلى ضوء هذه المعادلة يبرز اليمن ليس مُجَـرّد موقع على الخريطة، بل هو فكرةُ مقاومةٍ، وجوهرٌ صامد، و”ترياق” وجودي.
إن “يمن الإيمان” الذي تشكَّل عبر قرونٍ من العصور والإزمان السحيقة، بإيمانه الراسخ وصلابةِ باسِ رجاله وطبيعةِ حضارته، والنضالِ والآباءِ والصمودِ والحكمة الواسعة، والإرادَة والعزيمة التي لا تَلِين، والمشروع الاستراتيجي المتجذّر لمواجهة “فيروس الطغيان” بشتى أشكاله، وكسر شوكة “أطماع الشيطان” بكافة مخطّطاتِه التدميرية.
ولو تفحصنا محاورَ عنوانِ المقال نجد أن:
المحور الأول: يمن الإيمان – المكوّنُ الاستراتيجي الثابت.
الإيمان هنا ليس مُجَـرّد شعار، بل هو الرأسمالُ الاستراتيجي الأكثر متانة؛ فالإيمان بالله والثقة بنصره هو ما يمنح القرارَ الاستراتيجي مناعةً ضد الترهيب والترغيب، ويحوّل التحديات إلى منح، والموارد المحدودة إلى إرادَة لا تنضب.
والهويةُ إلى مشروعٍ استراتيجيّ تحرّريّ واعٍ.
اليمن أرضُ الأنبياء ومهدُ الحضارات؛ مما يجعله منيعًا ضد مشاريع طمس الهوية والتبعية الثقافية.
فالإيمان بالحق والعدالة – هذه القيمة – تجعل من اليمن قضيةً عالمية، فهي لا تدافع عن نفسها فقط، بل تدافع عن ميزان العدل في المنطقة والعالم، وتمنحها شرعيةً أخلاقيةً تتفوّق على أي شرعية دولية مزوّرة.
المحور الثاني: فيروس الطغيان – عبارةٌ كنايةً لتشخيص العدوّ الاستراتيجي.
أما الطغيان هنا فليس نظامًا سياسيًّا بعينه، بل هو “فيروس” عضال يتمدّد بأشكالٍ متعددة ومجالاتٍ مختلفة.
أهمّها:
المجال العسكري: المتمثّل في مشاريع الهيمنة والغزو، حَيثُ أصبح اليمن في هذا العصر الحديث خطّ الدفاع الأول أمام آلات الحرب المدجّجة بأحدث الأسلحة، مثبتًا أن الإرادَة أقوى من الحديد والنار.
المجال الاقتصادي: عبر استخدام الثروة كسلاحٍ لخنق الشعوب وإخضاعها.
تأتي المقاومة اليمنية، ممثلةً بقائدها الملهم – الحيدري الكرّار – سماحة السيد عبدالملك بن بدرالدين الحوثي – رضوان الله عليه – ورجاله الأوفياء، نموذجًا لكيفية تحويل الحصار إلى فرصة للاكتفاء والابتكار، وتفجير طاقات الأُمَّــة.
كيف تحوّل اليمن من “هدف” إلى “ترياق” شافٍ؟ وذلك عبر آليات استراتيجية فريدة:
استراتيجية قلب الموازين: تحويل نقاط الضعف الظاهرية إلى مصادر قوة.
فقلة الإمْكَانات تحوّلت إلى قوّة في الإرادَة، وندرة السلاح تحوّلت إلى إبداع في صناعة العتاد، والحصار تحوّل إلى منصة للانطلاق نحو التنمية الاقتصادية والتصدير.
أثبت اليمن في الآونة الأخيرة في التصدي لتحالف الشر والإجرام – الأمريكي الصهيو سعوديّ إماراتي بريطاني – وأدواتهم؛ أَو في معركة إسناد غزة كيف تُبنَى وتُدار استراتيجية الحرب غير المتماثلة: وأثبتوا أن انتصار الإرادَة والمنطق الأخلاقي لا يحتاج إلى تكافؤٍ في الموازين التقليدية، مما يحطّم مقولة “الحتمية العسكرية” التي تروّج لها قوى الطغيان.
اليمن اليوم ليس مُجَـرّد ساحة قتال، بل أصبح “مدرسة” للنضال تتعلّمُ منها الأمم المستضعفة.
ودوره كـ”ترياق” يتجلّى في قدرته على إعادة إحياء روح المقاومة وإثبات إمْكَانيةِ الانتصار في مواجهة أعتى القوى، وكيف يتحوّل الزمن من حليفٍ للطغيان إلى سلاحٍ في يد الصامدين.
كُـلّ يومٍ يصمد فيه المجاهدون هو هزيمةٌ استراتيجية لمشاريع الهيمنة، واستنزاف لمواردها وقدراتها المعنوية.
المحور الرابع: أطماع الشيطان – الإطار الكلّي للصراع.
“ما معنى أطماع الشيطان؟” هي عبارةٌ تجسيدية للمشاريع الاستعمارية الشاملة التي تهدف إلى استعباد الأُمَّــة وتمزيقها عبر إثارة النعرات الطائفية والقبلية، وإفساد أخلاقها، وإماتة ضمائرها عبر نشر الفحشاء والانحلال الأخلاقي، والسيطرة على المقدّرات ونهب الثروات لتبقى أُمَّـة مستهلكةً ذليلة.
ما معنى “اليمن ترياق”؟
لأنها كشفت المخطّطات الغربية وعرتها، وفضحت أدواتها المحلية والإقليمية، وقدمت نموذجًا حيًّا لوحدة الصف ووحدة الهدف، وهذا ما يحصّن الأُمَّــة من الداخل ضد هذه الأطماع الشيطانية – الأمريكية الصهيونية الغربية.
خاتمة: المعركة مُستمرّة هكذا أعلنها قائد الثورة – سلام الله عليه – في تعليقه على الاتّفاق المبرم بين فصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، بعد أن قال: نحن نرضى بما ترضى به حماس ونحن تحت أمرها متى شاءت.
وهكذا لم يعد “يمن الإيمان” اليوم حالةً محليةً فحسب، بل تحوّل إلى نظريةٍ استراتيجيةٍ في مواجهة الاستكبار العالمي.
وبقيادته الربانية والشجاعة يثبتُ أن الجغرافيا لا تُهزم بالإيمان، وأن التاريخ لا يكتبه إلا أصحاب الإرادَة.
اليمن هو ذلك الترياق الذي لا يقتصر مفعولُه على تخليص نفسه من سموم الطغيان، بل يمتد ليشفي جروح الأُمَّــة، ويعيد إليها ثقتها بنفسها، ويذكّرها بأن النصر صناعةٌ ذاتية، وهديةُ السماء لأهل العزائم الأبية.