أبعاد خطة ترامب لإدارة غزة .. استعمار جديد برئاسة بلير
الصمود//تقرير//محمد الكامل
في خضمّ تداعيات العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، يقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته لإدارة القطاع في مرحلة ما بعد العدوان.
وتتضمن الخطة تعيين رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير رئيسًا لحكومة انتقالية في غزة، بمشاركة قوات عربية واسلامية تتولى مهمة حراسة الحدود والإشراف على ملف الإعمار، وفق ما كشفته صحيفة هآرتس العبرية.
وتعد الخطة محاولة من ترامب لاحتواء فشل العدوان الصهيوني وترتيب المرحلة القادمة في القطاع على أسس سياسية استعمارية جديدة، تهدف إلى إعادة صياغة المشهد الفلسطيني بما يخدم مصالح الاحتلال، ويقصي إرادة الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة.
وتأتي هذه التحركات في لحظة شديدة الحساسية، عقب عدوان دمّر القطاع بشكل شبه كامل، وفي ظل سعي أمريكي-أوروبي لفرض معادلات جديدة من خارج إرادة الفلسطينيين، متجاهلين الواقع الذي فرضته المقاومة بعد عملية “طوفان الأقصى”، التي أعادت رسم قواعد الصراع وأسقطت أوهام التسوية منذ اتفاق أوسلو وحتى ما بعد 2004.
بلير.. واجهة استعمارية بوجه إنساني
وتُبرز الخطة شخصية بلير كـ”منقذ إداري” لغزة، لكن تاريخه السياسي في المنطقة يُظهر العكس تمامًا، فهو أحد أبرز المهندسين لمسار ما بعد أوسلو، ومبعوث اللجنة الرباعية الدولية الذي عمل على تثبيت المصالح الصهيونية والأمريكية في المنطقة، فضلًا عن مشاركته المباشرة في الغزو الأنغلو-أمريكي للعراق عام 2003.
ويرى مراقبون أن استدعاء بلير مجددًا لا يعبّر عن نية إصلاح أو إعمار، بل عن محاولة لتجميل مشروع الاحتلال تحت لافتة “عملية السلام”، وهو ما أكّدته صحيفةThe New Arab التي وصفت الخطوة بأنها استعمارية بحتة، مشيرةً إلى أن الفلسطينيين سيرفضون أي هيئة يرأسها بلير نظرًا لتاريخه المنحاز.
دحلان.. حصان طروادة
وتكشف التسريبات أن الخطة تتقاطع مع تحركات لتلميع اسم محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة فتح والمقيم في الإمارات، الذي يراه الغرب أداة محلية يمكن أن تُفرض لاحقًا كواجهة إدارية بعد مرحلة بلير.
ويؤكد المحلل السياسي الفلسطيني خليل شاهين أن بلير يمثل الغطاء الاستعماري المباشر، بينما يشكّل دحلان الأداة التنفيذية المحلية، محذرًا من إعادة إنتاج مشاريع “السلام الاقتصادي” التي تحوّل القضية الوطنية إلى ملف خدمات ومعيشة بعيدًا عن التحرر والسيادة.
و يعبر الفلسطينيون عن رفضهم للخطة، حيث نقلت صحيفةThe Independent عن مسؤول في حركة حماس قوله: “لا أحد له الحق في تفكيك أي فصيل فلسطيني، الذي يجب أن يتفكك هو الاحتلال، و لن نسمح بأن يُفرض على الفلسطينيين شيء ضد إرادتهم.”
وتؤكد هذه التصريحات أن المقاومة باتت جزءًا من المعادلة التي لا يمكن تجاوزها، وأن أي مشروع يتجاهلها أو يسعى لإقصائها محكوم عليه بالفشل.
وتهدف الخطة إلى شرعنة الاحتلال عبر تغليفه بمسميات دولية، وتقديمه كشريك في “إعادة الإعمار”، ما يعني عمليًا تجريد الفلسطينيين من قرارهم الوطني، أما اقتصاديًا، فتسعى الخطة إلى إدارة القطاع وفق أجندة استثمارية تخدم أطرافًا خارجية، لا أبناء غزة المنكوبة، في تكرار لنظرية “السلام الاقتصادي” التي روّج لها نتنياهو منذ سنوات.
أما على الصعيد الأمني، فتشير الخطة إلى احتمال نشر قوات دولية أو وحدات حماية أجنبية على حدود القطاع، وهو ما يعتبره الفلسطينيون شكلًا جديدًا من الاحتلال المغلّف بغطاء أممي.
ويرى مراقبون أن أي وجود أجنبي مسلح على أرض غزة سيؤدي إلى صدام مباشر مع فصائل المقاومة، التي لن تقبل بتكرار تجربة “قوات الطوارئ” التي انتهت بتثبيت السيطرة الخارجية بدلًا من حماية السكان.
وتحذر منظمة القانون من أجل فلسطين من أن إنشاء هيئات قضائية أو اقتصادية تحت إشراف دولي قد يتيح مصادرة أراضٍ فلسطينية واستغلال موارد القطاع لمشاريع استثمارية أجنبية، بدل أن تُوجَّه لإعمار حقيقي يخدم المواطنين.
معادلة ما بعد طوفان الأقصى
وتسعى الخطة من منظور استراتيجي إلى تحويل غزة إلى “منطقة آمنة” للكيان الصهيوني تُدار بإشراف دولي وتُعمّر وفق أجندة اقتصادية، مع طمس جوهر القضية الوطنية المتمثل في التحرر والاستقلال، وهنا تتضح خطورة الدور الذي يُراد لبلير ودحلان لعبه، والمتمثل في تقديم وصفة جديدة من الإخضاع السياسي تحت لافتة الإعمار والتنمية.
وأثبتت عملية “طوفان الأقصى” أن غزة ليست ساحة إنسانية فحسب، بل ميدان سياسي وعسكري أعاد رسم معادلات القوة في المنطقة، وأن المقاومة أصبحت طرفًا لا يمكن تجاوزه في أي صياغة مستقبلية.
وتؤكد فصائل المقاومة أن العودة إلى “أوسلو” أو إلى سلطة تعمل وكيلاً أمنيًا للاحتلال لم تعد ممكنة، وأن البديل الوحيد هو إدارة وطنية مقاومة تنطلق من وحدة الأرض والإرادة.
والخلاصة أن الخطة الأمريكية-البريطانية، بما تتضمنه من أسماء وأهداف، ليست مشروع إعمار بقدر ما هي محاولة لفرض وصاية سياسية جديدة على غزة، ومثلما فشلت مشاريع “اليوم التالي” التي روّجت لها مراكز أبحاث غربية بعد الحروب السابقة، فإن هذه الخطة أيضًا محكومة بالفشل لأنها تتجاهل الحقيقة الأوضح على الإطلاق بأن الشعب الفلسطيني وحده هو من يملك حق تقرير مصيره، وأن أي مشروع لا ينطلق من المقاومة والإرادة الشعبية لن يعيش طويلًا.