اليمن.. عاصمة المولد النبوي الشريف وقبلة العشق المحمدي
الصمود||تقرير||
لم تعد ذكرى المولد النبوي الشريف مجرّد مناسبة سنوية يتناقلها المسلمون في تقاويمهم الدينية، بل تحولت إلى محطة إيمانية كبرى تشهد فيها الشعوب الإسلامية سباقًا روحانيًا للتعبير عن حبها لرسول الله محمد صلى الله عليه ووعلى آله وسلم.
وبرغم تنوّع الطقوس والاحتفالات من بلد إلى آخر، يظل اليمن الوجهة الأبهى واللوحة الأكمل التي يتصدر بها شعب الإيمان والحكمة مشهد الاحتفاء بالمولد على مستوى العالم الإسلامي.
مشهد لا يُضاهى
منذ مطلع شهر صفر، تبدأ صنعاء وبقية المحافظات اليمنية بالاستعداد المبكر لهذه الذكرى العظيمة، الشوارع والأحياء، الجبال والتلال، البيوت والمؤسسات كلها تتحول إلى خضرة متوهجة، تزينها الأضواء والعبارات المحمدية.
لا يقتصر المشهد على المدن الكبرى، بل يمتد إلى أصغر قرية وأبعد وادٍ، في لوحة إيمانية تبهر الناظر وتعلن أن اليمنيين ليسوا مجرد محتفلين، بل أمة تعاهد رسولها بالسير على خطاه وتجديد الولاء له عامًا بعد عام.
وتبلغ هذه التحضيرات ذروتها في الفعالية المركزية الكبرى في الثاني عشر من ربيع الأول، حيث تحتشد الملايين في مشهد أسطوري يصفه المراقبون بأنه “أكبر وأبهى احتفال في العالم الإسلامي” على الإطلاق.
سباق أممي.. يتقدمه اليمن
في مصر، يكتسي المولد ببهجة “حصان وعروسة المولد” وحلوى الفولية والسمسمية. وفي السودان، تتلألأ “ساحات المولد” بالمدائح والتواشيح وحلقات الذكر حتى الفجر.
وفي المغرب، تتزين البيوت والأسواق وتقام مواكب الشموع في ليلة 12 ربيع الأول.
أما تونس، فتستقبل مدينة القيروان أكثر من مليون زائر لإحياء المولد، بينما تحتفظ ليبيا بطابعها التراثي من مواكب المدائح والقصائد البُرزنجية.
وفي العراق، يحتفي الشعب بالمولد النبوي باحتفالات واسعة كل عام، حيث تُزيَّن البيوت والطرقات والأسواق، وتحرص العائلات على إعداد الأطعمة الشعبية الخاصة مثل “الزردة” وحلوى التمر وتوزيعها على الجيران والأقارب، وتمتاز هذه الاحتفالات بالعفوية، إذ تنبع من محبة الشعب العراقي للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وارتباطه الوثيق به.
فلا تكاد تجد حيًا أو منطقة إلا وتجد فيها مظاهر الاحتفال من أناشيد وزينة وحلوى وولائم جماعية، كما يشارك الأهالي في جمع التبرعات لتغطية نفقات الاحتفالات من طعام وشراب وهدايا، لتتحول المناسبة إلى مظاهرة اجتماعية تعكس التلاحم والتكافل بين أبناء الوطن، وتؤكد أنها مناسبة إيمانية جامعة لا تخص طائفة معينة أو مذهبًا بعينه، بل تُعبّر عن وحدة الشعب حول محبة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي الخليج، تتحول المناسبة إلى إجازة رسمية تتخللها خطب ومحاضرات روحية.
أما تركيا، فتمتزج احتفالاتها في المساجد التاريخية بإنشاد المدائح وتوزيع الحلوى.
وفي ماليزيا وإندونيسيا، تتجسد المشاعر عبر المواكب الشعبية والأهازيج، و”الختان الجماعي” وزيارات الأيتام والمبادرات الخيرية.
لكن.. وبرغم هذا الزخم المتنوع، فإن اليمن يظل المتصدر، الأبرز، والأكثر فرادة، ليس من حيث الشكل فقط، بل من حيث الجوهر، ففي الوقت الذي ينشغل فيه العالم الإسلامي بإحياء المناسبة بطقوس وعادات متوارثة، يقدّم اليمنيون رسالة مزدوجة: عشق وولاء لرسول الله، وصمود وتحدٍ للطغاة والمستكبرين.
منبع الرسالة وميدان التحدي
لا يكتفي اليمنيون بأن يكونوا السبّاقين في إحياء ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل يجعلون منها جبهة وعيٍ وميدان تحدٍ في مواجهة قوى الاستكبار العالمي.
فالملايين التي تملأ الساحات والميادين في مشهد قلّ نظيره، لا تعبّر فقط عن الولاء لرسول الله، بل تؤكد في الوقت ذاته أن هذا الشعب متمسك بهويته المحمدية الأصيلة، وأنه حاضرٌ ليدافع عن قضايا الأمة الكبرى، وفي مقدمتها قضية فلسطين.
إن المولد النبوي في اليمن لم يعد مجرد فعالية دينية، بل موسمٌ للتعبئة والتحشيد، ومناسبة لتجديد الانتماء لرسول الله والبراءة من أعدائه، ورسالة عملية للعالم مفادها: “هنا في اليمن، يولد الوعي من جديد، ويُرسم مستقبل الأمة على خطى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم”.
نهر محبة لا ينضب
في كل عام، حين يهلّ ربيع الأنوار، تتجدّد في قلوب اليمنيين ينابيع المحبة للمصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتفيض الساحات بالمدائح، والأصوات بنداءات الشوق، والعيون بدموع العشق المحمدي، إنها لحظة تعانق فيها الأرض السماء، ويشعر الناس أنهم يعيشون معجزة الولادة من جديد؛ ولادة الوعي، وولادة النور، وولادة الروح التي لا تعرف الانكسار. المولد في اليمن ليس احتفالًا عابرًا، بل عهد روحي متجذّر يجعل كل فرد يرى في الرسول القائد والمعلم، والهادي الذي أنقذ البشرية من الظلمات، ويستمد منه القوة في مواجهة تحديات الحاضر وصناعة مستقبل مشرق للأمة.
ساحة وعي وصمود
لم يعد المولد النبوي في اليمن مجرد احتفال، بل منبر تعبوي وموسم توعوي تستلهم فيه الأمة نهج الرسول الأعظم، وتستعيد سيرة القائد المصلح الذي أخرج البشرية من الظلمات إلى النور.
فالندوات والمحاضرات والفعاليات الثقافية والفنية والإنشادية ليست ترفًا، بل وسيلة لترسيخ الهوية الإيمانية وتعزيز روح المقاومة والصمود في وجه العدوان والاستكبار، إنها لحظة يجتمع فيها اليمنيون ليقولوا للعالم: نحن أمة لا تُكسر، أمة محمدية الأصل والامتداد، نستلهم من مولده القوة، ومن نهجه النصر، ومن رسالته العزة والكرامة.
اليمن.. النموذج والقدوة
حينما يشاهد العالم ملايين اليمنيين المحتشدين في الساحات، يهتفون باسم الرسول الأعظم، ترتفع راياتهم الخضراء، ويضيئون سماءهم بالأنوار المحمدية، فإن الرسالة تكون أوضح من أي وقت مضى: اليمن اليوم هو قلب الأمة النابض، وحارس الولاء المحمدي، والمثال الذي يجب أن يُحتذى.
فالمولد في اليمن ليس مجرد ذكرى تُروى، بل عهد يتجدد، ورسالة تتحدى، ومشروع حضاري يستمد جذوره من نور المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
نقلاً عن موقع 21 سبتمر